في حلقة بثتها فضائية "العربية" د. الصويان : المد الديني أقوى من القبيلة محيط - شيماء عيسى جانب من الحلقة "ثقافة القبيلة في السعودية " كانت محور حلقة برنامج "إضاءات" الذي تبثه قناة العربية ، حيث استضاف الإعلامي السعودي المعروف تركي الدخيل الدكتور سعد بن عبدالله الصويان استاذ الأنثروبولوجيا بجامعة الملك سعود والباحث المتخصص في التاريخ السعودي وثقافة الصحراء . وقال الدخيل أن الكتاب والصحفيون تحدثوا في الآونة الأخيرة عن ظاهرة العودة إلى القبيلة ، نرصدها مثلا منذ تسعينات القرن المنصرم بكثرة مسابقات الشعر النبطي والإهتمام بسباق الإبل وما شابه وتساءل : ما السر وراء هذا الإهتمام ؟ . وقال الصويان أن إبن القبيلة حينما يضطر للنزوح من الصحراء والسكن بالمدينة يجد نفسه في بيئة غريبة ولذلك يصبح تأكيد الهوية له أمرا ضروريا ، ويعود لهذه الأشياء لإثبات ثقافته وتراثه المختلف عن المدينة. وتساءل الدخيل عن السبب في كون ابن القرية أكثر استعدادا للتأقلم مع حياة المدينة عن ابن الصحراء ( البادية) ، وأجاب د. الصويان بأن كلاهما يحاول التشبث بهويته ، وقد تعرضت البداوة ( حياة الصحراء وأهلها ) لهجوم غير مبرر وغير واعي فأصبحت رموزها تصور على أنها رموز تخلف وجهل مثل الإبل مثلا ، ونحن نتقبل التعميمات التي تأتينا من الخارج حتى من دون أن نناقشها ، هذه التعميمات أتت من عرب الشمال ومن غيرهم ؛ فالحضارات النهرية لديها موقف من الحضارات الصحراوية وهذا أمر قديم من أيام البابليين . حضارة النهر أكثر عمقاً وعن رأيه في سبب سيادة ثقافة البلاد النهرية عن الصحراوية بين العرب ، قال د. الصويان أنه من المعروف أن حضارة الأنهار لها عمق تاريخي لكونها اعتمدت على التاريخ المكتوب ، أما حضارة أبناء البادية فشفهية غير مكتوبة لا تعيش أبعد من مائتي عام بينما تعيش الأولى بفضل التدوين لآلاف الأعوام ، وظهرت المسألة على أن الثقافة والحضارة أصبحت تأتي من حضارات النهر ومنها مصر وبلاد الشام وينتفع بها أبناء الصحراء بالجزيرة العربية ، وهذا غير دقيق ، فهم أيضا أبناء الجزيرة كانت لهم ثقافتهم ربما فقط جانب كبير منها غير مدون . الباحث يدعو للإهتمام بالثقافة الشعبية وسأله الدخيل عن رأيه في التصويت لمسابقات الإبل والشعر الشعبي .. هل ينظر إليه كباحث باعتباره مظهرا سلبيا بالمجتمع أم لا ؟ ، وأجاب د. الصويان بأن الباحث لا يمكنه أن يتخذ موقفا سلبيا من أي شيء لأنه يريد فهم كل شيء وأسبابه ، وقال أن التشجيع الخاطيء للرياضة لا يعني أن الرياضة مضمونها سلبي ، ودعا لألا ننظر لأنفسنا بمنظار الآخر لنا ، واعتقد أن الأدب الشعبي مليء بالإستعارات والمجازات التي يمكن للإنسان أن يلجأ لها وتعبر عنه جيدا ، فلماذا إذا قلت مثلا شعبيا بلغة نجدية أو بدوية يعتبرونك متخلفا !، ورأى أن الآخر يريدك أن تبيد ثقافتك الأم . دعا د. الصويان كذلك لإزالة التضادية بين الثقافة النهرية والصحراوية ، والتي اختزلت بشكل سطحي وتنابذ بالألقاب بدلا من إيجاد حوار حقيقي وتعايش سلمي بيننا ، وهذه من إشكاليات الثقافة العربية ، وهي الأحادية ، فالعربي غالبا لا يتسع ذهنه لأكثر من توجه ، لا يمكن أن يضع نفسه في موضع الشخص الآخر . ،، مؤسسات الدولة تروج للسائد وترفض التجديد،، وانتقل الحديث لمشكلات المؤسسات الرسمية السعودية إزاء البحث ، ورأى د. الصويان أن الجامعات ومؤسسات الفكر السعودي تعتبر كل ما هو خارج الثقافة الرسمية المكتوبة لا يستحق الإهتمام ، وتكاد