لم يكن بالامر السهل ان اشرع في كتابة هذا المقال عن معشوقتي الساحرة التي لم ولن تفارقني طوال حياتي ..فهذه الساحرة لا تترك من سحرته ووقع في اثيرها مطلقا ..فمن تعود علي الاستماع الي الراديو وذاق متعته الخاصة لا يتركه قط فالراديو مثل الكتاب واكثر انه خير صديق وخير رفيق ,وسيلة اعلامية فذة وعبقرية تتميز بالسهولة والسرعة دون تكلفة ترسل الخبر في التو واللحظة دون عناء او اجهاد تؤدي كل وظائف الاعلام والاخبار والتثقيف والترفية والتوجيه والارشاد لم تستسلم ابدا امام زحف وطوفان الفضائيات غير المتناهي ..وكلما اعتقدنا انها في طريقها الي الزوال وجدناها تعيد انتاج نفسها مرة اخري بطرق واشكال جديدة لم تخطر علي بال احد . ولقد سحرني الراديو منذ نعومة اظافري فلم يفارقني قط طوال حياتي في كل الاوقات وكنت احملة معي في كل مكان اذهب اليه اعرف منه كل شئ عن هذا العالم بتركيز وتعمق –حيث لا تلعب الصورة دورا في التشتيت او التشويش الذهني –وينساب الخيال العامر الي ما لا نهاية وبذللك ازدادت ملكة التخيل قوة عندي . وغرقت استماعا و استمتاعا وتلهفا مع تلاوات القرآن الكريم من اساطين المقرئين امثال عبد الباسط عبد الصمد ومصطفي اسماعيل و مع نشرات الاخبار والفترات الاخبارية الرصينة والمسلسلات والاغنيات من كل صنف ولون عدي الردئ والمبتذل فاذاعة مصر هي صوت مصر ولجان الاذاعة المحترمة لا تسمح لكل من هب ودب انا ينشر اي شئ خلالها دون اختبارات رصينة وتصفيات لا تعرف الرحمة فسمعة مصر تعكسها اذاعتها والميكروفون مسئولية لا تعادلها مسئولية . وتجولت بين المحطات المختلفة –صوت العرب الجبار والبرنامج العام الرصين والشرق الاوسط الشقية والشباب والرياضة الفتية والقران الكريم العملاقة ,وكان صوت عبد الوهاب وام كلثوم وعبد الحليم وفريد خير أنيس لي في أيام الشتاء الباردة عندما كنت استذكر دروسي الليلية .حتي جاء وقت لم اكن اتوقعه وهو ان اعمل مذيعا داخل هذا الراديو الساحر واشرف بنفسي علي كل شئ فيه اعدادا وتقديما واخراجا وان اتجول في هذة الصرح الرهيب وان اكون عضوا فاعلامن اعضائه وهنا خسرت الاذاعة مستمعا فذا وكسبتني كعضو فاعل فيها وهنا فقدت متعة الاستماع وشغف البحث عن المحطات المختلفة واصبحت ذكريات.! واكتسبت متعة اخري وهي الابداع الاذاعي الفعلي واصبح استماعي للراديو للنقد والدراسة ومعرفة الاخطاء دون استمتاع .حتي جاء وقت اردت فيه ان استرجع ذكرياتي الاذاعية وحنيني للراديو مرة اخري وبالفعل بدات في البحث مرة اخري عن المحطات واسمع مؤشر جهاز الراديو القديم الذي اهداه لي والدي لي منذ ثلاثين عاما وما زلت احتفظ به وهو يتجول زاعقا بين المحطات المختلفة وهنا وبعد بحث طويل عن شئ معين ابحث عنه ولا يعرفه غيري لم اجد متعتي التي كنت اشعر بها قديما وذهبت مرة اخري الي عملي الاذاعي وانغمست في البرامج وانا اتسائل لماذا لم اعد استمتع بالاذاعة كما عرفتها في الماضي ؟.!!لماذا لم انجذب اليها ؟حتي جاء يوم الاستفتاء علي الدستور واردت ان اسمع نفسي في برنامجي المسجل علي صوت العرب ثم انتقلت الي البرنامج العام ثم الشرق الاوسط..ثم...ثم...ياللهول ما هذا لقد عادت عادت متعتي الخاصة مرة اخري و وجدت طابورا واقفا في الاستفتاء لا تدرك بدايتة من نهايتة والناس تضع سماعات المحمول وتسمع الراديو وتتابع الاخبار وتستمع الي برنامجي وبرامج زملائي وجدت ايقاعا سريعا ورونقا جديدا برامج جديدة تاخذني اخذا ياللهول ما هذا التطور الحادث في الاذاعة لقد ازدادت رونقا وسرعة اخبار حقيقية مسئولة قوالب اذاعية جديدة اعلام مسئول حتي التوك شو الاذاعي اصبح موجودا في صوت العرب وبرنامج "بالعربي " ثم الاذاعة التفاعلية علي الموجات المختلفة ,ومراسلون في كل مكان – وكاالراديو يهتز هزا من السرعة والحالية والفورية -لقد اصبحت الاذاعة قريبة جدا من رجل الشارع ,اكثر من خمسة ملايين سيارة تسير في الشوارع المزدحمة تسمع الاذاعة واكثر من سبعين مليون جهازهاتف محمول يستخدم الراديو الان ليعرف ما يحدث في مصر والعالم لحظة بلحظة خاصة في هذة الايام -لقد تطورت الاذاعة في وقت قياسي ..لقد عادت متعتي القديمة اخيرا ..في اليوم التالي توجهت لرئيس الاذاعة المصرية –المحترم الاستاذ عبد الرحمن رشاد وسألتة متعجبا ...كيف فعلت ذلك ؟!