كيف نحافظ على روحانية رمضان طوال العام ؟ الغفلة أهم أسباب ضلال النفوس . الفضول .. يمنع الوصول إلى الله . الفضولى يهتم باصلاح الأخرين وينسى نفسه تهذيب و تزكية الروح .. بالمعرفة الصحيحة. بداية السلوك السليم .. رفع الموانع النفسية .
انقضى رمضان ولم تنقض أعماله وطيباته و حسناته وروحانياته .. والكثيرون منا ينقضون عباداتهم بقضاء أيام رمضان .. فينصرفون للملزات و الشهوات واتباع خطوات الشيطان لتنكشف حقيقة نفوسهم الخربة ويسقط الستار عن عورات قلوبهم العامرة بمعصية الله بينما يجتهد فريق آخر عرف حقيقة الدنيا فلم يعطها قدرا أكثر من مثقال جناح بعوضة فانصرف عنها و ملزاتها و شهواتها واتبع خطوات الرحمن فحافظ على الهبادة وسارع فى الخيرات واجتهد ليغتنم كنزه الروحى و مكتسباته الربانية التى لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم .. و لأنك عزيزى الإنسان المجتهد طوال شهر رمضان المبارك بالجوع والعطش و اجتناب المحرمات قد تسقط فى براثن النفس الأمارة بالسوء فتلهث خلف المعاصى لتخسر ما جنيته فى رمضان بينما غيرك تمسك بالنفس المطمئنة فنجا بقلبه من مغريات حياة واهية لا تنفع بل تضر .. و من هنا ينبع السؤال الهام والجوهرى الذى هو محور هذه الكلمات .. كيف نغتنم ونحافظ على الغنيمة الربانية الرمضانية ؟ و للإجابة على هذا السؤال الذى يهتم ويبحث عن اجابته كل صادق مع الله ونفسه التقينا بالدكتورة زينب زكى آل سالم خبيرة علم النفس لنناقها فى بحثها الفريد من نوعه حول النفس البشرية ومدخلها فى التربية الروحانية على منهج الصوفية حتى يستطسع المرء الحفاظ على ما غنمه فى أيام وليالى رمضان و ليس الشهر المبارك وحسب بل جميع الأيام والشهور على مدار عمر الإنسان . و فى بداية حديثها ألقت دكتورة زينب سؤالا جوهريا لتجيب عنه فى السطور التالية حيث استهلت الحديث بسؤالها .. لكل مغتنم يسأل كيف تحافظ على ثروتك التي قمت بتجميعها في هذه الأيام الفضيلة ؟؟ سؤال مهم جداً فالإنسان الذي لا يعرف قيمة هذا الشهر الذي انقضى لا يمكن أن يعمل و يغتنم فى حياته أى عبادة و لن يعرف الطريق لأهم العبادادت الموصلة للمولى عز وجل فالإنسان الذي لا يعرف هدفه، كيف يتحرك للعلى ؟ اذ أن الحركة هي الخروج من حالة إلى اخرى أو كما يقول الفلاسفة : هي الإنتقال من القوة إلى الفعل و الحركة دليل الحياة إذ الميت لا يتحرك و الإنسان سالك متحرك نحو الحقيقة و لهذا .. اولاً لابد ان يعرف الإنسان قدره و هدفه وقدر و قيمة الإنسان تكمن في أنه امتداد عظيم للحياة حيث انه لم يخلق للموت بل للبقاء يقول تعالى ( خلق الموت و الحياة) و لفظ خلق يدل على الوجدان لا الفقدان و على وجود لا عدم فهو وجود مستمر لا ينقطع بموته لأن الموت بداية حياة اخرى و أما أهداف الخلقة فكثيرة ( أولها و أهمها .. العبادة ) و منها أيضا ليصل إلى أعلى عليين و المقربين و ... و... فالإنسان موجود ليتسابق في الوصول الى درجات المقربين من الله عز وجل " وهانحن قد بلغنا الله الشهر الكريم و بلغنا ضيافته في العيد الجليل السعيد،فلابد لنا أن نتسائل كم تجلت الأسماء الإلهية في وجودنا في هذا الشهر؟؟ هل حصلنا على القرب الإلهي ؟؟ هل حصلنا على الترقيه هل أحصينا شيء من الفيوض ؟؟ إن كان الجواب نعم ، فلنكمل الطريق بهمه وشوق وإن كان الجواب لا ، فلابد أن نضع خطة تربوية لأنفسنا و تكمن خطتنا في مسالة الإنصاف .. الذى هو الفضائل و الإنصاف أربع أقسام فتأملي يا نفس فيما اعددت لتوجهك الى الطريق وإلى عالم الحقيقه .فلنتحدث عن الإنصاف : اولا: الإنصاف مع الله عز وجل الله سبحانه وتعالى رزقنا كل النعم فلابد من شكره ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُ.) ثانيا : الإنصاف في الفكر و العمل ا- الإنصاف في الفكر يقول تعالى (( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيه ))والشيطان يتوعد كما يقول تعالى (( لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقيمَ )) بينما نلاحظ في كلام الله يبين حال الانسان و صيره إذن مقدمة السير و السلوك أن يتوجه الإنسان بأنه ناقص فلابد من الحركة ليتكامل وأنه مسافر فلابد من الراحلة و تهيئة الزاد .. فبداية السلوك رفع الموانع و أولها الغفلة ففي الحديث القدسي يقول (عبدي ما أنصفتني أذكرك و تنسى ذكري وأدعوك الى عبادتي و تذهب الى غيري و أرزقك من خزانتي...)