تعرف على تكلفة استخراج أو تجديد جواز السفر المصري    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    جولة مفاجئة لوزيرة التنمية المحلية في عابدين: تسهيلات فورية وحلول عاجلة لشكاوى المواطنين    أردوغان: المنطقة لا تحتمل حربا جديدة    قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس الثوري الإيراني    إيران تمتلك ورقة خطيرة.. مصطفى بكري: إسرائيل في حالة انهيار والملايين ينتظرون الموت بالملاجئ    كومان يفتتح أهداف مونديال الأندية    تموين بني سويف تضبط مصنع مشروبات غير مرخص وتنقذ الأسواق من 650 كرتونة فاسدة    قتل أسرة كاملة حرقًا.. الإعدام شنقًا لعامل في الإسكندرية -صور    العثور على جثة سوداني أمام "المفوضية" بأكتوبر    سماح الحريري: مسلسل حرب الجبالي لا يقدم صورة مثالية للحارة المصرية.. والدراما غير مطالبة بنقل الواقع    25 صورة من جنازة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    متى يصادف أول محرم 2025 ميلاديًا    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    مصطفى البرغوثي: إسرائيل تستغل الانشغال بحرب إيران لتغطية جرائمها بفلسطين    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    لقب وحيد و9 محطات تدريبية.. ماذا قدم جاتوزو قبل تولي تدريب إيطاليا؟    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    ليس لأبراج تل أبيب.. مقطع مزيف للقصف الصاروخي في إسرائيل ينتشر على مواقع التواصل    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    مانشستر يونايتد يواجه ضربة بسبب تفضيل جيوكرس لأرسنال    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    104 لجان عامة بالقليوبية تستقبل 50213 طالبا فى امتحانات الثانوية العامة    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعا د. مستجير رائد الأدب والهندسة الوراثية
نشر في محيط يوم 13 - 08 - 2007


د. مستجير رائد الأدب والهندسة الوراثية

لم يصمد قلبه الحنون وحسه المرهف أمام ما يراه من قسوة وبشاعة العدوان الإسرائيلي الغاشم على أبرياء لبنان وفلسطين ، رحل العالم الإنسان .. كان يجلس أمام التليفزيون في منزل أسرة زوجته في قرية على جبال الألب يتابع المذابح الإسرائيلية للأبرياء من شعب لبنان وبكى لما رأى جثث الأطفال يحملونها بأعداد غفيرة .. وصرخ " إنهم في عمر أحفادي"..
وكانت هذه آخر جملة قالها رائد الهندسة الوراثية العالم المصري الدكتور أحمد مستجير لابنه طارق قبل أن تنفجر شرايين المخ لينتقل لمستشفى بالنمسا ويرحل مودعا عالمنا الموحش .
محيط شيماء عيسى وشيرين صبحي
"ذبت في النحن ، وأحن إلى الأنا" عبارة لخص بها العالم الكبير د. احمد مستجير حالة الانقسام التي عاشها على مدى رحلة عمره حيث عاش موزعا ما بين الأدب والشعر وبين البحث العلمي ، في إشارة لشمولية العلم الذي يستفيد منه جميع الناس ولكنه من وقت لآخر يحن إلى الأنا وهو الفن والأدب المتأصل في تكوينه الفطري ، ووصف بالأديب المتنكر في صورة العالم .
يعد مستجير واحدا من أهم علماء العرب في مجال الهندسة الوراثية ، كما كان يعد مشروعه العلمي الكبير الذي أطلق عليه مشروع " زراعة الفقراء" واحدا من أهم إنجازاته ، وهو المشروع الذي بدأ العمل فيه عام 1989 بمساعدة عدد كبير من المتخصصين في مجال الزراعة لاستنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل درجات عالية من الملوحة والجفاف بهدف الاستفادة منها في زراعة الصحراء في الدول النامية .
سيرة حياة إنسان.. عالم وأديب
ولد مستجير في الأول من ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات بمحافظة الدقهلية شمال مصر، تأثر بوالده تأثرا كبيرا، فقد كان والده قارئا نهما، ملأ المنزل بالكتب، فشابهه في حب القراءة كما شابهه في ملامحه الخلقية، وكان الأديب "كامل الكيلاني" صديقا لوالده فزوده بعشرات الكتب يشتريها له من المنصورة .
