القاهرة: لقت فتوى الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية بشأن غرقى السواحل الإيطالية خلال الأيام الماضية ، والتى أكد خلالها أنهم غير شهداء، العديد من ردود الأفعال ما بين مؤيد لفتواه ومعارض لها. فقد رأى عدد من علماء الأزهر أن فتواه غير واقعية ولا تعبر عن روح الشرع، مؤكدين أن هؤلاء الشباب شهداء لأنهم ماتوا غرقى بنص أحاديث النبي صلى الله عليه بالرغم من هجرتهم بشكل غير شرعي، بحثا عن الرزق ولإيجاد فرصة عمل في أوروبا، وفي ظل معاناتهم في البحث عن فرص عمل وتفشي البطالة، وهو هدف مشروع دعا إليه القرآن الكريم في قول الله تعالى " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ". وحمل العلماء الدولة المسؤولية ، مشيرين لضرورة دفع الدولة دية لأهالى الغرقى ، وذلك لأن من مسئوليتها توفير فرص العمل التي تمنعهم من التفكير في الهجرة بهذه الطريقة غير الآمنة. في حين استشهد المؤيدون لفتوى الدكتور جمعة بقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، واستندوا إلى أن هؤلاء الشباب سلكوا طرقا غير مشروعة من أجل الحصول على الأموال، وبالتالي فهم وقعوا في مخالفة شرعية تجعلهم في حكم المنتحرين لأنهم خالفوا أوامر الله وأوامر السلطان وألقوا بأيديهم إلى التهلكة. من جانبه أكد الدكتور علي جمعة، أن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص على الحفاظ على حياة وأرواح الشباب باعتبارهم مستقبل وحاضر الأمة، كما ترفض وتحرم على المسلم أن يعرض حياته أو جسده للأذى حتى لو كان لطلب الزيادة في الرزق من خلال السفر إلى دول أخرى بطرق وأساليب غير مشروعة وغير آمنة والتي تؤدي إلى الهلاك أو التوقيف والسجن في بعض الأحيان أو الغرق في الوقت الذي يأمن فيه ويسلم في بلاده. موضحاً أنه على المسلم ألا يضع نفسه بهذا السفر وبهذه الطريقة في مواقع الذلة والإهانة في الوقت الذي لا يتعرض فيه لذلك أو أكثر منه في المكان الذي يعيش فيه، كما يفعل معظم شبابنا، بأن يسلكوا الطرق السليمة للسفر أو الهجرة أو أن يبقوا ويعملوا ويجتهدوا في بلادهم ليحققوا آمالهم وطموحاتهم. وأشار الدكتور جمعة إلى أن تحديد وبيان رأي الشرع في كون هذا الشخص أو غيره من شباب أمتنا الذين لقوا حتفهم غرقى قبالة السواحل الإيطالية، عليهم رحمة الله وغفر لهم وأسكنهم فسيح جناته، من كونهم شهداء أو يأخذوا أجر الشهداء من عدمه إلا بعد الإدراك الكامل من أهداف ونوايا كل شاب على حدة ومن وراء هذا وما الدافع له. وخلص الدكتور جمعة إلى انه " بالشكل الظاهر، ومن كون هؤلاء الشباب غامروا بحياتهم من أجل طموحهم المادي أو غير ذلك من الأمور الدنيوية في الوقت الذي يأمنون فيه في أوطانهم، ليسوا بشهداء لأن هجرتهم غير الشرعية وغير الآمنة والذهاب إلى الهلاك فيه مخالفة صريحة لله ولولي الأمر وللقوانين الخاصة بالسفر والخروج من البلاد بطريقة غير شرعية . وطالب فضيلته كافة الأجهزة التنفيذية والتشريعية والشعبية بالتكاتف من أجل وقف نزيف الهجرة غير الشرعية وغير الآمنة للشباب والتي تأتي على حاضر ومستقبل أمتنا المتمثل في قوتهم، وذلك بالقيام بحشد كافة الطاقات والإمكانات لخلق وتوفير فرص العمل الجديدة التي تكفى لاستغلال طاقات شبابنا في خدمة التنمية في بلادنا وبلاد المسلمين، أو التنحي وترك هذه المناصب ليتبوأها القادرون على تحقيق هذا الهدف. كما دعا الدكتور جمعة جميع المؤسسات المدنية والقادرين من رجال المال والأعمال إلى القيام بواجبهم الشرعي في المساهمة الجادة والفعالة ماديا وبكافة الطرق والأساليب في القضاء على ظاهرة البطالة التي أصبحت تحدد أمن واستقرار البلاد. وفى تعليقه على فتوى مفتى مصر بشأن وصفه للشباب الذين لقوا حتفهم أثناء محاولتهم للهجرة غير الشرعية إلى ايطاليا بأنهم غرقى وليس شهداء يرى الدكتور سيد عبد العزيز السيلي عميد أكاديمية فقهاء الشريعة بأمريكا الأستاذ بجامعة الأزهر ، أن هؤلاء شهداء عند الله ماداموا خرجوا لغير معصية بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم «الغريق شهيد»، وقوله أيضا «إنما الأعمال بالنيات». ولا يحق لأي كائن من كان أن يصادر قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه مشكلة خطيرة عندما نرى بعض الناس يريدون أن يحتكموا إلى العقل. وأضاف: لا نستطيع أن نقدم آراء البشر على قول الله سبحانه وتعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نستطيع أن ننكر أن هؤلاء شهداء كما نصت على ذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرقى والحرقى.. ولذلك فهم في حكم الشهداء. وأشار الدكتور السيلي إلى أنه إذا كان هؤلاء قد سلكوا طريقا خطأ في السفر إلى إيطاليا ,فإن الذي دفعهم إلى ذلك هو الحاجة إلى العمل لكسب العيش الكريم ولكي يحقق هؤلاء الشباب أمنياتهم وأمنيات آبائهم، وهم في الوقت نفسه لا يجدون فرص عمل وأغلبهم فقراء، وربما يكونون قد أخطأوا نتيجة للتفكير غير السليم، لكن من السبب في هذا الخطأ؟ فالدولة في الإسلام مسؤولة عن توفير المسكن والعمل والرزق لهؤلاء في الحدود المتاحة وألا تكون هناك طبقية مغالى فيها، وبالتالي فلا بد من البحث عن السبب الذي دفع هؤلاء إلى الهجرة والمخاطرة من أجل تحقيق حياة أفضل كانوا يحلمون بها ولم تتحقق لهم في بلادهم، فبعضهم خرج جادا للبحث عن لقمة العيش ولرفع مستوى أسرهم ،وبعضهم الآخر خرج مضطرا نتيجة لليأس والإحباط لعدم وجود فرص عمل وإغلاق أبواب الرزق في وجوههم . وتابع الدكتور السيلي: هؤلاء الشباب وإن سلكوا طريقا خطأ للسفر إلا أنهم يبغون هدفا ساميا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة يكفرها السعي في طلب المعيشة ". ويتفق مع الدكتور السيلي الدكتور محمد دسوقي، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، حيث يرى أن " هؤلاء الشباب الذين غامروا بحياتهم لمحاولاتهم الدخول إلى ايطاليا من أجل العمل شهداء، بل يجب على الدولة دفع الدية إلى أهلهم لأن الدولة مسؤولة عن تركهم وجعلهم لا يفكرون إلا بهذه الطريقة الخاطئة، فالدولة مسؤولة نحو رعاياها بأن تكفل لهم مستوى معقولا من العيش الكريم، ومن ثم أرى أن هذه الفتوى غير واقعية ولا تعبر عن روح الشرع ".