لبنان صامدة وتشجع الحراك التشكيلي العالمي للفنان أحمد الجنايني بالرغم من التوترات والأوضاع السياسية الحرجة التي تجتاح لبنان في السنوات الأخيرة وأحداث مخيم النهر البارد, إلا أن الشعب اللبناني له القدرة على المثابرة وتخطي الصعاب, ولذلك لم تتوقف لبنان عن ممارسة أنشطتها السنوية لتكون دائما بلد الفن والجمال. محيط - رهام محمود فكعادتها دعت الفنانين من جميع بلدان العالم للمشاركة في "سمبوزيوم أهدن الدولي" الذي تقيمه كل عام برعاية وزارة الثقافة اللبنانية, وكالعادة أيضا قام الفنان المصري أحمد الجنايني الذي اختير من قبل لبنان ليكون ممثلا عاما للسمبوزيوم في مصر بترشيح الفنانين المصريين للمشاركة, وذلك بموجب التعاون بين السمبوزيوم ومركز "إيزيس للإبداع" الذي أسسه الفنان الجنايني منذ ستة سنوات تقريبا. يقام السمبوزيوم في مدينة أهدن التي تقع شمال لبنان على ارتفاع ما يقرب من 3000متر من سطح البحر, وقد شارك فيه هذا العام قرابة 200 فنان تشكيلي من مختلف أنحاء العالم من بينهم "مصر, الأردن, السعودية, الكويت, العراق, لبنان, حيث يستضيف السمبوزيم الفنانين ويوفر لهم كافة خاماتهم واحتياجاتهم. يقول وزير الثقافة اللبناني طارق متري: "بدءا من الإنسان الأول, وامتدادا بعمر التاريخ كانت اللغة التشكيلية بمثابة ذاكرة وجدانية لتاريخ الإنسانية, تلك اللغة التي حفظت لنا التاريخ ونبض الإنسان عبر حضارات الفينيقيين وبلاد ما بين النهرين, وبلاد النيل وغيرها من بلدان المعمورة؛ فكانت بمثابة راو يصدمه المقولة, وأصبح يشير, وقلب ينبض بها..! ولما كانت تلك اللغة فاعلا وشاهدا على حركة التاريخ كان لزاما على الأمم المتحضرة أن تصنع في اعتبارها أهميتها, وحقيقة دورها الفاعل في تنمية الوجدان, وتفعيل الإحساس بالجمال كمنطلق حقيقي لخلق إنسان أجمل وأرقى يمتلك من المقدرة ما يؤهله لقهر القبح وسحق الظلام. يضيف: عبر تلك الفلسفة تبنت وزارة الثقافة اللبنانية بإيمان لاريب فيه دعم المسيرة التشكيلية عبر مؤسساتها الثقافية وعبر الجمعيات المتخصصة, ومما لاشك فيه أن سومبوزيوم أهدن الدولي للرسم والتقنيات المختلفة نتاج حقيقي لهذا التعاون المثمر والفعال بين وزارة الثقافة اللبنانية وجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت ولجنة الفن التشكيلي ممثلة في رئيسها جورج الزعيتني, الذي أخذ على عاتقه مسئولية التنظيم والاتصال بكافة الفنانين من لبنان والبلدان العربية وغيرها, ليطلق شرارة البدء لتظاهرة فنية تشكيلية ضمت 200 فنانا من مختلف بلدان العالم, اجتمعوا جميعا ليعلنوا أن أهدن لبنان عاصمة للقاء المحبة والجمال, ولينصهر الجميع في بوتقة واحدة يتوالد منها لغة بصرية فاعلة هي الأجمل والأبقى". أختلف سومبوزيوم أهدن هذا العام عن السنوات السابقة, فقد سبق السومبوزيوم مهرجان "فسحة أمل" بيت الفن بطرابلس, الذي ضم معرض تشكيلي ومهرجان شعري, من بين المدعوين فيه الشاعر اللبناني الكبير رشيد الباز, والشاعر مصطفى السعدني, والفنان أحمد