ظاهرة خطيرة انطلقت من قرية اجهور الصغري بمحافظة القليوبية وأخشي ما أخشاه ان تمتد لبقية المحافظات والمناطق الفقيرة في البلاد حيث تنازلت مئات الاسر في هذه القرية المظلوم أهلها عن اطفالها لصالح مصريين من حملة الجنسيات الأجنبية وهو ما يقتضي دق ناقوس الخطر حول تداعيات الاوضاع الاقتصادية المتردية التي أفرزت الكثير من الظواهر الاجتماعية المؤلمة. وبقدر ما آلمني تنازل الآباء عن فلذات الاكباد بقدر ما أعجبني موقف الوزيرة النشيطة مشيرة خطاب التي تقدمت ببلاغ للنائب العام طالبت فيه بالتحقيق مع موظفي المحاكم بالقليوبية لقيامهم بتوثيق عقود التنازل عن هؤلاء الاطفال وشملت حالات التنازل 345 أسرة. وفي رأيي ان هذه الظاهرة الخطيرة تستوجب دراسة عميقة ومتأنية من جانب الخبراء والمتخصصين في علم الاجتماع والطب النفسي خاصة أنها دمرت آخر القلاع في مجتمعنا ممثلة في القرية المصرية موطن القيم والعادات والتقاليد والتكافل والترابط الاجتماعي. القرية المصرية التي كانت مثلا يحتذي به في الاخلاق والعلم والايمان اصبحت مصدراً للفساد وثقافة جوهرها ان كل شيء يمكن أن يباع ويشتري وفقا لاقتصاديات السوق الحر حتي ولو وصل الامر لفلذات الاكباد. إن أقل وصف يمكن أن توصف به هذه الظاهرة هو البغاء الاجتماعي فأي أب هذا أو ولي امر يمكن ان يتنازل عن ابنائه بحجة العوز والفقر.. هل عدنا لعصر الجاهلية عندما كان الآباء يقتلون أبناءهم بسبب الفقر الي أن نزلت الآية القرآنية الكريمة (ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم). وإذا كنت احمل الآباء وأولياء الأمور مسئولية اقتراف هذه الجريمة النكراء بعد ان تجردوا من كل المشاعر الانسانية فإنني اعتبر الحكومة شريكاً أساسيا في تلك الجريمة التي زلزلت مشاعر المصريين بعد أن ألقت بحوالي 22% من الشعب تحت خط الفقر المدقع وهو ما أدي إلي انتشار ظواهر اجتماعية خطيرة منها لجوء الفقراء لبيع دمائهم واعضائهم البشرية وتزايد اعداد المتسولين وتفشي الفساد الحكومي في جميع مؤسسات الدولة. ولاشك أن التصدي لهذه الظواهر الاجتماعية السلبية يتطلب جهودا مكثفة من الحكومة الذكية للقضاء علي الفقر وإن كنت اشك في قدرة هذه الحكومة علي ذلك خاصة انها تضم في صفوفها عددا كبيرا من رجال الاعمال الذين لايكترثون بهموم الناس.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.