جولة بين مباني شارع المعز الإسلامية العتيقة محيط - رهام محمود استمرت أعمال الترميم التي ترعاها وزارة الثقافة المصرية سنوات طويلة في شارع المعز لدين الله بقلب القاهرة ، والذي يضم أكبر عدد من المباني الأثرية الإسلامية في العالم، حيث كانت الاستعدادات تجري ليصبح متحفا مفتوحا للزائرين.، وحرصت شبكة الإعلام العربية "محيط" على زيارة الشارع بعد افتتاح وزير الثقافة الفنان فاروق حسني له ودعوة المثقفين والمبدعين لزيارته . تم ترميم هذا الشارع على عدة مراحل ، حيث أنه يضم أكثر من أربعين أثرا، من أهمها مجموعة قلاوون التي تضم مدرسة ووكالة ومستشفى وضريح، الذي بني بنفس أسلوب بناء قبة الصخرة، أي نفس الأربعة أعمدة والأربع دعامات وبنفس شكل القبة من أعلى. كما أن الضريح بأكمله مكسو بالرخام والفسيفساء، ويوجد به شريط كتابي يؤرخ للترميم الذي حدث للمكان كله في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، عام 1326 ه، ويشكل الضريح نفس مساحة المدرسة . وتكمن أهميته في العمارة الإسلامية في أنه أول ضريح بني بهذه الضخامة ودفن فيه السلطان قلاوون. يقول محمود سعيد أخصائي ترميم الآثار ل "محيط": تعتبر مجموعة السلطان قلاوون مجموعة نادرة لأنها المجموعة المعمارية الوحيدة الكاملة، والتي تحتفظ بجميع عناصرها المعمارية. ترجع المجموعة للعصر المملوكي البحري في عهد السلطان المنصور قلاوون عام 1330 م، و730 ه، وتتكون من عدة عناصر، فنجد من البوابة الرئيسية دهليز يفتح على مدخل من جهة اليمين يؤدي للضريح، ثم نجد مدخل آخر على اليسار يؤدي إلى المدرسة . وتضم المجموعة بعض العناصر المعمارية الفريدة من نوعها، وبخاصة محراب الضريح الذي يعتقد أنه كان يحدد واجهة القبلة ومحراب المدرسة. تعرضت المجموعة للزلزال في عهد الملك الناصر محمد ابن قلاوون وهو يعتبر أحد أبناء السلطان قلاوون، هو والأشرف خليل بن قلاوون الذي أقيم له قبة ضريحية موجودة في منطقة ضرب سعادة. أما الناصر محمد فله مسجد بجانب مجموعة السلطان قلاوون، بالإضافة إلى مسجد آخر موجود في القلعة والذي كان يستخدم كسجن أيام الاحتلال الإنجليزي على مصر. حينما ضرب الزلزال مصر أدى لسقوط بعض العناصر المعمارية منها المئذنة التي تم تجديدها في قصر الناصر محمد، كما هدمت القبة وقام بترميمها أيضا الناصر محمد. يوجد بعض التجديدات التي حدثت من لجنة حفظ الآثار العربية قبل وجود المجلس الأعلى للآثار، وكان هذا في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني حيث قام بتجديد المجموعة، وبني قبة على طراز القباب المملوكية، بالإضافة إلى تجديد الأرضيات والشبابيك الجصية والزخارف. مهندس الآثار محسن خميس أعمال الترميم محسن خميس مهندس ترميم الآثار قال ل "محيط" : أجريت بالشارع ترميمات خاضعة للمجلس الأعلى للآثار بوزارة الثقافة، وهناك مشروعات تمت تحت إشراف القاهرة التاريخية. مجموعة السلطان قلاوون تعتبر أهم وأكبر وأعظم مجموعة أثرية إسلامية على مستوى العالم؛ لأنها تضم أربعة آثار بالإضافة إلى السبيل الذي يعتبر خارج المجموعة، والذي أنشأه ابن المنصور السلطان قلاوون أحد سلاطين الدولة المملوكية البحرية، وقد كان أحد أعظم السلاطين في مصر اثناء الدولة المملوكية،. خضعت