بإزالة "أصالة" من وكالة الغوري الحرف التراثية المصرية تتعرض للضياع
محيط - رهام محمود تتعرض حاليا جمعية "أصالة" لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة برئاسة الفنان والناقد عز الدين نجيب لضغوط شديدة بهدف إخلائها من مقرها الرسمي بمبنى وكالة الغوري بالأزهر، حيث قامت هيئة الآثار بالإبلاغ نيابة الدرب الأحمر التابع لها المبنى ضد رئيس الجمعية مطالبة بذلك، بحجة تهديد سلامة الأثر من تعليق أعمال الفنانين ونماذج الحرف التقليدية على الجدران، واستخدام وسائل الإضاءة اللازمة للعرض. شغلت جمعية "أصالة" هذا المكان منذ 15 عاما، بموافقة المجلس الأعلى للآثار، وقطاع الفنون التشكيلية، كما حصلت مجددا على موافقة الدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار في نوفمبر عام 2006 على استغلال المكان كمقر للجمعية ومعرض دائم للحرف التقليدية، والتزمت بكافة الضمانات الكفيلة بالحفاظ على الأثر تحت إشراف القائمين عليها من جانب إدارة الآثار بالمنطقة. وكالة الغوري أما عن الاعتراضات التي أثيرت مؤخرا وصلت لحد رفض وجود لوحة متحركة على رصيف المبنى أمام المعرض لتشير إلى وجود أي نشاط بالداخل . وقد استعان الأثريون بمباحث الآثار لتحرير محضر بذلك كمخالفة للتعليمات، وهكذا تكتمل عناصر المنع النهائي لوجود المعرض بعد الاعتراض على الإضاءة والمعلقات. تضمنت الشكوى المكتوبة للنيابة في حق الجمعية المطالبة بإخلائها للمبنى نهائيا، وليس مجرد إزالة شيء ما، حيث تزعم أنها تعدت على الأثر.
الجدير بالذكر أن "أصالة" هي آخر ما تبقى بمبنى وكالة الغوري لتقوم بدور الحفاظ على تراث الحرف التقليدية، بعد إخلائه من ورش الحرفيين والعاملين فيه منذ سنوات إلى منطقة الفسطاط، إلى جانب ما تبقى من مراسم الفنانين التشكيليين وعددهم خمسين مرسما، بعد قطع مصادر المياه عنها للضغط على الفنانين من أجل إخلائها أيضا، علما بأن المبنى مخصص للأنشطة التشكيلية والحرفية منذ عام 1958 حتى الآن . لكن المسئولين في قطاع الآثار الإسلامية والقبطية يضيقون بوجود الفنانين والحرفيين ولا يكفون عن وضع العراقيل أمامهم حتى يغادروا المبنى "حسب ما قال الناقد عز الدين نجيب رئيس الجمعية". ويضيف: الذرائع التي يستخدمها المسئولون الأثريون لإخلاء جمعية أصالة للمبنى لا تطبق على مواقع أثرية عديدة يوجد بها أكثر من هذه الظواهر التي يعتبرونها مخالفات، ومنها مبنى وكالة الغوري نفسه وهو الأم لمقر الجمعية، حيث تقام به بين الحين والآخر معارض كبيرة للحرف التقليدية والفنون التشكيلية من خلال قطاع الفنون التشكيلية أو صندوق التنمية الثقافية وكلاهما يتبع نفس الوزارة "وزارة الثقافة". وتعلق المنتجات الفنية على جدران جميع الحجرات الحجرية وفي صحن الوكالة، والتي تزود جميعا بكشافات الإضاءة أقوى مما يوجد في معرض "أصالة"، بل يقام في صحن الوكالة مسرح دائم للفنون الشعبية، ومثله آخر في مبنى قبة الغوري المجاور لوكالة الغوري . كما تقام من خلالهما برامج منتظمة لحفلات الفنون الشعبية التي تستخدم فيها كشافات إضاءة بالغة القوة بعشرات الكيلوات دون اعتراض من الآثار، مما يشير إلى أن الجهة الأثرية تكيل بمكيالين، وتثبت أن موقفها من الجمعية متخذ سلفا لإخراجها من المكان. علما بأن جمعية "أصالة" تكرس جهودها منذ إنشاءها عام 1994 لإحياء تراث الحرف التقليدية، وتشجع الفنانين العارضين على تأكيد ملامح الهوية الثقافية لمصر في أعمالهم، حتى بلغ عدد أعضاءها 550 عضوا، منهم 300 من الفنانين التشكيليين المعاصرين، والبقية من الحرفيين في مختلف التخصصات . كما تعني الجمعية بتدريب أجيال جديدة على ممارسة الحرف التقليدية من خلال ورش عمل تقيمها بالتعاون مع هيئات مصرية ودولية، وتصدر بدعم من صندوق التنمية الثقافية أول موسوعة عن الحرف التقليدية في مصر في سلسلة من الكتب، صدر منها مؤخرا الجزء الثالث حول العمارة الشعبية في مصر، ليكون أول مرجع علمي وثقافي لدينا في هذا المجال . كما أنها حصلت على دعم مؤخرا من وزير الثقافة الفنان فاروق حسني لإصدار الجزء الرابع حول المشغولات المستمدة من النخيل، مما يثير التناقض في موقف الوزارة بين الدعم بيد والطرد باليد الأخرى. يواصل: الجدير بالذكر أن هيئة اليونسكو التي يسعى وزير الثقافة للحصول على رئاستها تشجع دائما على استغلال الأماكن الأثرية في الأنشطة الثقافية ذات الصلة بطابعها التاريخي، وكان هذا وراء اختيار مبنى وكالة الغوري وقبة الغوري وقصر المسافر خانة وبيت السحيمي وبيت الهراوي وقصر المانسترلي وقصر الأمير طاز وغيرها في الأنشطة الثقافية المختلفة، وهي جميعها تحسب للفنان فاروق حسني وتدعم موقفة للحصول على المنصب الدولي . كما أن الحكومة ترفع منذ سنوات شعار دعم الجمعيات الأهلية للمشاركة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو ما ينطبق تماما على جمعية أصالة، فهل يتوافق ذلك مع ما يجرى حاليا ضد الجمعية ؟! وهل تسمح الدولة بأن تشرد هذه الجمعية الوحيدة في مصر التي تكرس جهودها منذ 15 عاما برسالة الحفاظ على تراثنا الإنساني ودعمه في مصر وخارجها؟ وإذا جاز حدوث ذلك فهل يكون الدور بعدها على الجمعيات الأهلية الأخرى التي تتخذ من مبنى وكالة الغوري مقرات لها، وهي جمعية فناني الغوري، الجمعية الأهلية للفنون الجميلة، الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلي، الجمعية المصرية لأصدقاء المتاحف، حيث يمكن أن يتم طردها بحجج مماثلة؟ . وقبل ذلك هل يمكن أن يتم ذلك أيضا بالنسبة لمراسم الفنانين بوكالة الغوري؟، وأخيرا هل يقبل الفنان فاروق حسني الزج برموز الفن والنقد في الوطن للوقوف كمتهمين في أروقة النيابة والمحاكم؟