ومن الحكايات الطريفة التي يرويها العالم أنه حين كان في العاشرة من عمره نهر مدرس اللغة الإنجليزية "شفيق أفندي" أحد التلاميذ قائلا: "روح موت"، ومضت ثلاثة أيام ولم يظهر يوسف وفي اليوم الرابع وصل للأطفال خبر موته، فبكى مستجير طويلا، واعتقد أن شفيق أفندي قتل زميله (!!)، ولم يكتف بالاعتقاد بل كتب خطابا لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، لكن الناظر توفيق أفندي عفيفي حاول أن يقنعه بما حدث، ولكنه يقول عن نفسه: "لم أقتنع ساعتها أبدا".
وفي المرحلة الثانوية اهتم مستجير بكتب البيولوجيا؛ لأنه أحب مدرسها "خليل أفندي" الذي تخرج في كلية الزراعة، فأحب مستجير أن يلتحق بنفس الكلية، افتتن بأستاذه في الكلية عبد الحليم الطوبجي أستاذ علم الوراثة، فسلك ذات التخصص، وبلغت ثقة "الطوبجي" في مستجير "الطالب" أنه لما احتاج أن يكتب مذكرة للطلاب ولم يكن وقته يسمح بذلك أعطى الطلاب ما كتبه أحمد في المحاضرات!
يقول مستجير "أنحاز إلى الأرض الريفية؛ لأني ابنها، وربما كان تفوقي في كلية الفلاحين (الزراعة) بسبب عشقي للزراعة والخيال واللون الأخضر، والريف هو عشقي الأبدي ومنبع الرومانسية المتأججة بداخلي".
وحتى نقترب من العالم الإنسان سنجد أنه حينما تخرج عام 1954، عمل مهندسا زراعيا لمدة 55 يوما فقط، تركت في نفسه أثرا كبيرا حيث تعامل مع الأرض بحب جارف ، يذكر أنه أثناء إشرافه على الأرض لفت نظره طفل يجمع القطن، يقول إنه: "قرأ في وجهه وجه مصر؛ بهجة غامرة، وحزن بعيد وغامض وعميق"، فأعطاه قرشين، بعدها جاء مفتش من القاهرة وعلم ما فعله مستجير فعنفه وأوصاه أن يعامل الفلاحين بقسوة حتى يهابوه، ليلتها لم ينم وكتب في مفكرته: "هل تستلزم الوظيفة الجديدة قتل الإنسان داخلي؟.. هل يستكثرون أن يحظى الفلاح مني ببسمة؟ يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، أمن أجل 15 جنيها أحتاجها يقتلون فيَّ الإنسان؟"، ومن فوره ترك مستجير العمل.
التحق مستجير بالمركز القومي للبحوث عام 1955 ليحصل على الماجستير في تربية الدواجن من كلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1958 ويعمل معيدا بنفس الكلية، وفي هذه الفترة عرف من خلال قراءاته "آلان روبرتسون" أستاذ علم الوراثة البريطاني، فراسله وطلب منه مساعدته للالتحاق بمعهد الوراثة جامعة أدنبرة وقد كان.
ومن المواقف الطريفة التي أوقعته فيها جرأته أنه أثناء دراسته في المعهد ذهب إلى رئيس المعهد بروفيسور "وادنجتون" يشتكي من عدم فهمه شرح أحد الأساتذة؛ فاستدعاه على الفور وواجههما معا، وكانت النتيجة عقوبة قراءة كتاب إضافي مكون من 400 صفحة!".
حصل عام 1961 على دبلوم وراثة الحيوان بامتياز، وكانت المرة الأولى في تاريخ المعهد أن يحصل طالب على هذا التقدير.. ثم بدأ العمل للدكتوراة مع أستاذه "آلان روبرتسون"، وعنه يقول مستجير: "ذلك الرجل الذي سافرت كي أتتلمذ على يديه، أصبح عندي بعد أن عرفته المثال الحق لرجل العلم! تواضعا وحبا للخير، كان أذكى من قابلت في حياتي".