الجنايني الذي ألقى مختارات قليلة من ديوان "عصير الروح", و"على جناح فراشة". أما السومبوزيوم فقد تأخر بسبب سفر رئيس السومبوزيوم جورج الزعيتني إلى باريس حيث طلب من الفنان الجنايني أن يتولى رئاسة السومبوزيوم نيابة عنه, ولكن الجنايني انتظر حضور الزعيتني. وبالفعل أقيم السومبوزيم حين وصل الزعيتني للأراضي اللبنانية, واستمر قرابة شهرين في تفاعل وحراك مشترك بين الفنانين المشاركين, وهذه مدة أقل من السنوات السابقة التي كان يستغرقها السومبوزيوم وهي حوالي ثلاثة أشهر, وقد خرج من مصر هذا العام الدكتور حمدي أبو المعاطي, ود. خالد البغدادي, والفنانة مديحه متولي, ومن المشاركين الآخرين الفنان وجيه نحلة, وبيار شديد. يقول الفنان أحمد الجنايني: "الجديد في هذه الدورة هو الدعوة للفنان حمدي أبو المعاطي, الذي أقا لوحة للفنان وجيه نحلة م ورشة جرافيك استمرت عشرة أيام مع مجموعة من الفنانين الشباب خريجي كلية الفنون "الجامعة اللبنانية" الذين أنتجوا أعمالا جرافيكية "حفر على الليثيوم, والخشب", فكان نتاج الورشة بكل المقاييس عمل رائع, وشكل جديد للسومبوزيوم نأمل بأن يتطور في الدورة القادمة, التي أتصور بوجود ترتيب مختلف لدعم ورش الجرافيك باعتبار أنها تحقق بالفعل نوع من التفاعلات والعمل الجماعي, ونقل الخبرات من الفنانين المحترفين إلى الفنانين الشباب الذين يعدوا جزءا من شرائح السومبوزيوم الثلاثة - فنانين محترفين, وخريجي كليات الفنون, والفنانين تحت إشراف فنانين محترفين- ". لم يطرح السومبوزيوم موضوعا يتناوله الفنانين, بل ترك كل فنان يعمل بحرية حسب تيمته الخاصة حتى لا يقيد بفكرة معينة. أنتج الفنان الجنايني في السومبوزيوم خمسة أعمال مستخدما الألوان الأكريليك, بالإضافة إلى مشاركته في ورشة الجرافيك مع د. أبو المعاطي. تميزت لوحاته بالشفافة ونعومة الألوان التي تندمج في انسيابية وكأنه يدندن بريشته على المسطح, أو يلقي مقطوعة من قصائده الشعرية, فهو يهتم بالإنسان في لوحاته الذي يجعله يقترب من إنسانيته, محاولا أن يؤنسن كل شيء من حوله. بدأ الجنايني حالة جديدة في الأعمال التي أنتجها في السومبوزيوم, وهو يستكملها حاليا في مصر, فهو أحضر وحدة من مجموعته وسيستكملها في لغة مختلفة عن أعماله السابقة, فلوحته تبلغ من الحجم 100×150سم, يقدم فيها تيمة تشكيلية جديدة ولكن بنفس الروح التي يعمل بها. د. خلد البغدادي قدم عملين زيتيين أقرب للسريالية والعالم الميتافيزيقي, وبجانب ورشة الجرافيك قدم د. حمدي أبو المعاطي عملا جرافيكيا كبير ينقسم إلى ثلاثة لوحات, كما قدم عملا آخرا جرافيكيا منفصلا. استخدمت الألوان الأكليريك أيضا الفنانة مديحه متولي التي قدمت عملين تطرح فيهما علاقة جديدة بين التيمة المصرية والطبيعة اللبنانية, فرسمت الجبال اللبنانية وشجر الأرز ممتزجا بالروح المصرية. بحث الجنايني مع رئيس السومبوزيوم في هذه الدورة كيفية دعم السومبوزيوم بشكل أكثر تفاعلا وفاعلية, وأن يتم مناقشة التخطيط الفعلي لعمل معارض في الدول الذي