لليوم الرابع على التوالي، تستمر الاحتجاجات التركية في اسطنبول ومدن تركية أخرى، فيما سافر رجب طيب أردوغان في رحلة إلى المغرب العربي، بعدما أعلن أنه ثابت على موقفه، ودعا معارضيه إلى منازلته ديمقراطيًا، في صناديق الاقتراع. بيروت: الاضطرابات التركية مستمرة، وتنذر بما هو أسوأ، بعدما أدت حتى الآن إلى مقتل اثنين من المتظاهرين، الأول دهسًا بالسيارة يوم الأحد، والثاني بعيار ناري مجهول المصدر أمس الأثنين، في منطقة هاتاي. ومقتل المتظاهرين دفع باتحاد نقابات القطاع العام، اليساري التوجه والذي يعد نحو 240 ألف منتسب، إلى إعلان الاضراب اليوم الثلاثاء وغدًا الأربعاء، في ما يبدو لعبة من عض الأصابع بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وثلة من معارضيه. واعلن الاتحاد أن الارهاب الذي تمارسه الدولة على التظاهرات السلمية يتواصل بشكل يهدد حياة المدنيين. وقد اوقعت اعمال العنف في الايام الاربعة الماضية اكثر من 1500 جريح في اسطنبول و700 في انقرة، بحسب إحصاءات منظمات الدفاع عن حقوق الانسان ونقابات الاطباء. وكان وزير الداخلية معمر غولر أعلن مساء الاحد اصابة 58 مدنيًا و115 شرطيًا بجروح. أردوغان ثابت امتدت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة التركية إلى أنقرة وأزمير، حيث استخدمت الشرطة خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق الحشود، فرد المتظاهرون بقذفها بالحجارة، ما اوقع العديد من الجرحى قبل عودة الهدوء ليل أمس. وكان المتظاهرون استمروا في احتلال ساحة تقسيم في وسط اسطنبول ليل الإثنين الثلثاء، رافعين الرايات الحمراء، ومطالبين برحيل أردوغان، هاتفين: "طيب استقل". لكن أردوغان ليس بوارد أن يسمع ما يهتف به الغاضبون في تقسيم أو في أي ساحة تركية أخرى. فهو تجاهل كل ما يحدث في البلاد، ومضى في زيارة رسمية لدول المغرب العربي، تستمر حتى الخميس. وبالرغم من خطورة الوضع، ومن أن هذا هو التهديد الشعبي الأول لأردوغان منذ وصل إلى الحكم في العام 2002، اصر على انتهاج سياسة حازمة حيال المتظاهرين. وقبل مغادرته تركيا أمس الاثنين، اكد اردوغان مواصلته الحزم في مواجهة من يتهمونه بالتسلط وبالسعي إلى أسلمة تركيا العلمانية، ودعاهم إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية في العام 2014، متكلمً بلغة الواثق من قدرته على الفوز مجددًا. ورفض مطلقًا الكلام عن ربيع تركي يلوح في الأفق، واتهم متطرفين مرتبطين بالخارج بتحريك الاحتجاجات. من جانبه، حض نائب رئيس الحكومة التركية بولند ارينج الثلاثاء الاتراك على ان "يوقفوا اليوم" التظاهرات، في اليوم الخامس من حركة احتجاج ضد الحكومة في مجمل انحاء تركيا. وقال ارينج في مؤتمر صحافي في انقرة بعد ان استقبله الرئيس عبد الله غول "اني على قناعة ان مواطنينا، وهم يتحلون بالمسؤولية، سيوقفون اليوم احتجاجاتهم"، مضيفا "هذا ما نتوقعه منهم".
واعلن نائب رئيس الحكومة التركية بان الحكومة تحترم "مختلف انماط حياة" كل مواطني البلاد وتعتبر ان التظاهرات الاولى التي نظمت في اسطنبول الاسبوع الماضي للتنديد بمشروع تنظيم مدني للحكومة الاسلامية المحافظة كانت "عادلة ومشروعة".
وقال ارينج "التنوع يشكل اكبر ثروات تركيا وحكومتنا تحترم وتراعي مختلف انماط الحياة". واضاف "ليس على الجميع ان يكنوا لنا التقدير لكننا منفتحون على اراء هؤلاء الذين لا يدعموننا". واعتبر الناطق باسم الحكومة التركية "التظاهرات الاولى التي انطلقت على اساس مخاوف بيئية، عادلة ومشروعة".
وقدم نائب رئيس الحكومة التركية اعتذاره للعدد الكبير من المتظاهرين الذين اصيبوا بجروح اثناء حركة الاحتجاج التي تهز مجمل الاراضي التركية منذ خمسة ايام. وقال ارينج "اقدم اعتذاري لكل الذين وقعوا ضحية اعمال عنف لانهم حريصون على حماية البيئة". تراجع إقتصادي في مؤشر إلى قلق الاسواق المالية ازاء استمرار الازمة في تركيا، تراجعت بورصة اسطنبول 10,47 بالمئة الاثنين، وكذلك تراجعت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار واليورو بنسبة 16 بالمئة، لتصل بتعاملاتها المالية صباح اليوم الثلاثاء إلى 79.5 درجة. وهذا يعد الهبوط الأكبر في بورصة اسطنبول منذ عقد من الزمان. إلا أن وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية قالت إن بورصة إسطنبول عادت لتشهد ارتفاعًا اليوم الثلاثاء، إذ زاد مؤشر بيست 100 ببورصة إسطنبول، وهو المؤشر الرئيسي بها، 1.430.25 نقطة مقارنة بتعاملات جلسة الإغلاق أمس الاثنين، فيما ربحت الأسهم 1.86 بالمئة من حيث القيمة. سابق لأوانه قال مراقبون غربيون إن تحول الاحتجاجات التركية فورًا إلى حالة من الغضب الشعبي في معظم المدن التركية يؤكد أن المتظاهرين يريدون استعادة ديمقراطية سلبت منهم، وقالوا إن هذا ظهر واضحًا في هتافات المحتجين الذين رددوا: "نحن جيش أتاتورك"، "أعد الديمقراطية إلى الشعب التركي يا أردوغان"، إلى جانب وصف أردوغان بالديكتاتور. وقال هؤلاء المراقبون إن الحديث عن ربيع تركي، على شاكلة الربيع العربي، سابق لأوانه الآن، غير أنهم أشاروا إلى عمق التصدع في المجتمع التركي الذي ضيع هويته. كما أثاروا مسألة تأثير هذا الوضع على الموقف التركي من الثورة السورية، إن توسعت رقعة التظاهرات، فقالوا إن النظام التركي هو النظام الوحيد الذي أرسل مساعدات إللى غزة، مذكرين بحادثة السفينة مرمرة، وهكذا لا يمكن إلا أن يوصف هذا النظام بأنه النموذج الحقيقي للمناعة التي ينادي بها النظام السوري، وعندها قد لا يتورط أنصار النظام السوري، وإيران وأتباعها، في هز عرش أردوغان، حفظًا لماء الوجه على الأقل. إلا أنه من الممتع قراءة بيان الخارجية السورية، كما قالوا، وهو ينصح الرعايا السوريين بعدم التوجه إلى اسطنبول، حفاظًا على حياتهم.