وللأسف الشديد حين عاد بعدها إلى ادنبرة بحوالي ربع قرن مع زوجته وقاما بزيارة منزل أستاذه ، وعرف منها قصة موته الميلودرامية حين كان يلقي بمحاضرته وفجأة صمت وصرخ في الحضور من انتم ؟ وأين انا؟ وانقلب طفلا صغيرا يتصرف برعونة الصغار وحمقهم ، إنه أصيب بمرض وراثي خطير ، بكى أمام زوجة استاذه ومن يومها قرر أن دراسة الأمراض الوراثية للإنسان بعمق وكرس لها حياته .
يقول الدكتور أحمد مستجير: لحسن حظي أن زوجتي امرأة عظيمة تعرف كيف تدفعني للأمام، رغم أنها أوربية التقيت بها أثناء دراستي هناك وتزوجتها عام 1965، فإنها لم تتردد لحظة في ترك بلادها من أجلي، إن من أسرار نجاحي وجود مثل هذه الزوجة في حياتي، فإذا كانت عمادتي لكلية الزراعة استمرت 9 سنوات فإن زوجتي عميدة حياتي لأكثر من 35 عاما.
لدى مستجير 3 أبناء: طارق مهندس يعمل في الكمبيوتر والبرمجة، وسلمى معها ماجستير في اللغة الألمانية، ومروة تعمل في البيولوجيا الجزئية، وقد اكتشفت مع فريق الباحثين معها في فيينا أحد الجينات الوراثية التي تزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان القولون والرئة..
أبحاث مهداة لمن يموتون جوعاً
حين كان يتابع نشرة الأخبار، ويسمع كيف أصبح العالم قرية صغيرة، كان يصرخ –بحسه الشاعري- ما أظلمها من قرية تلك التي تدع أطفالا تحولوا بفعل الجوع إلى هياكل عظمية؛ ولذا كان الأمل الذي يرفرف بين ضلوعه أن يقوم العلم بدوره الحقيقي في إنقاذ أرواح ملايين البشر، وتوفير الغذاء لمن يموتون جوعا، فحشد جهوده في تطوير مفهوم الزراعة واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني فأسس مركز علوم الوراثة وأصبح رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي. يردد مستجير دائمًا: "في عالمنا الآن أطفال يولدون للشقاء، لليل طويل بلا نهاية! في جعبة العلم الكثير الكثير، في جعبته طعام وبسمة لكل فم".
للدكتور مستجير اسهامات علمية بارزة عادت على المجتمع بالخير، فقد لعب دورا كبيرا في تطوير زراعة القمح والتصدي لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثا علميا في مجال انتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية ، ومن أهم إنجازاته – ايضا- استخدام تكنولوجيا التهجين الحفزي لخلايا النبات ، كما قام قام بتجيين الأبقار بأنواع أجنبية ، مستخدما تكنولوجيا التلقيح الصناعي بالسائل المنوي المجهد المستورد، مما يؤدي لرفع انتاجية اللبن واللحم .
يرى أن البيوتكنولوجيا تستطيع إسعاد الفقراء، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية - وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ د. مستجير في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف يقول مستجير: "إننا نتبنى حاليا التكنولوجيات التي تصلح لحل مشاكلنا الخاصة ببلادنا، فلو عرفنا الاستغلال الأمثل لمياه البحر في الري، لتمكننا من إنتاج أصناف من المحاصيل الزراعية التي تتحمل الملوحة والجفاف".
وتبرز أهمية هذه التجربة بعد قيام الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للإنتاج، ولكن لا تصلح للاستنبات مرة أخرى، وهو ما يحرم الفلاح من حقه الأزلي في الاحتفاظ بكمية من البذور لزرعها في الموسم القادم، ويجعل أمريكا تتحكم في المستقبل الغذائي للبشرية، وقد أطلق مستجير على هذه البذور "بذور الشيطان" محذرا من خطرها على زراعتنا واقتصادنا.. ولمستجير تاريخ حافل سواء في مسيرته العلمية أو مؤلفاته أو الجوائز التي حصل عليها.