اي شخص لا يشعر بنقصه و باحتياجه هو ساه، وليس له حظ و سهم من الأخلاق و المعنويات (اِلهى لَمْ يَکُنْ لى حَوْلٌ فَانْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِکَ اِلاّ فى وَقْتٍ اَيْقَظْتَنى لِمَحَبَّتِکَ) وتضيف دكنور زينب زكى أن الله جل جلاله قد بعثت الأنبياء لأجل إستيقاظ البشر من النوم و الغفلة و سيدنا علي بن أبى طالب رضى الله عنه يقول :(من تساوى يوماه فهو مغبون) المقصود بيوم ليس المقابل لليل ( النهار) بل اليوم يعني عدم تساوي ساعتين او لحظتين. إذن الإنصاف الفكري يعني اليقظة من الغفلة و لابد من التوجة للحركة يقول أيضاً رضى الله عنه ( الغفلة ضلال النفوس)و ( إن الصاعقة لا تصيب ذاكراً لله عز وجل) وتؤكد دكتورة زينب فى بحثها أن الغفلة عن ذكر الله لا تتناسب مع تهذيب الروح، و بما أن الله يقول ( فملاقيه) فلابد من الحركة. و بما أننا نحافظ على الأموال لأن الغفلة عنها تجلب الخسارة و الضرر إذن لماذا نغفل عن التزكية و تهذيب الروح يقول تعالى: (( وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْانسَانَ لَفِى خُسْرٍ)) . وفى لفتة انتباه لأمر هام تقول الدكتورة زينب آل سالم : إن الشيطان لا يتوعد بالخسائر المادية بل يتوعد بخسارة الإيمان. إذن فالإنصاف مع الله التوجه له فهناك موانع تحصل للإنسان تحيله عن بلوغ الإنصاف مع الله ، أهمها الغفلة. - أما ثان الموانع فهو الفضول مانع الوصول الى الله .. ولمعرفة سر منعه فلابد من تعريفه أولا ولمعرفة ذلك فلابد من الحديث عن الفرق بين الفضول والعقول،لأنه في المحادثات العرفية نستخدم لفظ فلان فضولي أي الشخص الذي يتدخل في شؤون الآخرين. والانسان العاقل يبدأ في الفحص عن داخله و من ثم العالم الخارجي. بينما الانسان الفضولي نظره دائماً الى الآخرين و يغفل عن نفسه. ويقول تعالى: ( يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم) أى ( يا أيها الانسان ما جرأك على ذنبك و ما غرك بربك وما أنسك بهلكة نفسك؟ أوليس من نومتك يقظة؟ اما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك....) وظيفتنا إصلاح انفسنا لنتمكن من إصلاح الآخرين. فالعاقل يدرك وظيفته بينما الفضولي يريد هداية و إصلاح الآخرين بغض النظر عن تربيته لنفسه او السعي لإصلاحها.ولابد ان يلاحظ القاريء ليس المقصود ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بحجة عدم إصلاح النفس، بل وظيفة الانسان العاجلة إصلاح نفسه، حيث ان الإصلاح و التربية امر تحصيلي و ليس صولي. فعلاج النفس و إصلاحها ليس مثل امور الطبية فعلاج الامراض المعدة و الرئة و غيره لدى الطبيب الحاذق المتخصص وليس بمقدور اي شخص غير متخصص علاجها، بينما إصلاح النفس في مقدرة الجميع، وإذا لم تكن في المقدور فالأمر بتربية النفس و إصلاحها امر عبثي. وتستدرك دكتورة زينب الحديث قائلة لقد كررنا عبارة - تربية النفس امر محال او صعب جدا الى ان صدقنا و آمنا فلم نتحرك للتهذيب. لنتأمل في كلمات سيدنا علي رضى الله عنه حيث يقول مع ما وهب من العلم من الله على يد سيد الخلق والمرسلين المصطفى صلى الله عليه وعلى آله طيبين الطاهرين: ( ان ربي وهب لي قلبا عقولاً و لساناً سؤولاً ) ويستفاد من العبارة القلب العقول المفكر و العامل بما يعلم ، و اللسان السؤول كثير الأسئلة بحيث يتعلم ما لا يعلمه. فاذا أدركنا المشكلة إذن يكمن السؤال ما الحل؟؟؟ فتهذيب النفس لا يتحقق بدون معرفة المشكلة و حلها .الذى هو بدوره كامن في امور منها : 1- المراقبة في الكلام، الجلسات و المحادثات، المسموعات، الطعام، و الملبس.