بينالي القاهرة الدولي الحادي عشر يشهد تغيرا شاملا الفنان خالد رمضان محيط - رهام محمود افتتح الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بينالي القاهرة الدولي الحادي عشر تحت عنوان "الآخر"، والذي أقيم هذا العام في خمسة أماكن وهم، قصر الفنون، قاعة المكان، مركز الجزيرة للفنون، قاعة أفق واحد بمتحف محمد محمود خليل وحرمه، وقاعة الهناجر الذي أمتد العرض أمامها في جزء من جراج الأوبرا. تضمن البينالي هذا العام عددا من الورش الفنية، منها ورشة البيرفورمانس والفيديو والفيديو إنستاليشن ل"روزينا جوميز"، وعرض الفيلم التسجيلي "عالم كيث هارينج" الذي أخرجه كرستينا كلاوزن وقدمه كارميني سينسكالكو قوميسير الجناح الإيطالي، وذلك في قصر الفنون، كما أقيمت ورشة عمل البيرفورمانس والفيديو والفيديو إنستاليشن بالتعاون مع مؤسسة "ليبورال" في متحف الفن الحديث. وتحت عنوان "جوانب أخرى من العالم" عقدت ندوة وحوار مع كمبرلي ماير – مالك جينز – شيرين جرجس – تشيب توم – والعاملين بمجال الفنون في مدينة لوس أنجلوس، كما عقدت أمسية لفن التحريك التجريبي المعاصر تحت عنوان "أنيميشن بوفيه" من إعداد مورين فرنيس، وذلك في قصر الفنون. أما حفل توزيع جوائز البينالي فقد أقيم في المسرح الصغير بالأوبرا. شارك هذا العام في البينالي نحو 84 فنانا من 45 دولة من بينهم أسبانيا ضيف شرف البينالي، استراليا، الصين، ألمانيا، السويد، المجر، المكسيك، تركيا، رومانيا، المغرب، السعودية، سوريا، فلسطين، كما شارك بالبينالي ستة فنانين من مصر وهم، ارمن أجوب، عادل السيوي، عصام معروف، حنفي محمود، لارا بلدي، وائل درويش، أما الفنان الإيطالي برونور كاروزو فهو ضيف شرف البينالي. فازت الفنانة المصرية لارا بلدي بجائزة النيل الكبرى (تي) التي تبلغ قيمتها مائة ألف جنية عن عملها الفني المركب "برج الأمل"، كما فاز ثلاثة فنانين بجائزة البينالي التي تبلغ قيمتها خمسة وثلاثون ألف جنية لكل فنان، وهم: الفنان المصري عادل السيوي، والفنان اللبناني خالد رمضان، والفنان الجزائري عبد القادر عطية. تكونت لجنة تحكيم البينالي هذا العام من سبعة أعضاء هم: الفنان آدم حنين من مصر، مارتينا كوريناتي "إيطاليا"، كارين أدريان فون روك "ألمانيا"، دانيللو ميستوسي "إيطاليا"، تشوس مارتينيز "أسبانيا"، ارما أرستيزال "الأرجنتين"، ودان كامرون رئيس لجنة التحكيم من أمريكا. أما أعضاء اللجنة المنظمة للبينالي التي تكونت من 13 عضوا فهم: الفنان محسن شعلان رئيسا للجنة، والفنان إيهاب اللبان القوميسير العام، وبعضوية كل من الفنانون إبراهيم الدسوقي، أمال قناوي، تامر عاصم، حازم المستكاوي، حازم طه حسين، خالد حافظ، عماد أبو زيد، محمد طلعت، نجلاء سمير. يقول الفنان فاروق حسني: يعد "بينالي القاهرة الدولي" واحدا من أهم الأحداث الثقافية ذات الطابع الدولي، والتي تحرص وزارة الثقافة أن تدفعها بكل آليات التنفيذ الأمثل، وبما يتفق مع مكانة مصر الثقافية في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط والعالم. ويأتي استقبال مثل هذه الأحداث على أرض مصر لتعبر عن مدى إيماننا بضرورة دفع وتنمية سبل الحوار أخذا بأنه المسلك الأهم لتلاقي وجهات النظر التي تكفل دائما إحداث دفعات تنويرية يصقلها ذلك النتاج الإبداعي البشري الذي يفرزه الوجدان متحدا مع العقل السوي الذي يقبل الرأي والرأي العام. الفنان عادل السيوي كما صرح الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بأن دورة