رد ذات مرة على أحد الاستقراطيين عندما عاب في الهندسة الوراثية وأخذ عليها إنتاج طماطم جامدة ليست مثل طماطم زمان ، رد عليه العالم بحسم " إحنا عايزين نأكل الناس الفقرا اللي بيزيدوا بالملايين فلازم نعمل طماطم تستحمل حتى ولو كان طعمها مش زي زمان " ، وقد أخضع تأملاته لمصلحة الناس البسطاء ففي إحدى سفرياته على الطريق الصحراوي إلى الاسكندرية لاحظ كثافة الغاب والبوص في الملاحات ونموه رغم نسبة الملح المرتفعة ، فلمعت في ذهنه الفكرة التي كان ينفذها بالفيوم بإمكانية زراعة القمح والارز في الأرض المالحة بالتهجين الخضري مع الغاب ، وكان يحلم بإثراء الفول البلدي بحامض الميثونين الأميني لتقترب قيمته الغذائية من اللحم ، وإدخال جين مقاومة فيروس الالتهاب الكبدي إلى الموز .
آخر ساعة بداية علاقته بالأدب
بدأت علاقته بالأدب بقراءة مجلة آخر ساعة، وكانت تصدر يوم الأربعاء، وتقدم كل أسبوع قصيدة يرسمها الفنان العظيم بيكار، فكان يحفظها مستجير ومنها قصائد لناجى وأخرى لحافظ إبراهيم والكثير من أشعار شوقي، كما أحب شعراء المهجر وخاصة إيليا أبو ماضي. وفى كتبه العلمية بعد ذلك كان يأخذ أبيات أشعار في بداية كل فصل في كتب الوراثة.
ومن أهم الأعمال الأدبية التي قرأها وأثرت فيه، روايات الجيب التي كانت تنشر لكل الأدباء العالميين، وكان يفضل الروايات البوليسية ولديه جميع روايات أجاثا كريستى بالانجليزية التي كان يري أن لها أسلوبا رائعا لا يترجم، ويجب قراءته بلغته، وعن سبب تفضيله لهذا النوع من الروايات قال في إحدى حواراته: "أن فيها علم.. تجمع البيانات، ونستخلص منها النتائج.. ليصل للقاتل.. هذا هو العلم.. وفيها أيضا شيء هام جدا.. وهو التأكيد على حرمة الحياة البشرية، الإنسان في أعمالها له قيمته، من يقتل روح يجب أن يعاقب، هذا أهم ما في الروايات البوليسية.."
ويرجع مستجير الفضل في تعليمه إلي والده الذي كان مدرس لغة عربية.. وكان يأتي بكتب مصطفى صادق الرافعي، ولطفي المنفلوطي، وروايات جرجى زيدان عن العرب، وكان يجد والده يقرأ فيقرأ مثله.. بعد ذلك قرأ كل أعمال يوسف إدريس، ونجيب محفوظ..
مستجير شاعراً
لو رُمْنا نبكي كلَّ الأزهارِ الذابلة بدرب العمرِ، لما اسطعنا
لكنَّ هناك لكل منَّا زهره..
يرويها سرَّهْ..
يخشى - إذ تذبلُ - أن تذروها الريحْ
يحضنُها
يندبُها..
يذرفُ دمعهْ...!
يُشعل شمعه..
ويرتّلُ من أشجان النايِ صلاتَهْ..
ثم.. يوسّدها، في صمتٍ، قلبَهْ
ويعيش بقيّةَ عمرِهْ
يحملُ جُثَّته في صدرِهْ!.
كتب مستجير الشعر في فترة مبكرة من حياته ولكن أول قصيدة مكتملة كتبها كانت في 25 أغسطس 1954م بعنوان "غداً نلتقي"، وقد كتبها بعدما قرأ قصيدة "الملك لك" لصلاح عبد الصبور وهي أول قصيدة من الشعر الحر يقرؤها مستجير، بعدها أحب الشعر الحر وعبد الصبور. وكان أحمد محمود أعز أصدقاء مستجير صديقا للشاعر الكبير عبد الصبور، فطلب منه مستجير أن يصطحبه إليه ليقرأها أمامه.
قرأ مستجير القصيدة في خجل متخوفا أن يكون قد أصاب عبد الصبور بالملل، أما الشاعر فقد ظل صامتا إلى أن وصل مستجير لقوله "... فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم"، هنا نظر عبد الصبور إلى صديقه وقال: "كاتب هذه القصيدة شاعر" يومها طار مستجير فرحا، وبدأ يكتب الشعر وقد أصدر ديوانين هما: "عزف ناي قديم"، و"هل ترجع أسراب البط؟"
من قصيدته غداً نلتقي يقول:
أخي انظر لهذي السماء طويلا
وكيف تزغرد فيها الطيور
لهذي الشجيرات حين تميل
وهذي الزوارق حين تسير
وهذي المياه!
فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم
تجمع في مثل هذا الغدير
ليجري، فيملأ أرضا بزرع نضير
وزهر يضوع!
هدوء الحبيبة يا صاحبي
أتهتف.. إني أهيم به؟
وهذا الجلال.. هدوء الطبيعة..
أما فيه يا خل كل الجمال؟
وفي قصيدة عن مصر بعنوان "كتابات على ظهر مقعد في الحديقة المظلمة.. " يقول:
تغربت ياما تغربت يا ظالمة..
تغربت من أجل حبك..
ومن أجل عينيك يا قاسية..
غريبا كما كنت..
ها قد رجعت إليك..
فلابد لي أن أعود..
وأسندت رأسي على ركبتيك..
وأجهشت يا فتنتي بالضحك..
الخيال والحب عند العالم
" أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في ال نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق"
يقول مستجير في إحدى حواراته أن العلم أصله خيال.. ويجب أن يكون لدى العالم ملكة التخيل، فالعالم لا يستطع أن يكون عالما جيدا، إلا لو كانت لدية هذه الملكة.. والشاعر بالضرورة عنده خيال لهذا فالاثنان مربوطان ببعضهما.. ويجب أن يكون لدى العالم من صفات الشاعر.. القدرة على الخيال والقدرة على الحب.. أن يستطيع العالم أن يحب هذا موضوع مهم دائما أتكلم عنه.. لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان عالما، وليس لديه قدرة على الحب.. يجب أن يحب الناس الذين حوله.. يحب بلده.. المهم أن يحب.. ويحب..
ويفسر أهمية الخيال والحب عند للعالم، بأن الخيال يمنح العالم القدرة على تخيل النتائج.. والعالم المتميز هو الذي يحول خيالاته وأحلامه إلى علم.. أما الحب فهو دافع للبحث.. العلم يجب أن يكون غرضه إنسانيا.. يوجه لخدمة الإنسانية وإلا لن يكون له معني.. خاصة في هذا الزمن.. فإذا لم يكن العالم يحب بلده.. ويحب الناس فلن يقدم شيئا مفيدا، لابد أن يملك الاثنين.. القدرة على الخيال والقدرة على الحب.. ليكون عالما جيدا.. وإلا سيكون عالما كالذين نتخبط فيهم في الطريق، يعمل في العلم لكنه ليس عالما.. ويعمل أبحاثا مثل فلان، لا يمكن أن تخرج منها نظرية أو فكرة كبيرة..
قطار العلم انطلق والعالم الثالث يتفرج !!
د. مستجير تصدى وبقوة لهجرة العقول العلمية خارج اوطانها ، وعبر أكثر من مرة عن هذا الرأي بكلمات واضحة : " هجرة العقول انا أسميها الهروب من بلدنا إلى بلاد أخرى ، كيف اهتم بأناس هربوا من ميدان المعركة وبحثوا عن مصلحتهم سواء المصلحة المادية أو المعرفية ، وفي المقابل لا يلقى فرسان العلم ، والذين يبحثون وينحتون في الصخر داخل البلد أي اهتمام وأي رعاية ، نسينا أن العلم وطني وليس عالميا ، أي أنه لابد أن يسخر لمصلحة البلد الذي يعيش فيه العالم ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، الاهتمام بالعلم والعلماء ليس له حدود سواء كان هذا العالم أمريكيا أو من أي جنسية أخرى ، وبناء عليه ، فإنفاقها على العلم والعلماء ليس له حدود وبالتالي فهي دولة متقدمة علميا ، أما بالنسبة لنا في مصر فأهم ما يشغلنا الآن هو الاتصال بعلمائها في الخارج واستضافتهم في اضخم الفنادق وتنظيم أجمل البرامج الترفيهية وبالتالي ننفق أموالا طائلة في هذا الاتجاه " .