اما الجلسات فهي مملوءة للأحاديث هل كلامنا يتخلله الحرام، او الحلال حيث يقول العلماء أن الشخص الذي يتلفظ بالسب و الشتم دليل على عدم نقاء القلب، اذ ليس من الإنصاف استخدام نعم الله عز و جل فيما حرمه. واللباس لابد ان يكون حلال و لا يكون لباس شهرة و هكذا ... 2- ذكر الله كل شيء له حد لا إفراط و لا تفريط لكن ذكر الله ليس له حد حيث يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا). بحيث تصبح لديه ملكة الذكر، مما ينتج عنه ذكر الله في حال العبادة او غيره، وهنا يتضح الفرق بينه و بين الآخرين. وإصلاح النفس تكليف الإلهي. المراقبة و الذكر هي حلول لمشكلة الغفلة. و الحلول امور حسنة لان الهدف منها الإنصاف مع الله و يقول تعالى ( من جاء بالحسنة فله خير منها) و قوله تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ونستفيد من الآيتين اي شخص يراقب نفسه ساعة واحدة ستكون النتيجة مراقبة عشر ساعات. أما عوامل اليقظة فهى : - الخوف من النار - الشوق للجنة - الاشتياق للقاء الله. فاليقظة للقاء الله تتطلب سوء الظن بالنفس، و حسن الظن بالآخرين. والمقصود من سوء الظن بالنفس حالة نفسانية تبعث على التأمل في الإعمال و الأفكار و العبادات، لا الوصول الوساوس الشيطانية، بل التدبر و التأمل. فالبعض يعيش حالة الظنون الباطلة والسالك يرى نفسه في محضر الله و كل الموجودات مظاهر و تجليات الإلهية. و يصف الله اصحاب الظنون الباطلة ( ألم يعلم بان الله يرى) ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون) و قال ( أيحسب الانسان ان لن نجمع عظامه) و ( يحسبون أنهم مهتدون) و ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) و يصف قلوبهم ( و أفئدتهم هواء) إذن من طرق تهذيب و تزكية الروح المعرفة الصحيحة. و المعرفة الصحيحة التوحيدية الربانية فالسالك المنصف هو الذي يتحرك نحو الواجب و يتجنب و يفر من الحرام و المكروه .. إذن المنصف مع الله هو المتحرك نحو الحق و الحقيقه وهو طريق واحد ومعروف. - و إذا أردنا تلخيص نتائج الأفكار السابقة فإنها تتلخص فى عدة أسئلة جوهرية لابد الإجابة عنها . س/ سؤال مفكر ومتدبر لمن العيد؟؟ ج/ لمن أنصف مع ربه و نفسه و الآخرين. العيد لمن غير من حاله وتغير حاله و خرج من جحيم النفس الأمارة إلى نعيم النفس المطمئنة. و هذا لا يحصل إلا عن طريق الحركة.. و الحركة لإصلاح النفس لا تحصل بدون أن يدرك الإنسان فقره و عجزه و غفلته و جهله فلابد من التحول العظيم لأنه وجود مستمر. فهذه الأيام تجتمع فيه الأسر و الأصدقاء و الأحبة مثل كل عام و كل شخص له فكره المنعكس على سلوكه الخارجي، مثل ألفاظه، و لباسه و محبته و عزيمته و ...و ... الى أخره هل ترى إرادتك في التحول العظيم هبطت اليوم أم ارتقت؟ هل ترى سلوكك و صلتك مع من حولك تحسنت أم لا ؟ هل تحسنت طريقتك في الكلام وإختيار ألفاظك وأنتقائك لها من عقلك صحيحه أم لا؟ و هل ..و هل.. أسئلة كثيره جدآ للحصول على نتيجة حول النفس وصفائها وتربيتها ورقيها في خلال الشهر الفضيل الذي انقضى بجماله . عندما نرى التغير و التحول الذي حصل لمن حولنا ، وهل تغير الآخرين إلى الأفضل يشعرنا بالسعادة، ويؤثر إيجابا علينا أم لا؟ هل يتألم قلبك لمعاصيك و معاصي من حولك ؟؟؟ الأجابة لنا نحن نسئل انفسنا ونجيب ونستنتج أين نحن وأين وصلنا وما مقدارنا ؟ وأخيراً،، ليعلم السالك ان أحد الظنون الباطلة المالكية هى أن يتصرف البعض في مملوكات الله و كأنها ممتلكات شخصية ويقول تعالى ( لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا). ولتعلم أن الشيء الذي بيدك و ليس لك يعتبر استعارة فالاستعارة لا تختص في الأموال و الأولاد بل في أصل الحياة إذ أن العالم و المالك الحقيقي هو الله و مظهر الملكية هو خليفة الله في أرضه، أما مظهر المالك في الآخرة فهم المؤمنون الصالحون. إذن هل من الإنصاف التصرف في شيء ليس ملكنا؟؟؟