شارك فنانيها بأعمال داخل السومبوزيوم, وبأن يكون هذا المعرض جوالا في الدول, بالإضافة إلى أهمية أرشفة نتاج هذا السومبوزيوم بطريقة جيدة ودقيقة, للتمكن بعد ذلك من تصنيفه داخل المتحف المزعم إقامته في مدينة أهدن. ويقول الفنان أحمد الجنايني أن أهم شيء جديد في هذا السومبوزيوم هو "أنه كان في جميع الدورات السابقة مدعوما من وزارة الثقافة اللبنانية, أما هذه الدورة فلقد أصبحت الوزارة مسئولة مسئولية مباشرة عن رعايته, وتوفير كافة المتطلبات الخاصة بدعمه ماديا ومعنويا وأدبيا, وأتصور في الدورة القادمة, أن إدارة السومبوزيوم ستساهم في تكاليف سفر الفنانين, بالإضافة إلى تكاليف الإقامة التي تتحملها كاملة. أضاف: ولا شك أن توتر الوضع السياسي الراهن إلى حد ما داخل لبنان أدى إلى غياب المشاركة السورية عن السومبوزيوم بسبب الظروف السياسية, لكن بالرغم من ذلك كان هناك اتصال دائم بين إدارة السومبوزيوم والفنانين السوريين, ونأمل بأن يعود الفنانين السوريين في المساهمة والمشاركة في فعاليات العام القادم". يعد حاليا السومبوزيوم حفلا لتكريم الفنانين المشاركين, بالرغم من أنه بالفعل أخذ الفنانين المصريين المشاركين شهادات تقدير بشكل مبدأي, وسوف يتم بعد ذلك عمل احتفالية تكريم بعد أن تهدأ الأمور الحالية في لبنان نتيجة الظرف الراهن. لوحة للفنان بيار شديد يقول جورج الزعيني: " سمبوزيوم أهدن الدولي حقق إنتاجا فنيا على مستوى مسارات البحث والتجريب كشغل ثقافي وانهماك فني معاصر, حيث تلاقت الحضارات والتقاليد الخصوصية لكل بلد, وتفاعلت مع بعضها البعض بعد احتكاكها بالتيارات والأساليب العالمية المتعددة لتلامس الرؤية الإبداعية, ولتغني متحف أهدن للفنون التشكيلية بهذا الكم من الأعمال الفنية المتعددة الجنسيات؛ لتدخل في صلب الحداثة العالمية من خلال البحث والتجريب لمجمل التقنيات والأساليب التشكيلية. وقد ذكر الجنايني بأن خارج هذا السومبوزيوم وإضافة له تم الاتفاق مع مدير بيت الفن بطرابلس للإعداد للدورة الثانية من فعاليات المهرجان الدولي للإبداع, وهي الاحتفالية التي كانت دورتها الأولى في مارس 2005 بناءا على بروتوكول التعاون المشترك بين بيت الفن بطرابلس ومركز أيزيس للإبداع والثقافة, والمزعم إقامته في أبريل 2008, وقد أختص هذا المهرجان الإبداعي بالفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والشعر, وهذا مثلما حدث في الدورة السابقة, لكن هذا العام يتم التجهيز والتنسيق لاستضافة شخصيات إبداعية متميزة من مصر سواء في مستوى الإبداع أو الثقافة. وأضاف الجنايني بأن "إيزيس للإبداع والثقافة" قامت بالمشاركة في بينالي بيروت الدولي للأطفال, من خلال ورش العمل المقامة في إيزيس, وأن أهم اتفاقية تمت خلال هذه الرحلة هي اتفاقية تعاون مشترك بين إيزيس "كتاب المرسم" ودار "ناصر" للطباعة والنشر بطرابلس, ثم الاتفاق على دعم كتاب الطفل, إضافة إلى نشر مشترك لبعض الإبداعات المترجمة؛ وذلك لدفع حركة الترجمة قليلا خاصة في مجال الإبداع.