وجاء على لسان عالم الهندسة الوراثية الدكتور أحمد مستجير : " لا زلنا في مقاعد المتفرجين .. تزداد الفجوة وتتسع وما زلنا نتمسك بكتبنا الصفراء ، المستقبل يتشكل ونحن ما زلنا نعيش في كهوف الماضي " ، ويقول " لماذا لا يكون لكل كلية من كليات الزراعة مزرعة صحراوية ؟ نحن نحتاج إلى استنباط سلالات نباتية تقاوم العطش والملوحة، المجلات العلمية المصرية مكان خصب للمجاملة،فالمجلات المصرية مسئولة عن انحدار مستوى الأبحاث بسبب مناخ المجاملة والترضية والاعتبارات الذاتية،والحل هو نشر الأبحاث في الخارج فالمدرسة العلمية اختفت من الجامعات المصرية وضاع عشرات العلماء ، وسبب تأخرنا هو فساد البيئة العلمية ، نحن لم نبرح مكاننا منذ السبعينيات بينما انطلق قطار العلم العالمي بسرعة خارقة وتجاوزنا بعشرات بل مئات المراحل، تأخذ الشركات العملاقة متعددة الجنسيات الأصول النباتية من دول العالم الثالث وتضيف إليها جينا أو بضعة جينات وتحصل على براءة فيصبح ملكية خاصة بها لتفرض شروطها على المزارع الأصلي في عالمنا الثالث، فعليه سداد رسم تكنولوجيا قيمته 50 دولارا عن شيكارة البذور كما عليه استخدام المبيد الذي تنتجه ،وإذا خالف شروط الاتفاق عليه سداد تعويض يعادل مائة ضعف الرسوم السارية للجين مضروبا في عدد وحدات البذور بالإضافة إلى أتعاب المحاماه ومعنى ذلك أننا سندخل مرحلة معاناة التكنولوجيا واحتكارها وسوف ندفع ثمنه غاليا والسبب تخلفنا.
عطاء غزير للمكتبة العربية والعالمية
أثرى الدكتور احمد مستجير المكتبة العربية والعالمية بالعيد من المؤلفات، ففي التحسين الوراثي للحيوان له: "مقدمة في علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن".
أما كتبه المترجمة في العلوم والفلسفة فهي: "قصة الكم الكثيرة، المشاكل الفلسفية للعلوم النووية، الربيع الصامت، صراع العلم والمجتمع، صناعة الحياة، التطور الحضاري للإنسان، طبيعة الحياة، البذور الكونية، هندسة الحياة،الهندسة الوراثية للجميع، ثقب الأوزون ، البيئة وقضاياها ، الانقراض الكبير ، ظاهرة الصوبة ، الفيزياء والفلسفة ، التاريخ العاصف لعلم وراثة الإنسان ، عقل جديد لعالم جديد ، الهندسة الوراثية وأمراض الإنسان، بحثا عن عالم أفضل، لغة الجينات، الشفرة الوراثية للإنسان، عصر الجينات والإلكترونات، ثورة في الطب، الوراثة والهندسة الوراثية بالكاريكاتير، الطريق إلى دوللي، الاشتراك في كتاب من يخاف استنساخ الإنسان ، طعامنا المهندس وراثيا، الجينات والشعوب واللغات" ، همس من الماضي : تاريخ طبيعي لعلم الوراثة ، نهاية الإنسان: عواقب الثورة البيوتكنولوجية ، نبش الماضي: علم الآثار القديمة والبحث عن الدنا القديم ، الاشتراك في كتاب حلم الجينوم وأوهام أخرى وكتاب كفى – قبل أن يدمرنا جنون العلماء ، الطبيعة ، الجينوميات والصحة في العالم ، سجن العقل.
من مؤلفاته في الأدب والثقافة العلمية : "الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي، عزف ناي قديم (ديوان شعر)، مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي، هل ترجع أسراب البط؟ ( ديوان شعر)، أحاديث الاثنين، في بحور العلم، القرصنة الوراثية ، البيوتكنولوجيا في الطب والزراعة ، دفاع عن العلم ، الثورة البيولوجية ، علم اسمه الضحك ، علم اسمه السعادة ، ". ومن الكتب المترجمة في الأدب "ثلاثة رجال في قارب، أفكار تافهة لرجل كسول".
