علي مدار ثمانية أيام عاش أربعة من الفنانين المصريين تجربة فنية مختلفة في سمبوزيوم "أهدن" الذي يشرف عليه الفنان اللبناني جورج الزعيتني، وهو السمبوزيوم الذي يقام منذ عشر سنوات ويشارك فيه فنانون من شتي بقاع الأرض، وشارك فيه هذا العام أربعة من أهم الفنانين المصريين هم: الفنان أحمد الجنايني -المفوض الرسمي من قبل السمبوزيوم باختيار الفنانين المصريين- الذي اختار للمشاركة معه الفنان الدكتور صلاح المليجي والفنان عصمت داوستاشي والفنان السفير يسري القويضي. عن جديد السمبوزيوم هذا العام قال الفنان أحمد الجنايني: كان الجديد هذا العام الاتفاق علي افتتاح معرض ثنائي علي هامش السمبوزيوم يضم أعمالي، وأعمال الفنان اللبناني جورج الزعتيني رئيس السمبوزيوم، وقد كان العمل نفسه مختلفا عن الدورة الماضية، حيث كنت حريصا علي ذلك في اختياري للفنانين، بهدف تقديم أعمال وروح جديدة، كما حاولت تقديم رؤية بانورامية سريعة للفن التشكيلي في مصر، وهو ما تحقق بالفعل، حيث ظهرت الأعمال المصرية بشكل جديد ومختلف، فقد قدم الدكتور صلاح المليجي لوحات تصوير وليست جرافيك، وشارك الفنان عصمت داوستاشي بأعماله التصويرية المميزة، كما قدم أيضا نحتا خاصا به مما زاد من اختلاف شكل السمبوزيوم عن السنوات السابقة، وكانت المفاجأة أنه سافر معنا السفير يسري القويضي الذي قدم الفن من وجهة نظر مختلفة تماما، وهو يتميز بالبساطة في الأداء، وعلاقته الحميمية جدا بخامته، ومن هنا أتصور وجود شكل مختلف لأداء الفنانين المصريين، الذين تعرفوا هناك علي أكثر من وفد سوري وفنانين من دول مختلفة. وتابع: قدمت في هذا السمبوزيوم تجربة جديدة لي تسمي "علي جناح فراشة"، وهي ديوان شعر خاص بي، حولت جزءاً منه إلي لوحات تشكيلية، وهذا ما قمت بعرضه مع الفنان الزعتيني، وكان طرحا أتحسس فيه رؤيتي، وكذلك يعتبر مغامرة في أن أكتب شعرا داخل نصي التشكيلي، وسوف يتم نقل التجربة إلي سوريا مضافا إليها بعض اللوحات الأخري، وأتمني أن يتم دعم السمبوزيوم ليتمكن من إنشاء متحف يضم أعمال نتاج كم هائل من الفنانين العرب واللبنانيين والأجانب الذين شاركوا فيه، خصوصا أن هذا العام يعتبر العقد الأول لإنشاء السمبوزيوم. وعن هذه التجربة يقول الفنان الدكتور صلاح المليجي: حينما صعدنا لهذه المدينة شعرت وكأنني سأتلقي الحياة بشكل مختلف دون أي هموم، لأن مسئولية الإدارة التي كنت أتولاها أفسدت علي حياتي، فرجعت أصفو لحياتي وفني، كما سعدت جدا بالفنانين المصريين الذين رافقتهم طوال الرحلة، مستعيدا ذكرياتي وتجربتي مع الفنان الكبير عصمت داوستاشي التي امتدت 23 عاما، حينما شاركنا معا في ورشة عمل في مرسم الأقصر عام 1986 . يضيف: "أهدن" مدينة فوق مستوي سطح البحر بحوالي 1500 متر، فكل المشاهد الطبيعية هناك أهلتنا لعمل فن جميل؛ لأنها مناطق روحانية وشاعرية، تضم رفات الكثير من القديسين والأديرة والكنائس والمغارات قمت هناك برسم ست لوحات، نفذت علي خامة الكرتون السميك، مستخدما الألوان الأكريليك، حيث كنت محملا بتجربتي التي لم أنفصل عنها، وهي عن البحر، ولكنني رأيته في أهدن من خلال ألوان جديدة أكثر نضارة تمثل المكان نفسه، إضافة إلي صفاء ذهني واستمتاعي بالعمل بلا هموم، والجميل في هذه الرحلة أنني رأيت متحف جبران خليل جبران، الذي كانت معلوماتي عنه أنه أديب وشاعر، كما شاهدت له بعض الاسكتشات منذ بضع سنوات، ولكنني وجدت في متحفه