افتتح د عبد المنعم كامل رئيس الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي بمصر معرضا للفنان محمود عبد الموجود بقاعة الفن التشكيلي في المكتبة الموسيقية بدار الأوبرا المصرية. محيط : رهام محمود ينشغل الفنان عبد الموجود بزيارة الأماكن الأثرية في مصر التي يأتي إليها السائحون من بلاد العالم, فهو يعبر عنها بريشته الرقيقة التي تجيد إظهار تلك الأماكن والأشخاص برؤيه جديدة. ألوانه غنية تعبر عن كل مكان بمذاقه الخاص, فهو يجيد إظهار روح المكان ، عاداته ، تقاليد ، صفاته التي تكاد تنطلق من داخل إطار اللوحة, فهي تعطي معايشة حقيقية لحظية للقطة. بأسلوب تأثيري ومن خلال تجربة استغرقت حوالي ثلاثة أعوام, ينقلنا الفنان إلى عدة أماكن في ستين لوحة ملأت جدران قاعتي المكتبة الموسيقية "العلوية والسفلية", مستخدما في لوحاته خامة الجواش تلك الخامة الحساسة التي تتعامل باللمسة الواحدة ولا تقبل الخطأ. يأخذنا الفنان في بداية المعرض إلى جنوب مصر, حيث تناول مشاهد من الحياة اليومية في قرية أبو الريش, تلك القرية التي انبهر بها, يسمى أهلها "بالمهجرين" فهم لهم طابع خاص ومميز في أبنيتهم, بداية من الأرض التي يدهنونها باللون الأبيض, وكذلك الجدران والمساكن, فهي قرية بيضاء يكثر فيها بناء القباب والتي تعمل على التهوية, يبنون مساكنهم من الرمل والتبن فتعطي شكلا أثريا مميزا, وهذا ما تناوله الفنان في لوحاته, بات يظهر التفاصيل الدقيقة والنتوئات التي تعتري جدران الأبنية ويبرز جمالها الذي لانراه, ولا نستشعره في القاهرة. رسم الطراز المعماري لقرية "هيصة" فهو أيضا باللون الأبيض الذي يبرز جماله مع صفاء الشمس, إضافة إلى أشكال الصخور المختلفة, فالمتلقي حين يقف أمام اللوحة يشم رائحة وملمس تلك الصخور, فالضوء كان يتغير عليها كل خمسة دقائق كما قال الفنان. ثم ننتقل إلى أكبر أثر بسيوة, حيث سجل الفنان عدة مشاهد لمعبد التنبؤات الذي يتناغم مع البيئة, وهو معبد فرعوني استضاف الإسكندر الأكبر, وقام الكهنه فيه بتنبأ ما سيحدث له في المستقبل, معمارهم يختلف عن المعمار المصري التقليدي فخشب النخل هو الخامة الوحيدة عندهم. صور الفنان مناطق بوسط سيوة, فهو يقول أن المعمار هناك يختلف, حيث يكون بطريقة بدائية, تخدم حياتهم بأسلوب متطور وحضاري بخلاف ما نعيش, فالسائحون هناك يركبون عربات صغيرة جدا, يجرها حمار , وهو الوسيلة الوحيدة المتاحة للنقل هناك, تراهم مستمتعين بالبيئة وحتى بالجو الحار. وفي لوحة "القيلولة" كانت الألوان الحارة تفوح من داخلها, وتسكب حرارتها على المتلقي, فقد صور الفنان سائق تلك العربة الصغيرة يجلس عليها متعبا من حرارة الجو. دخل الفنان المساكن ورسم ما بداخلها, كالسلالم التي يصنعوها بأيديهم فالفطرة لديهم هي التي تعطي الإحساس بالجمال, كما رسم أيضا إحدى الحواري. ثم يعود بنا الفنان مرة أخرى إلى الجنوب " أسوان" في مجموعة لوحات تحمل تكوينات لونية مختلفة تماما عما سبقت, حيث استخدم الفنان اللون الأزرق البارد المعبر عن طقس وبيئة اسوان, صور مشاهد عن النيل والمراكب, والشراع أحد علامات الجنوب, صفاء المياه, تسجيل الصخور والطبيعة. صور الفنان الأماكن التي تقع داخل ميناء جزيرة فيلة, وما فوقها من مساكن تمثل المعمار النوبي, المحتوي على قباب التهوية, فالطبيعة هي العامل الأساسي في حياتهم. قام عبد الموجود بزيارة سوق "كوم أمبو" مدينة تسبق أسوان ب 45 كيلو, تصف لوحاته طبيعة الحياة هناك من خلال الحوار بين الأشخاص وعلاقات اللون الخاصة بالضوء, فهو يبالغ في إسقاط الضوء على الشكل ليبرزه, وفي نفس الوقت تكون الخلفية باللون القاتم. عشق الفنان الحيوانات فكان يدرس بورتريهاتها ويرسمها بتفاصيلها الدقيقة, ويصور العلاقة ما بين الحيوان والإنسان, كانوا يتحدثون في حوار صامت, وساعد التشكيل على إظهار العلاقة بينهم , فيوجد في مشهد حوار بين رجلين يتبادلا الحديث عن بيع بقرة, وهي تنظر إليهما كأنها تعرف ما يقولان منتظرة مصيرها, وكان الضوء ينعكس بشدة على أوجه الأشخاص. رسم أيضا بكوم امبو رجلا بسيطا في عدة لوحات, كلا منها تظهره من زاوية مختلفة لتعطي تأثيرا وبعدا نفسيا آخر, فهو يظهره مرة من الخلف, وأخرى من الأمام, ويدرس تفاصيل الخوص الدقيقة التي تصنع الحقيبة "قفة" التي يضعها الرجل أمامه. وهذه اللوحات الكبيرة هي التي احتلت القاعة السفلى من المعرض, أما القاعة العلوية فحملت الأعمال ذات الأحجام الصغيرة لنفس الموضوعات. وفي رحلتنا مع لوحات الفنان محمود عبد الموجود, نرى أنه أشار إلى تسجيل الجمال المصري, فمصر غنية وواسعة بأماكنها الخلابة الممتعة, فالفنان يقول أننا يجب قبل أن ننظر خارجها ونرتاد البلاد الجميلة لرسمها, أن ندرس ونتعرف على الأرض التي نقف عليها أولا.