تعد محافظة الفيوم، من المحافظات الأقرب من حيث الموقع الجغرافي للحدود الليبية المصرية، وهو ما جعلها الأقرب لعقول الشباب الذين يحلمون بالسفر من أجل البحث عن "لقمة العيش"، بعد أن ضاقت بهم السبل في مصر، على الرغم من تعرض الكثير منهم لسوء معاملة. العمق التاريخي للعلاقة بين المصريين والليبيين، منذ عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وخاصة بمحافظة الفيوم، والتي تضرب عائلة القذاذفة والعائلات المتشابكة معهم بعمق في قرى معروفة بمحافظة الفيوم، حيث كانت محط أنظار الزعيم الراحل وكبار قبيلته، دفعت الشباب "الفيومي" إلى السفر والبحث عن عقود العمل في دولة ليبيا الشقيقة، لدرجة أن أهالي الفيوم كانوا يتداولون دائما فيما بينهم رواية تقول أن "القذافي" كان يريد ضم محافظة الفيوم إلى دولة ليبيا قبل عدة سنوات. ولم تنجح العلاقة التاريخية فى التصدي لسوء المعاملة التي يتعرض لها المصريين فى ليبيا، في ظل الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها ليبيا حاليًا، وكانت واقعة توقيف نحو 70 من المصريين العاملين بمنطقة "أحواش" بالهضبة الشرقية بطرابلس ليبيا فجر الجمعة الماضية، هي الأقرب في سلسلة سوء المعاملة للمصريين هناك. ترك ناصر عوض الله عمر، (29 سنة) من أبناء الفيوم الموقوفين في ليبيا، زوجته وطفلته البالغة من العمر "سنتين"، وسافر إلى ليبيا، ورغم أنه حاصل على ليسانس كلية الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر، ولكنه توجه إلى ليبيا للعمل في مجال المعمار، بعد أن ضاق به الحال في مصر مثل باقي الشباب المصريين. ويروي شقيقه، أحمد عوض الله عمر عن الظروف التي دفعت ناصر للسفر إلى ليبيا، حيث تمكن من الحصول على إقامة هناك لمدة عام، ولم يتبق منها سوى 6 أشهر، وكان يسافر ويعود إلى مصر، بعد أن نصحه المقربين بالسفر حيث كان يعمل قبل ذلك في شركة سياحة ومطعم وغيرها من الأعمال. ويضيف أحمد: يواجه المصريين في ليبيا أسوأ معاملة من أصحاب الأعمال، بالإضافة إلى تعرض بعضهم لقطع الطريق والإستيلاء على نقوده، وقال "نفسنا الناس إللي في ليبيا يسألوا الليبين في مصر.. إزاي إحنا بنعاملهم". وأشار بدوي ريان، من قرية قلهانة بمركز إطسا، وهو ابن عم ثلاثة من المصريين الموقوفين فى ليبيا، منذ الجمعة الماضية، إلى بعض المواقف التي واجهها المصريين الموقوفين هناك خلال إحتجازهم، منها أن أحدهم عندما كان بالمخفر، إستغل فرصة قيام رجال الشرطة بطلب 400 دينار من كل مصري محتجز لإخلاء سبيلهم، فطلب منهم إطلاق سراحه حتى يتمكن من الاتصال بذويهم في مصر من أجل تحويل هذه المبالغ إليهم لسدادها للسلطات الليبية، وبعد خروجه بالفعل هرب ولم يعد مرة أخرى للسلطات. وأضاف أن ذويهم من المصريين الموقوفين في ليبيا، فقدوا كل أموالهم بعد أن استولى عليها المسلحون، بعد مهاجمة منزلهم في منطقة "الأحواش" بطرابلس، فضلا عن تحطيم محتوياته، وعاد "بدوي" يؤكد على أنه بالرغم من ذلك، فإن شباب القرية وبعض قرى المحافظة يستهويهم السفر إلى ليبيا من كثرة الكلام والإغراءات التي يتعرضون لها من قبل من سبقوهم للعمل هناك، خاصة في الأحوال الإقتصادية السيئة التي تعاني منها مصر في الوقت الراهن. وتابع: كل شاب يحاول أن يوفر تكلفة عقد العمل بليبيا والتي تقدر بحوالي 8 آلاف جنيه، فمنهم من باع بعض ممتلكاته ومنهم من اقترض المبلغ من أقاربه وأصدقائه حتى يتمكن من السفر ومحاولة توفير النقود حتى يردها حينما يعود مرة أخرى، وضرب مثلا لسوء المعاملة التي يتعرض لها المصريين هناك، بأن أحد المقاولين من قرية قريبة منه حمل معدات وأخشاب البناء وتوجه بها إلى ليبيا، ليعمل في المعمار هناك، ولكنه تعرض للنصب وعاد بدونها، وأصيب بجلطة بسبب فقدانه تلك الأدوات التي لا يملك من حطام الدنيا سواها. وأكد على أن إصرار الشباب على السفر لليبيا، يرجع إلى قربها لمصر على الرغم من الإهانات التي يتعرض لها المصريين هناك، مشددا على أن أهالي الموقوفين سيضغطون عليهم للعودة من ليبيا إلى مصر بسبب أحداث الانفلات الأمني وسوء المعاملة. ومن جانبه يشير الشيخ علي سالم، من قبيلة القذاذفة، وهو من أبناء عزبة مراد التابعة لمركز طامية، إلى العمق التاريخي الذي يربط البلدين من خلال عائلة "القذاذفة"، وقال: إن أبناء العزبة والمنتمين للقبيلة كانوا يسافرون إلى ليبيا قبل 10 سنوات بالبطاقة الشخصية، حينما كانت العلاقات بين مصر وليبيا قوية، وكانت السلطات هناك تطلع على البطاقة الشخصية لأي مصري وتتركه يعيش ويعمل في ليبيا كما يشاء مثل أي مواطن ليبي. وتابع: كنا أيضا نسافر برًا بالسيارات من مصر، ولكن الأمور تبدلت وأصبح الأمر أصعب حاليا، حيث أصبح لابد أن نحصل على تأشيرة دخول وعن طريق الطيران فقط. وأكد سالم، أن أفراد قبيلة القذاذفة، لا يواجهون أي مشاكل في حالة سفرهم إلى ليبيا ولا حتى في العمل بها، حيث إن ما يهم السلطات هناك، أنهم مصريون ويحملون جواز السفر فقط، وأن من يسافرون من قبيلته إلى ليبيا، لا يواجهون مشاكل في العمل وبعضهم يؤكدون أن الرواتب أفضل من ذي قبل، حيث يعملون في مهن معروفة منها المعمار والسباكة والكهرباء والمحارة، لأن الشباب يعاني الأمرين في الفيوم، ما دفع كل منهم للتفكير في السفر لجمع أموال يشتري بها "مواشي" أو منزل لأسرته، أو يوفر حياة آمنة لأبنائه، وقال: "إحنا بنسافر ليبيا لأنها قريبة جدا من الفيوم".