اسكتشات ولوحات تصوير لا تقل عن فناني أوروبا كجوجان خاصة لوحة الحياة والموت؛ لأنه يحمل نظرة فلسفية وروحية صوفية بها نوع من التأمل والحياة والوجود والطبيعة، كما أن أعماله تشبه أعمال الفنان الإنجليزي ويليم بليك المتصوف والمصور والجرافيكي. أما الفنان عصمت داوستاشي فقال: أنجزت أربعة أعمال أساسية، كما رسمت بورتريهات لكل من التقيت بهم في أهدن، حيث قمت بعمل لوحة كبيرة تمثل الشخصية الأهدنية التي تتميز بكرم الضيافة، كما أنتجت عملاً مركباً كانت عناصره من بقايا بالتات اللون التي تركها الفنانون، وقمت أيضا بعمل لوحتين كولاج، لكن أهم أعمالي بالسمبوزيوم هي رسم أكثر من 15 بورتريهاً لفناني السمبوزيوم وأهالي البلد. وأضاف: أما عن تقييمي للسمبوزيوم فأعتقد أنه بدأ بداية قوية جدا حينما أشرفت عليه البلدية، وأصبح وجوده حاليا يعتمد علي دعم الأهالي، وهذا وجود أراه غير مستقر، لأنه يعتمد علي استضافة الأهالي للفنانين، ورغم أن هذا به ناحية إيجابية من حيث احتكاك الفنانين بالأهالي، لكنني أراه علي المدي الطويل ليس في صالح السمبوزيوم، لأنه لابد أن يكون له مقر واستضافة خاصة، كما يجب أن ينشأ متحف لنتاج أعمال الفنانين، فهو يحتاج لدعم من الدولة ووزارة الثقافة اللبنانية، لكن الجميل في لبنان أنه يمكن أن يقوم أي فنان بعمل سمبوزيوم، حيث إننا نجد هناك الكثير من السمبوزيومات، لأن كل مناطقها جميلة وموحية، لكنني لم أستطع التقرب من الطبيعة، ولم أستوحها في أي من أعمالي حتي الآن، لأنها تحتاج إلي معايشة طويلة وليست عابرة، لكن عن التجربة ككل فأنا أراها جديدة وجميلة، فلابد للفنان أن يسافر ويتنقل ويحتك ويري، لأن هذا يثري ليست فقط تجربته الفنية، بل رؤيته الشمولية للإبداع والفن، كما أن هذه الرحلات تعمق العلاقات الإنسانية بين الفنانين، خاصة من تعرفنا عليهم من البلدان المختلفة كسوريا ولبنان والأردن، حيث توجد روابط مهمة جدا فيما بين الفنانين في الوطن العربي وهذا مطلوب جدا. أما السفير يسري القويضي فقال: بالطبع ضيق الوقت في السمبوزيوم يحد من العمل بحرية، ولذلك يضطر الفنان للقيام بعمل يشبه آخر قام بعمله سابقا، كي يتغلب علي عامل الوقت، وعن أعمالي، فأنا أعمل بطي الورق، وقمت بعمل ثلاث لوحات بأحجام صغيرة في السمبوزيوم، وقد استوحيت في لوحاتي بعضا من أعمالي السابقة بإضافة بعض من التطوير، في البداية اندهش الفنانون لاستخدامي خامة الورق التي تأخذ وقتا طويلا في طيها، لكنهم أعجبوا جدا بالنتيجة النهائية، خلاف ذلك استمتعنا بوجودنا هناك، فأكثر ما تأثرت به مشاهدتي لمتحف جبران خليل جبران، الذي ولد في "بشري" إحدي البلدات التي يحتضنها الجبل، لكن المفاجأة بالنسبة لي حينما قمت بزيارة متحفه المحفور بالجبل، أنني شاهدته رساما عظيما جدا، ومصورا وملونا عالي المستوي، أعتقد أنه في نظري حاليا مصور أهم من كونه أديباً، باعتبار أنني أهوي التصوير، "بالتته "وألوانه لم أجدها في الكتالوجات، كما أن فكره الفلسفي واضح في اللوحات، وقد دفن جبران داخل هذا المتحف الذي تأثرت به ضمن العديد من الأشياء في "أهدن" والمنطقة المحيطة بها، والتي تضم مزارات دينية مارونية من أديرة وكنائس جميعها قديمة وبها آثار، وكتب عتيقة باللغة السيريانية والآرية التي يتحدثون بها في تلك المناطق، والفضل في هذه الزيارة يرجع إلي تشجيع فنان صديق هو أحمد الجنايني، فلولا تشجيعه لنا لما سافرنا إلي هناك.