وشغل مستجير عضوية عدد من الهيئات المصرية منها الجمعية المصرية لعلوم الانتاج الحيواني واتحاد الكتاب والجمعية المصرية للنقد الادبي ومجمع اللغة العربية المعروف بمجمع الخالدين كما كان مقرر قطاع الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بالمجلس الاعلى للجامعات.
جوائز
حصل مستجير على جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة عام 1974 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1974 وجائزة أفضل كتاب علمي مترجم عام 1993 وجائزة الإبداع العلمي عام 1995 وجائزة أفضل كتاب علمي عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية لعلوم الزراعة عام 1996 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1996 وجائزة أفضل كتاب علمي لعام ،1999 وجائزة أفضل عمل ثقافي لعام2000 وجائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لعام 2001 ، جائزة أفضل كتاب لعام 2003.
قالوا في رحيل العالم الإنسان
الدكتور هاني الناظر «رئيس المركز القومي للبحوث»: " إن الدكتور مستجير يعد أحد أبرز علماء الهندسة الوراثية علي مستوي العالم، وصاحب مدرسة في العلم والأخلاق والتواضع، وهب حياته للعلم وحب مصر التي عاش طيلة عمره داخلها، دون أن يراوده حلم الهجرة إلي الخارج ، كان يجب أن يحصل مستجير علي جائزة نوبل في مجال الأبحاث الزراعية، لأن أبحاثه أفادت العالم قبل مصر، والتي ستظل تستفيد بها علي مدي السنوات المقبلة، خاصة أبحاث كيفية زراعة القمح بالمياه المالحة، والتي ستشهد مصر نتائجها في المستقبل" .
وزير الثقافة المصري فاروق حسني : " فضلا عن كونه عالما كبيرا ، فقد كان أيضا أديبا وشاعرا وعالما لغويا ، ومن النادر أن نجد واحدا يجمع بين التخصص العلمي الدقيق والإبداع العلمي واللغوي، لكن د. مستجير لم يجمع بين المجالين فحسب بل وتفوق فيهما معا وكان علما في كل منهما وقد كرمته الدولة أكثر من مرة كان آخرها حصوله على جائزة مبارك عام 2001 ولاشك أن رحيله خسارة كبيرة لمصر والوطن العربي .
د. جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة: كان مستجير صديقا مقربا وقيمة علمية وثقافية كبرى يندر أن تتكرر في هذا الزمن ، وعلى الرغم من تخصصه العلمي الدقيق والنادر وتفوقه فقد كان واحدا من أمهر اللغويين والمهتمين بالأدب العربي شعرا ونثرا وله إنجازات كبيرة في هذا المجال وخاصة في مجال علم الأوزان الشعرية فضلا عن ترجماته العلمية والأدبية المهمة ، أما عنه كإنسان فقد كان شخصا رائعا ، دمث الخلق ، شديد التواضع والمحبة والحنو ، وتلك صفات العلماء الكبار الأفذاذ الذين كان د. مستجير واحداً من أبرزهم رحمه الله.
أشار الناقد والمفكر سامي خشبة إلى أن د. مستجير كان من أهم علماء مصر والوطن العربي في مجال الهندسة الوراثية ، وقد أنجز مجموعة من البحوث لتطوير نباتات كثيرة مثل الأرز والقكح عن طريق التهجين الوراثي وإمكانية زراعة القمح في الأراضي الصحراوية واستخدام مياه الصرف في زراعته وغيرها من البحوث الهامة .
الأديب يوسف القعيد : " أهم ما يلفت النظر في د. أحمد مستجير أنه كان رجلا متواضعا وبسيطا ، كان على سبيل المثال يرتدي القميص والبنطلون دائما وفي الشتاء يرتدي بلوفر فوق القميص ، فلم يكن من محبي ارتداء البدل حتى عندما كان عميدا لكلية الزراعة كان يرتدي نفس هذا الزي البسيط ..
رحم الله الإنسان العالم المصري الكبير أحمد مستجير فقد كان عطاؤه العلمي والأدبي الغزير يشع على العالم بأسره وكان مع ذلك متعلقا بوطنه لا يبارحه ، وخلف لنا أبحاثا رائدة تسعد ملايين البسطاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.