البينالي هذا العام تشهد تغييرا شاملا، وذلك بعد أن قطع البينالي دوراته العشر السابقة مؤكدا ثباته على خريطة البيناليات الدولية والتي تقام في مناطق متفرقة من العالم . واستطاع البينالي أن يصمد ويستمر في وقت توقفت فيه بيناليات دولية أخرى لأسباب بعضها اقتصادي يتعلق بعدم توافر ميزانيات ومخصصات ثابتة تضمن خروج هذه البيناليات بالمستوى الذي يأمله المنظمون، أو بسبب تأرجح المستوى الفني. يضيف: ولما كانت الحركة التشكيلية العالمية قد شهدت طفرات ومتغيرات كبيرة عبرت عن سمة العصر الذي أصبح يمر بحالة أشبة بالتمرد على كل ما هو مألوف وثابت ونمطي لتدخل مجالات عديدة من فنون الميديا وعالم الرقميات "الديجيتال" وفنون التركيب والتشكيل في الفراغ أو داخل المحيط المغلق أو بالتعامل مع الجدران والمسطحات والأسقف وكل ما يمكن التعامل معه في المكون الداخلي لقاعات العرض، مما جعل الفن يمر بحالة من المفاجآت لدى المتلقي. ومع مرور الوقت أصبح ما استقبلناه بالأمس بدهشة المفاجأة مألوفا ومعتادا، فنراه يعرض متجاورا مع لوحات التصوير والنحت وفنون الرسم والجرافيك. يواصل: ولم يكن ذلك هو التغيير الوحيد عن تطور الأداء الفني وعن ملامح العصر الذي نعيشه، ولكن حتى النواحي التنظيمية لإقامة البيناليات وأساليب طرحها على الساحة الدولية كانت تتطور وتتنامى بما يحقق تألقا وصقلا فنيا في تجمع الفنانين من مختلف الدول وحول حدث إبداعي كبير... ومن هذا المنطلق كان لابد لنا من وقفة فعلية لإعادة النظر في ضخ دماء جديدة تتولى إحداث التغيير. وها نحن قد بدأنا في هذه الدورة من البينالي والتي تحمل مسئوليتها فنان شاب تولى مهمة القوميسير العام بكل عصرية وانفتاح فكري وتحرك دؤوب "الفنان إيهاب اللبان" وقد صاحبته لجنة منظمة من شباب الفنانين الجادين الذين تحاوروا واختلفوا واتفقوا في جلستين فقط في بداية طرح هذا التغير، فوضع كل منهم ما لدية من حلم وطموح على مائدة الحوار. أما الفنان إيهاب اللبان فيقول: تراهن الدورة الحادية عشر من بينالي القاهرة الدولي على الحوار الذي يحترم الآخر في تحد للصورة المتشائمة المنقولة عبر الإعلام الفضائي ووسائط الميديا المتعددة، والتي تنقل لنا ما يطلق عليه "جماليات الحرب"، أو تلك المسلمات التي تحاول تمثيل "جماليات العنف" أو حالات الشد والجذب المتمثلة في المواجهات والمشاحنات بين الحضارات المختلفة. ولم تكتف جماليات العنف التي ساعدت على انتشارها الميديا العصرية بصك مصطلحات جديدة مثل "تصادم الثقافات" بل لحسن الحظ خلقت كينونات فنية على يد فناني الهامش من أقاليم العالم المختلفة التي لم يكن لها نصيب في تاريخ الحركة الفنية على مدار تاريخها. يتابع: توحد الفنانون المعاصرون اليوم على خلق لغة فنية مرئية مهجنة من جماليات الغرب والشرق معا، ومن المدهش أن هذه الممارسات والتجارب الفنية أوجدت بتأثيرها المباشر على مفاهيم عديدة مثل الحقيقة والخيال والذاكرة. ومن خلال صيغته الجديدة يؤكد بينالي القاهرة أن التجارب والمشروعات الفنية التي يعرضا فنانون من مختلف دول العالم اليوم، فهذه الدورة تساهم في الكشف عن جماليات ثقافية وأساليب جديد لاستلهام الذاكرة وسرد التجربة وصولا إلى تشكيلها، وإعادة صياغتها في لغة خاصة، بها من المقومات ما يجعلها قادرة على استكشاف الآخر واحترامه والتسامح معه. الفنان عبدالقادر عطية رأى كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد أن: البينالي هذا العام أتسع ليشمل قصر الفنون بأكمله