صالون البورتريه الثاني يحظى بإبداعات 31 فناناً محيط - رهام محمود يقول الفنان والناقد كمال الجويلي شيخ النقاد: 'فن البورترية فن تاريخي من قديم الزمان، وجد في الحضارات التاريخية القديمة، كالفن المصري القديم، وفنون الهند والصين والعراق. نراه موجود أكثر في النحت، فالبورترية مجال خصب للأعمال الفنية، ودائما يضرب المثل بلوحة الجيوكاندا التي رسمها الفنان العالمي ليوناردو دافنشي، وكتب عنها مئات المقالات. فالبورترية عمل فني يمكن أن يسمى متحفي، فبعد زمن من إبداعه يصبح فن للتاريخ، فعندما ندخل متحف اللوفر نرى الشخصيات التي صورتها البورتريهات كانت تدخل في ذلك كسجل للتاريخ، وكأنك ترى أو يظهر أمامك ملامح أو نموذج من شخصيات كل عصر بملامحه وازياءه وطريقة تجميله وقسمات الوجوه، ففن البورترية سجل خلود لشخصيات البورتريهات، فالجسم يفنى والصورة تبقى عشرات القرون أثر للرحالين'. ولأهمية فن البورترية اختتم جاليري بورتريه موسمه الفني لهذا العام 'بصالون البورتريه السنوي الثاني' الذي ضم إبداعات 31 فنان من رسم وتصوير ونحت، قدم كل منهم عمل في هذا الفن الذي ظهر متنوعا حسب رؤية وأسلوب كل منهم. ففي فن النحت قدم الفنان عصام درويش بورتريها للأديب الكبير طه حسن، اهتم فيه بالتفاصيل الدقيقة للوجة كي يظهر بشكل أكاديمي، وقد استخدم في عمله خامة الحجر التي يحترفها. كما قدم الفنان رضا عبد الرحمن مؤسس جاليري بورتريه لوحة رسمها منذ فترة بعيدة للفنانة رشا طاهر زوجته عقب معرفته بها، استخدم فيها الألوان الباستيل لتظهر بشكل أكاديمي. ويقول الفنان رضا: 'فكرة معرض بورترية هي محاولة لإحياء فن البورترية وليس لإسم الجريدة أو الجاليري الذي تصدره مؤسسة بورتريه، ففن البورتريه بانتكاسه بعد وفاة معظم الفنانين المتخصصين من فناني الجيل السابق كأحمد صبري ثم صبري راغب وبيكار، فلم يوجد فنان في مصر حاليا يطلق عليه فنان بورتريه، كما توقف معرض البورتريه الذي كان يقام سنويا منذ فترة بعيدة في الأوبرا، وكان آخر عرض له عام 1993. فالفكرة كانت إحياء هذا الفن على يد تجارب بعض الفنانين المعاصرين ودعوتهم للمشاركة في معرض للبورتريه فقط، الذي كانت إجابة بعضهم في البداية أنهم لم يرسمون البورتريه، ولذلك عند مشاركتهم بالمعرض ظهر البورتريه بتناولات ورؤى مختلفة، فمنهم من يتمسك بأسلوبه الذي يتناوله في موضوعاته الأخرى، وبعضهم يتناوله أكاديميا، وآخرون يبدعونه بخيالهم فلم يكن مفهوما كالبورتريه الأكاديمي، كما استخدم البعض الميديا للتعبير عن هذا الفن، وهذا هو الجديد عن الصالون الأول الذي أقيم العام الماضي، فكان أغلب البورتريهات كلاسيكية، لكن هذا العام مع المفهوم الجديد اصبح مودرن بورتريه، فهذا المعرض نجح بأن يحرك الماء الراكد في هذا الاتجاه، فيوجد فنون تندثر دون أن نشعر بها، فعلى سبيل المثال يتناول الفنان عادل السيوي حاليا فن البورتريه في أعماله، لكننا لا نستطيع أن نطلق عليه أنه يسير على نهج البورتريهات. كما أنني أرى أنه يحدث تجاوب كبير بين الفنان والجمهور عندما يرسم له بورتريها فإحساس الناس بالفن التشكيلي يزيد برسم الأشخاص، ففن البورتريه هام جدا اتمنى أن يهتم به'. قدم الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن بورتريها مسطحا برؤية تعبيرية، وهو لفتاة ترتدي طرحة وحولها مجموعة من الرتوش التعبيرية اللونية الشديدة التي يستخدمها الفنان في أعماله الحفر والتصوير. أما البورتريهات الكلاسيكية فكانت للفنان رضا عبد الرحمن، مصطفى مشعل، عبده المصري، عصام درويش، أحمد قرعلي الذي قام بعمل بورتريه نحت للفنان النحات الزميل طارق الكومي. كما قام الفنان عمر الفيومي بتقديم عمل بورتريه لأحد أصدقاءه الذي توفى في حادث حريق قصر ثقافة بني سويف، يتضح فيه مشاعره الرقيقة تجاه صديقه، الجديد فيه أن لوحته ظهرت بقطع عرضي بدلا من القطع الطولي الذي تعودنا أن نراه دائما مستخدما خصيصا في رسم البورتريه، فكأنه يفتح الحياة أمام الفنان صديقه الذي توفى في تلك المساحة العرضية. ضم المعرض عمل فوتوغرافي كبير للفنان الراحل هاني الجويلي من أفضل الأعمال التي صورها في إيطاليا، فهي تعد كبورتريه جماعي لمجموعة من الشباب والشابات بالأبيض والأسود، يجلسون على مدرج في لحظة من اللحظات النادرة، فكل وجه يلاحظ فيه أنه بورتريه منفصل به تعبير خاص، فالعيون في هذه اللوحة معبرة وكأنها نافذة على شخصياتها فنستطيع الحكم على الشخصية من الداخل، فكل منها ينافس الأخرى ويثير التأمل عند المشاهد؛ ليجذبه ويغرقه في التحرك بعينه بين هذه الوجوه ليتذوق التعبير عن كل شخصية والجانب الإنساني والروحي فيها، فالكاميرا هنا التي التقطت الصورة مجرد وسيط كأنها قلم أو ريشة يجعل هذه التقنية تعبر عن الحالة الإنسانية من خلال هذه البورتريهات . أما لوحات الناقد الكبير كمال الجويلي فهي ترجع للأربعينات حيث رسمها تقريبا في عام 1945، في تلك المرحلة التي لم يتوقف فيها عن الإبداع 'الرسم'، حيث كان يستثمر وقتها ويستفيد من الوجوه المحيطة به، فلوحتاه التي عرضها بالمعرض رسم فيها إحدى اقاربه أو أخوته يتضح فيها دراسته التشريحية للبورتريه، والتي تتميز بموسيقى الشكل وروح الشخصية والجوانب المميزة من سماتها، وهذا نلاحظه من خلال القسمات والملامح والنسب، فالجويلي عندما يرسم البورتريه ينسى نفسه ليمسك بفرشاه لا شعوريا، فتنساب على اللوحة بتلقائية شديدة، يكاد يكون إحساسه الذي يقود يده للحركة، فهو يعتبر البورتريه وسيلته في التعبير الإبداعي، فمن خلاله يعبر عن وجدان الشخصية، ولذلك يرسمها في حالة من السحر لتأخذ قيم جمالية وتعبيرية من الشخصية ذاتها.