مؤتمر مكة يطالب بصيانة منصب الإفتاء ويضع ضوابط للفتوى محيط: أصدر العلماء والفقهاء المشاركون في المؤتمر العالمي للفتوى بمكةالمكرمة، الذي اختتم أمس أعماله في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة، بيان بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية، دعوا فيه إلى رفع الحصار الإسرائيلي "الظالم" على قطاع غزة وتوجيه كافة المساعدات الإغاثية والإنسانية لهم، والسعي بكل الوسائل القانونية والإعلامية لدى الهيئات والمنظمات الدولية والحقوقية لمحاكمة "القتلة الإسرائيليين" وقيادات الكيان الصهيوني بوصفهم "مجرمي حرب"، واستنكر جرائم الحرب الإسرائيلية على غزة، والتأكيد على مشروعية المقاومة الفلسطينية ضد المحتل، وضرورة وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني. وقد أصدر المؤتمر ميثاقا موحدا للفتوى يلتزم به كل المفتيين، يتضمن عدة بنود أهمها: عدم الفتوى في المسائل القضائية التي تحتاج الى سماع أقوال الأطراف الأخرى، وكذلك القضايا العامة التي تحتاج الى نظر جماعي. يحرم على المفتي الإفتاء في عدة أحوال هي: إذا كان لا يعلم حكم المسألة أصلا، ولا يستطيع استنباط حكمها وفق الأصول الشرعية. ألا يتدخل هوى المفتي في إصدار الفتوى إذا خشي أن تؤدي الى مآلات غير محمودة. إذا خشي إلحاق الضرر به إذا كانت المسألة محل الفتوى غير واقعة. وحدد الميثاق شروط المفتي وهي: الإسلام، البلوغ، العقل، العلم بالأحكام الشرعية وأدلتها، العدالة (فمن اختل دينه أو فسدت مروءته لا يصلح للفتوى). كما حدد الميثاق الصفات التي يجب توافرها في المفتي وهي: أن يكون صحيح التمييز، جيد الفطنة، قليل السهو والغفلة، يتوصل بذكائه الى إيضاح من أشكل وفصل ما أعضل، وأن تكون له معرفة بأحوال المستفتين وبالواقع الذي يعيشون فيه، وان تكون لديه خبرة في تنزيل الأحكام على الوقائع من خلال التتلمذ على من سبقوه ممن صقلتهم التجربة. وأوضح الميثاق آداب المفتي وهي: الإخلاص لله تعالى ومراقبته، ومشاورة أهل العلم والاختصاص عند الالتباس، والتوقف عن الإجابة عند عدم التوصل الى الحكم وعدم التحرج من قول «لا ادري»، وعدم التردد في الفتوى عند ظهور الحكم، والمحافظة على أسرار المستفتين. أما الآداب التي يجب توافرها في المستفتي فهي: تجنب السؤال عما يؤدي الى الارتياب في الدين والعمل، والبحث عن المفتي الأهل، والتأدب مع المفتي وعدم التلبيس عليه. وتضمن الميثاق أهم المشكلات التي تواجه الفتوى في الوقت الراهن وهي: ابتعاد بعض المتصدين للفتوى عن منهج الوسطية المبنى على الكتاب والسنة النبوية المطهرة وسلوكهم كفريقين متطرفين إما التشدد أو التساهل المفرط، وصدور بعض الفتاوى بآراء شاذة عارية عن الدليل الصحيح المعتبر، وانفراد بعض المتصدين للفتوى بالإفتاء في نوازل تمس المجتمعات وتتصف بطابع العموم، وصدور بعض الفتاوى المخالفة لأصول الاعتقاد، الانتصاب للفتوى ممن لم تتحقق فيه شروط المفتي وصفاته وآدابه. ودعا الميثاق المسؤولين والقائمين على وسائل الإعلام المختلفة سواء القنوات الفضائية أو الصحف أو المواقع الألكترونية وغيرها عدم تمكين غير المؤهلين للفتوى علما وعدالة من التصدي لها، وعدم نشر الفتاوى الشاذة والترويج لها، والاستعانة بأهل العلم الموثقين لمعرفة ما يجوز نشره وما لا يجوز، ودعوة العلماء والمتصدين للفتوى الى استثمار وسائل الإعلام المختلفة في نشر الفضيلة والعلم الشرعي وما يؤدي الى صلاح الأمة والنهوض بها. كما دعا الميثاق الى ضبط الفتاوى القائمة على الضرورات من خلال صدورها عن الاجتهاد الجماعي وان يستعان في تقدير الضرورات والأمور المتخصصة بأهل الاختصاص، وألا يتم تعميم الفتوى الخاصة المبنية على أساس الضرورة على جميع الأحوال والأزمان والأشخاص إذ أن الضرورة تقدر بقدرها، والتأكيد على أن فتوى الضرورة حالة استثنائية تنتهي بمجرد انتهاء موجهيها، وأهمية الاعتناء في الإفتاء للأقليات المسلمة بالقواعد الفقهية الميسرة. وطرح الميثاق عدة حلول وضوابط لتحتل الفتوى مكانها اللائق، هي: تعميق الشعور لدى المجتمع والأفراد بأهمية منصب الإفتاء، وتأسيس الفتوى على علم صحيح مبني على القرآن الكريم والسنة النبوية أو ما يرجع إليها من إجماع أو قياس صحيح أو أصل شرعي معتبر، والحذر من أي ضغوط أو إغراءات قد تؤثر على المفتي في إصدار فتاواه، والحذر البالغ في الحكم بتكفير أحد من المسلمين فلا يجوز تكفير مسلم إلا بإتيانه أحد نواقص الإسلام لا يقبل تأويلا، والحذر من الفتاوى الضالة التي تدعو الناس الى سفك الدماء المعصومة بغير حق، والحذر من الحيل الباطلة للوصول إلى استباحة المحرمات في الشريعة، وعدم التوسع في الخلاف الفقهي في الفتوى، والتحذير من الفتاوى الشاذة والأخذ بها، وإتباع المنهج الوسطي في الفتوى والابتعاد عن التشدد أو عن مطلق التخفيف، ووجوب قيام المفتين بواجباتهم والتصدي للفتاوى الباطلة والشاذة والرد عليها، والحذر من التساهل في الفتوى سواء أكان في طلب الأدلة وطرق الأحكام أو بطلب الرخص، وألا يصير المفتى إلى التلفيق أو القول المرجوح ولا العمل بالرخصة الفقهية إلا بعد تحقق شروطها، ومراعاة تغير الفتوى في الأزمنة والأمكنة. ودعا البيان الختامي لمؤتمر الدول الإسلامية إلى العناية بمؤسسات الفتوى وتوفير المفتين في مختلف أنحاء كل دولة تيسيرا على الناس، كما دعا القائمين على وضع الفتاوى الجماعية، ودعوة الدول الإسلامية إلى صيانة منصب المفتي من خلال اتخاذ الوسائل الكفيلة بجعل المفتي الأهل المعين من قبل ولي الأمر مستقلا في فتواه بعيدا عن المؤثرات غير الشرعية.