يبدو أن ممارسات تنظيم داعش الوحشية في العراق وسوريا لم تكن كافية لتشويه صورة الاسلام والاساءة إلى هذا الدين الحنيف حتى تخرج علينا حركة طالبان الباكستانية بفعلها البشع وجريمتها النكراء، التي تمثلت في قتل أكثر من 130 تلميذا في هجوم وحشي سافر لعناصر الحركة على إحدى المدارس بمدينة بيشاور شمال غربي باكستان. الخطأ الاستراتيجي الذي ترتكبه بعض الدول أو الحكومات يتمثل في عدم فهم المنطلقات الفكرية والأيديولوجية للجماعات الدينية وتصنيف بعضها باعتباره "معتدلا" فيما يصنف بعضها الآخر في خانة التشدد والتطرف، وهذا الأمر ليس دقيقا ولا صحيحا بالمرة كون المنابع الفكرية لجميع هذه الجماعات والتنظيمات واحد، ولكنها تختلف في التكتيك والآليات وأساليب الممارسة، فضلا عن أن اعتماد التطرف أو ما يعتبره البعض "اعتدالا" يرتبط بمصالح هذه الجماعات وقياداتها ولا علاقة له بالفكر الذي تعتنقه والأيديولوجية التي تؤمن بها. ومن هنا كانت سلطات ومؤسسات بعض الدول العربية والاسلامية والغربية أيضا تصنف الحركات والجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة إلى "أخيار" و"أشرار"، ثم لا تلبث أن تفاجىء في مناسبات أو ظروف معينة بخطأ تقديراتها وتصنيفها لهذه الجماعات. لا شك أن ما لحق بالصورة النمطية للاسلام في مختلف أرجاء العالم على يد هذه التنظيمات الارهابية المتطرفة يضع الاسلام في خانة الدفاع عن الذات بل يضع المسلمين جميعا في دائرة الاتهام والشكوك في مختلف المواقف والمناسبات، وهذا الأمر يتطلب مواقف جادة وجماعية من الدول العربية والاسلامية. لعل نظرة واحدة على خارطة العالم تشير إلى حجم المأساة التي لا ينبغي تجاهلها او التهوين من شأنها، ونقصد بذلك نقاط العنف والدم المنتشرة على هذه الخارطة، وهي نقاط ترتبط في معظمها بممارسات التنظيمات الارهابية العنيفة التي تزعم الدفاع عن الاسلام وترفع لوائه زورا وبهتانا!!. واللافت أن مافعلته حركة طالبان باكستان بحق التلاميذ الصغار لم يكن له أي تفسير مقنع أو غير مقنع أو حتى مجرد مبرر لهذا الفعل الشنيع، الذي يعكس افتقار عناصر هذه الجماعات إلى أبسط المشاعر الانسانية وعزلتهم المطلقة والتامة عن العالم من حولهم. إذا كان البعض يبرر أو يفسر ممارسات هذه التنظيمات في دول مثل العراق وسوريا باعتبارها ردة فعل على الطائفية التي تمارس هناك، فماهو تفسير هؤلاء ورؤيتهم لمقتل كل هذا الكم الكبير من الاطفال بدم بارد من دون أي مبرر سوى التعطش للدماء والعنف والوحشية المفرطة التي تخرج هؤلاء خارج دائرة المفهوم الانساني المتعارف عليه. لا اعتقد أن هناك أحد يمتلك قدرا من الانسانية أو الضمير والوازع الانساني والاخلاقي بات يتعاطف مع هذه التنظيمات والجماعات التي وضعت نهايتها أيديها وحسمت مواقف المترددين والمجادلين وغيرهم ممن كانوا يبدون قدرا ولو ضئيل من التبرير أو التعاطف مع الظاهرة العنفية في مختلف دول العالمين العربي والاسلامي. التردد في مواجهة موجة التطرف والارهاب بات يعني بامتياز أن هناك تفريطا حقوق الاسلام والمسلمين كون الصمت على هذه الممارسات البشعة يعني في المقابل الموافقة الضمنية على مواصلة تشويه ديننا الاسلامي الحنيف، والتسليم لهذه الجماعات والتنظيمات بالاستمرار في أعمالها وسلوكياتها وممارساتها النكراء. الصمت لم يعد خيارا في مواجهة هذه الجرائم، ولا اعتقد أن الشعوب العربية والاسلامية تمتلك رفاهية التردد او الصمت في أحوال كهذه، بل إن الصمت يعني بالتبعية خسائر جديدة واستنزافا هائلا لمقدرات الأمم والشعوب جميعها وحقها في حياة آمنة مستقرة. الوضوح والصراحة والمكاشفة وتسمية الأشياء بمسمياتها وعدم التهرب من مواجهة هذه الانحرافات المسيئة للدين الاسلامي بات واجبا لا يحتمل المناقشة والجدل، فبالبديل هو انتشار كراهية الاسلام والمسلمين ودمغهم بالعنف والتطرف والارهاب في مختلف أرجاء العالم، فمن يتحمل عبء هذه الاتهامات والتخلي عن واجبنا جميعا في الدفاع عن ديننا الاسلامي الحنيف وصونه وحمايته من عبث العابثين والمغامرين والمتآمرين.