المجموعة للترميم المعماري والترميم الدقيق والتربيط ، وقد رممت الأرضيات الرخامية والنافورة الرخامية بالمستشفى، أما بالنسبة للمشاريع التي قامت بها شركة "المقاولين العرب" في شارع المعز، فكانت من الناحية الأثرية لجامع محمود محرم، وجامع السلحضار، ومتحف النسيج الذي كان يسمى سبيل محمد علي، ومجموعة الغوري "قبة الغوري، وكالة الغوري، مسجد الغوري"، بيت السحيمي، وجامع الناصر محمد، جامع السلطان برقوق، جامع الأشرف برسباي، المدرسة الكاملية، قصر بشتاك، مدرسة الصالحية، المدرسة الأشرفية، جامع القرافي وجامع الحاكم والأقمر، وكل هذه المشاريع موجودة بشارع المعز تم ترميمها. ويواصل: مصدر التلف الرئيسي الذي كان بالشارع هو المياه الجوفية والصرف الصحي؛ لأن هذه المنطقة تعتبر أسفل منطقة في الجمالية، وكان هذا يسبب تلفا كبيرا في المنطقة بأكملها . وأدت هذه المياه لظهور الأملاح على الحوائط الحجرية والرخام، وبخاصة في المحاريب والبانوهات الرخامية على مستوى الشارع . تم أيضا ترميم أرضية الشارع بالبازلت الأسود، كما تم ترميم واجهات المنازل والمنطقة ككل لتتواءم مع ترميم الآثار. خبير الترميم صالح عبود أما صالح عبود أخصائي الترميم فيقول ل "محيط" : شارع المعز طوله 1500 متر، يطل عليه أكثر من 40 أثرا، هم أهم آثار القاهرة الإسلامية بشكل عام . وقد تم ترميم الشارع ككل كي يكون متحفا مفتوحا للعصور الإسلامية كلها التي مرت، منذ دخول الفاطميين مصر، وحتى اليوم، فالمحلات والبيوت الموجودة بالشارع تجمل نفسها كي تتواءم مع الأثر. يضيف: القاهرة بنيت في 17 شعبان 358 ه "6 يوليو 969 م"، حيث أنشأها جوهر الصقلي، قائد الجيش الذي دخل الفاطميون مصر في عصره ، وكان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي مقيما في تونس، وبعد دخول الصقلي مصر خرج من الفسطاط في هذا اليوم حتى وصل عند سهل رملي قديم، لم يوجد به سوى ثلاثة أشياء، بقايا البستان، كافور الأخشيدي، وقصر الشوك "الشوق حاليا"، ودير العظام، وحينما وجد المكان فارغا، بنا فيه مدينة القاهرة. مدينة القاهرة كانت حكرا لإقامة الخليفة وجيش السلطان لا يقيم فيها المصريون، الذين كانوا يقيمون بمدينة الفسطاط ال قديمة التي بناها عمرو بن العاص. تاريخ الشارع شارع المعز هو الشارع الرئيسي في قلب مدينة القاهرة، يطل عليه القصر الشرقي الكبير، والقصر الغربي الكبير، اللذان خصصا لإقامة الخليفة وجواريه والجيش، كما بنى أيضا جامع الأزهر، ومع مرور الوقت وقعت وتآكلت أجزاء من هذه القصور، وعندما كان يهدم أي مكان يبنى بدلا منه بناءا جديدا ، فكل المباني الموجودة في شارع المعز اليوم بنيت على أنقاض القصرين اللذين تواجدا فيه. وشارع المعز له العديد من الأسماء من بينها القصبة الرئيسية وبين القصرين، فهذا الشارع هو الأهم في القاهرة؛ لأنه على مدار العصور منذ بنيت القاهرة وحتى الخلافة العثمانية كان السلطان أو الوالي لابد أن يمر عليه في الأعياد والمناسبات الرسمية، حتى لو خرج للغزو أو الفتح كان له بابا مخصصا كي يخرج منه. ولو رجع منتصرا فله باب يدخل منه، ولو رجع مهزوما له باب آخر يدخل منه، وحتى الآن لدينا بابين موجودين في السور الشمالي "باب النصر، وباب الفتوح". يواصل: المماليك والفاطميون حينما حكموا مصر كانوا جميعا يأتون من دول شرق آسيا، وكل هؤلاء السلاطين بنوا مباني في مصر كي تخلد ذكراهم بعد موتهم، فقلاوون بنا مدرسة، الهدف منها تعليم المصريين المذاهب السنية الأربعة، وبنى المستشفى لعلاج المرضى، التي كان يعالج فيها المريض أسبوعا كاملا أيا كان المرض الذي يشكو منه، ولا يخرج إلا حينما يستطيع أكل "دجاجة" كاملة، كما كان يأخذ مكافأة مالية، أما المريض النفسي فكان يدخل ولا يخرج؛ ولذلك ارتبط أسم "المرستان" أي المستشفى باسم "المورستان" أي المجانين، ومازالت المستشفى تعمل حتى الآن ولكن لا يوجد بها مرضى عقليين أو نفسيين، ولهذه المستشفى تخصصين مشهورين عربيا وهما علاج الأسنان والرمد، والمستشفى القديم كانت مكونة من أربعة أواوين، بينهم مباني لسكن المرضي، كما يضم المكان نافورة كي تروح نفسيا على المرضى بشكل عام. مدينة القاهرة بها ثمان أبواب، متبقي منها ثلاثة هم باب زويلة وباب الفتوح والنصر.. وقد تطور جامع الأزهر مع الوقت حتى وصل إلى شكله الحالي، فأغلب الأماكن تجددت ماعدا البعض منها كجامع قلاوون الذي مازال يحمل شكله القديم، وجامع الحاكم والأقمر، حيث كان الفاطميون يسموا الجوامع بأسماء لها صفات. يتابع: حينما هزم السلطان قطز التتار في معركة عين جالوت، وحين عودته من المعركة قتل على يد الظاهر بيبرس الذي تولى الحكم بعده والتفت لمحاربة الصليبيين وإجلاءهم عن منطقة الشام . وبعد موته أكمل المسيرة بعده السلطان قلاوون، وفي عهده كان آخر معقل للصليبيين في مدينة عكا، فحينما كان وراءهم ليجلوهم عن عكا مات في الطريق، فاستكمل الحملة من بعده الأشرف خليل بن قلاوون. وشمل التجديد بالشارع - الذي يمتد من بداية مدخل باب الفتوح ناحية الدراسة، وحتى باب زويلة، ويقطعه في وسطه شارع الأزهر - في أنشطة المحلات المقامة في الشارع، حيث كانت هناك ورش حرفية تصدر ضوضاء، فتم تغيير أنشطتها لتناسب المكان بعد أن أصبح متحفا مفتوحا للزوار . اما عن تاريخ بيت السحيمي فقد كان يسكنه قاض، وهو بيت مكون من جزأين، بيت شتوي وبيت صيفي، وفي مدخله توجد حديقة، وبعدها "التختابوش" وهو جزء به مقاعد على الشكل العربي مخصص لاستقبال الضيوف، خلف التختابوش يوجد فناء به الساقية وبئر المياه كي يشرب منه سكان البيت، بإضافة إلى الصهاريج الموجودة التي تعبأ بالمياه بواسطة السقايين، وهذا البيت يشمل عددا كبيرا جدا من الغرف يصل لحوالي 130 غرفة، لسكن أهل البيت والخدم، وكل غرف البيت منقوش عليها شريط كتابي مصنوع من الخشب وعليه نقوش بماء الذهب مكتوب عليها شعر كتابي لعمر الخيام. جامع الحاكم بأمر الله بني عام 380 ه، لكنه حدث به بعض المشاكل عام 702 ه حينما ضرب زلزال كبير مصر وهدم الكثير من المباني، حيث هدم أعالي المآذن الموجودة في شارع المعز، من ضمنها جامع الحاكم والصالحية وقلاوون ومدرسة الظاهر بيبرس الجاشنكير "أمير المنطقة وقتها" بالجمالية، والذي اهتم بإعمار هذه الأماكن بعد الزلزال، فأنشأ أعالي المآذن في مسجد الحاكم، وأصلح مئذنة قلاوون والصالحية ومسجد بيبرس، كما أنه جدد جامع الحاكم وسجل هذا على شريط كتابي أعلى السور الخارجي للجامع. ونتجول في الشارع العتيق ترميم ترميم ترميم أحد المرممين ترميم