ومركز الجزيرة والهناجر وقاعة أفق واحد، وكان مستوى هذا البينالي يضم أعمالا متميزة جدا وأعمالا لا تستحق العرض. ويستوقف المتابع في هذا البينالي جوائزه التي لم توفق تماما مثل الجائزة الكبرى التي حدث جدل حولها، والتي ابتعدت عن أي قيمة جمالية بدعوة أنها فكرة، كما أن هناك أعمالا لفنانين مصريين متميزة وأعمالا أخرى قدمت تحت مفهوم الحداثة خالية من الحس والقيم الجمالية . وانتشرت الأعمال المركبة وأعمال الفيديو حيث أصبح وجه الفن الجديد بعيدا عن مفهوم الجمال في نسبة غالبة على أعمال المشاركين سواء من دول عربية أو أوروبية أو من مصر، ولفت نظري بإعجاب عمل فنان أسباني يضم ثلاث لوحات كبيرة متقاربة صور فيها الفنان موديلا فيه جماليات الطبيعة بشيء من الغموض تجاوز فيه الأكاديمية التقليدية ووضع بصمته الذاتية بحس شديد الإرهاف، كما لفت نظري أيضا عمل لفنان أمريكي يعتمد على جهاز صغير أعد له موقع في أحد الجدران يرسل صوره المتحركة إلى الجدار المقابل، والجدار الأيمن عبارة عن شجرتين تتحركان بشكل مستمر، وتختلف الإضاءة والأشكال بشكل شديد الحساسية، تختفي فيه الزهور ثم تعود ثم تذبل ثم تظهر متفتحة مرة أخرى مما يلفت المشاهد ويشعر أنه في رحلة جمالية ممتعة. يضيف: وهناك أعمال عديدة مركبة مزدحمة، كعمل استغرق مساحة كبيرة للكائنات تضع فوق رؤوسها أقنعة شيطانية، يوحي بديكورات المسرح والأوبرا والبالية على سبيل المثال، وهناك أجنحة لدول عربية وأوروبية متفاوتة المستويات بدرجة ملحوظة كالجناح السوري الذي قدم صورة متكررة لآلة تصوير لا تعكس المستوى الطبيعي للفن السوري المعاصر، وعلى كل حال هذا البينالي يمثل فرصة كبيرة للتعرف على فنون العديد من الدول سواء العربية أو الأوروبية والأمريكية إلى جانب الفن المصري الممثل في هذا البينالي. أشار الفنان صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض إلى أن " التواجد العربي في البينالي هذا العام كان مميز جدا، فالفنانين العرب المشاركين في هذه الدورة لم يشاركوا في بينالي القاهرة من قبل، والدليل على قوة الأعمال العربية المقدمة أنه يوجد جائزتان حصل عليهما فنانان عربيان، وهذا أعطى عمقا عربيا للبينالي، وأنا أرى ذلك من أهم سمات البينالي هذا العام، كما أن البينالي انفتح على فنون ما بعد الحداثة كفنون الميديا والفيديو آرت والإنستيليشن بصورة قوية وهذا كان موجودا في السنوات السابقة ولكن ليست بهذه الكثافة، ومن أعمال الفنانين الأجانب المميزة عمل الفيديو آرت للفنانة الفنلندية ايليا ليزا أهتيلا، وعمل الفنانة المكسيكية تانيا كاندياني وأرى أن مكان عرضه لم يكن مناسبا على الرغم من أنها هي من قامت باختيار مكان العرض لنفسها. يضيف: أغلب من قاموا بزيارة المعرض من كل الطوائف والاتجاهات الفنية المختلفة الموجودة في مصر اجمعوا بأن هذه الدورة مميزة جدا، وهذا يعتبر نجاحا وشهادة جيدة سواء من لجنة التحكيم أو الفنانين الشباب؛ لأنني أحد منظمي هذا العرض. أما عن الأعمال الفائزة في البينالي فهذه وجهه نظر اللجنة يجب أن تحترم، فأنا لم يكن من حقي الجدل في نتيجة الجوائز، كما أنني أحترم قراراتهم، وعن العمل الفائز بالجائزة الكبرى فهو صدمة للمشاهد حيث أنه يرى مبنى عشوائيا تم إنشاءه في حديقة الأوبرا بجانب قصر الفنون، فهذا العمل جريء جدا، وفي الوقت نفسه تقوم الفنانة بنقل حالة موجودة في مصر متمثلة في كثير من الأحياء العشوائية التي بنيت على حساب الأراضي الخضراء والمساحات الزراعية في مصر.