تحرم التفكير الفلسفي والتفكير التساؤلي في البحث ، ويريدون من الباحثين ليس التفكير ولكن تكرار ما جاء به من قبلهم والترويج للسائد لا غير ، وبالتالي لا نخرج بجديد أبدا ، مع أن سنة الكون في التغيير ، ولابد أن تتغير الثوابت لتواكب تغيرات الحياة ، حتى في الدين : النص الديني ثابت ولكن المتغير هو فهمك له بمقتضى العصر مع الإبقاء على روح النص وأغراضه . وأكد الباحث الصويان أنه لا يعتقد أنه من مصلحة الدين الإسلامي الإصرار على تمثل أساليب العيش في عصر الرسول والصحابة الكرام كعصر تاريخي انتهى ، فعلى المسلمين أن يأخذوا بأسباب العصر والعلم ليكونوا أمة قوية . الوصاية الدينية على الدولة د. سعد الصويان وسأله تركي الدخيل عما إذا كان قد واجه مشكلات مع الجامعة بسبب أفكاره ، فرد بأنهم اتهموه بحياكة مؤامرة ضد الفصحى ، وأنه يروج للثقافة الشعبية ، في عدم تمييز بين الدين كعقيدة والعلم ، وأكد أن الباحث حينما يدرس شيئا هو لا يروج له وإنما يريد فهمه ، فمن يدرس الطب الشعبي بالتأكيد لا يدعو لإلغاء المستشفيات الحديثة . ورأى في أساتذة اليوم بالجامعات السعودية أنهم أقل في التحصيل العلمي عمن سبقوهم ، وذلك لضعف مخرجات التعليم السعودي ، ووصاية فئة معينة عليه تكرس فهمها الخاص للدين الإسلامي لتحقيق مصالح معينة أو نتيجة لقصور بذهنيتها وتفكيرها ، وقال : "لابد أن يترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ، بمعنى أن يدلي كل متخصص في مجاله بمن فيهم علماء الدين لا يفتون إلا في المسائل الدينية فحسب . ورد على حديثه مقدم الحلقة قائلا : ولكن المسئولون سيقولون أن هذه الفكرة علمانية " ما لقيصر .. " ؟ ، واعتبر الصويان أن العلمانية ليست بهذه الخطورة التي يتصورها الناس ، وقد كثر استخدامها والإتهام بها نتيجة رغبة لدى البعض في تصنيفنا وإختزالنا بكلمة ، واعتبر أن تشاور الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في قضايا دنيوية والأخذ أحيانا برأيهم تصرفا "علمانيا " ، لأنه خارج نطاق الدين والوحي المنزل عليه . وتابع : "العلمانية ليست كفرا " فهي لا تعني أن تكون الدولة بلا دين ، ولكن ألا يتدخل في شؤونها الغير متعلقة بالدين علماء الدين ، وإلا سيطرت طبقة ذات مصالح على شؤون الدولة ، معتبرا ذلك عودة لسيطرة السلك الكهنوتي على المجتمع ، مؤكدا أن زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يعرف فكرة ( رجال الدين ) فالكل يعيش حياة مدنية ويهتم بأمر دينه أيضا ، بدون تمييز للمجتمع إلى طبقات رجال دين وناس عادية ، وأكد أن علماء الدين لابد من الرجوع إليهم في شؤون الدين والفقه والعقيدة وكل ما يتعلق بها . ،، الثقافة الشعبية امتداد حقيقي لثقافة العرب،،
وفي سؤال حول بداية الإهتمام بالتاريخ الشفهي للشعر النبطي بالجزيرة العربية بعد اهتمام باحثين غرب به ، قال د. الصويان أن هذه مشكلتنا دائما نحن العرب لا نهتم بثقافتنا إلا إذا أولاها الآخر رعايته ، ورأى أنه من الخطأ ربط الماضي بالحاضر عن طريق الثقافة الرسمية المكتوبة فقط ، معتقدا أن الثقافة الشعبية هي إمتداد حقيقي لثقافة العرب عموما . علق الإعلامي الدخيل على مقالة د. الصويان بعنوان "القبيلة داخل الدولة وخارجها " وسأله من خلالها لماذا تباعد حضور القبيلة وتمثيلها في الإنتخابات البلدية لصالح الحركات الإسلامية ؟ وقال الباحث الأكاديمي أن القبيلة تكاد تكون الجهاز الوحيد الذي له شخصية بارزة تحسم نزاعا بين الأفراد ، بمعنى أن شيخ القبيلة هو صلة الوصل بين الدولة ومن ينتمون للقبيلة ، " بينما أنا وأنت لا نمثل شيئا" ، لذا بظهور مباديء الديمقراطية والبرلمانات كانت القبيلة قوة لها حضورها ولا يستهان بها ، وقال بأن القبيلة كانت أكثر فاعلية في أنظمة البرلمانات الحديثة التي دخلت في العالم العربي مثل سوريا والعراق والأردن وليس الجزيرة فحسب ، ورأى أن المد الديني ربما فقط تنظيمه أكثر إحكاما من القبيلة ، والقبيلة تحتاج لتجارب كثيرة للفوز بالإنتخابات البلدية . العلم السعودي ورموزه العلم السعودى أثارت الحلقة نقطة حساسة جدا تتعلق بالعلم السعودي ، ومعلوم أنه أخضر اللون مكتوب به لفظ الشهادتين وتحتها وضع سيفين متقابلين ، وتساءل الدخيل هل لازال السيف رمزا صالحا للمرحلة الحالية بالسعودية أم أنه غير مناسب باعتبار أن تأسيس الدولة تم وتوحيدها ؟ ، واعتبر د. الصويان أن مشكلة السيفين كرمز فيما يحدثانه من سوء فهم لدى كثيرين وخاصة من غير العرب ، حينما يربطون بين الشهادتين وبين السيف وكأنك تنشر الإسلام بالسيف ، وقد كتب مقالة بهذا الشأن بعد ربط الإرهابي أبومصعب الزرقاوي بين العمليات الإجرامية التي يقوم بها معتمدا على السيف وبين الشهادة ، ويساعد على إساءة الفهم ذلك الإتهام الدائم للسعودية بتخريج عناصر إرهابية ، وقد أراد أن تتم مناقشة هذا الأمر ، وبعد بحث تأكد له أن الدولة قامت على السيف وان التوسع يكون بالسيف ولكن " لا اله الا الله " هي المرجعية الشرعية للتقاضي بين الناس ، أي أن السيف هو السلطة التنفيذية لإقامة العدل بين الناس قديما ، لأن النظام القبلي عرفي ، ليس به قضاء ، وذلك قبل توحيد الدولة على يد الملك عبدالعزيز ، وكان الشعراء يتغنون بالسيف ، فهو الوسيلة التنفيذية حينما تقرر الشريعة موضع العدل ، وفي النهاية على أجهزة الإعلام بالدولة أن توضح هذه الإلتباسات . المرأة .. حرية ومسئولية ،، جدتي كانت أكثر تحررا من بنات اليوم ،، وأثارت الحلقة كذلك مسألة لا تقل حساسية في المجتمع السعودي وهي قيادة المرأة للسيارة ومدى الحرية المتاحة لها ، واستند مقدم الحلقة لمقالة كتبها د. سعد الصويان عن جدته يقول فيها : " أراهنكن لو أن السيارات كانت موجودة على أيام جدتي لما ترددت هي وبنات جنسها في قيادة السيارة ، وكانت الجدة تقترف بفطرتها السليمة و دون فوبيا أشياءً أصبحت الآن من التابوهات المحرمة في السعودية ؛ فكانت تتحدث مع الرجال إذا اقتضت الحاجة لذلك بل ومعاونتهم أحيانا في الزراعة أيام درس الزرع وصرام النخيل ، وكانت تذهب للسوق لتشتري حاجتها وربما دخلت مع أصحاب الدكاكين في مشادات حول السعر " . المرأة السعودية وأكد الباحث الصويان إذا كان مباحا لجداتنا أن تقدن جملا أو حمارا لماذا لا تقود الآن وسيلة المواصلات الحديثة ، وانتقد أسلوب تربية أفراد المجتمع بنزع الثقة منهم بدلا من الوثوق بهم وجعلهم واعين ومسئولين وهم أنفسهم حراسا للفضيلة بدلا من وصاية الآخر ، معتبرا إياها سياسة غير حكيمة في الضبط الاجتماعي لأنها لا تنمي التحصين الداخلي . كما انتقد الصويان التعليم السعودي الذي تحول ل"غسيل دماغ وحشو" ، وتذكر جدته التي كانت عفيفة وتقية بلا ادعاء رغم أميتها بالقراءة والكتابة ، وكان مجرد الشك في دينها أو شرفها خطا أحمرا لا تسمح لك بالإقتراب منه ، وتساءل هل تحرفت بساطة الإنسان وبالتالي جاء من يحافظ على الفضيلة ؟ لماذا لا نطور السبل التي ننشيء الناس عليها ، ليس بالمنع ولا الإسكات ولكن .. بالحوار للوصول للرأي الأصوب ؟