- حجازى : أنوى مكاشفة نفسى و كتابة مذكراتى - حتى لا يعود الاستبداد تمسكوا بالديمقراطية و قدسوا الدستور - بريطانيا ناضلت 4 قرون لتصل للديمقراطية - الديموقراطية ليست فقط صناديق الانتخابات كما يزعم لصوص الثورة استقبلت القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب مساء أمس، أولى لقاءات المعرض الفكرية لهذا العام، مع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى وجاء اللقاء تحت عنوان " الهوية والثقافة". و شارك فى اللقاء د. عبد الناصر حسن أستاذ النقد الأدبى بكلية الآداب جامعة عين شمس ورئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، والدكتور أحمد مجاهد رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وعدد كبير من المثقفين والشعراء الشباب. و بدأ حجازى حديثه بألا يكون معرض الكتاب موسم أو مجرد عيد، بل يجب أن يكون العام كله ، وفتح الشاعر الباب للجمهور للحوار وتبادل الأفكار، قائلا لا يجب أن يكون المثقف على المنصة وحده مثل الحاكم كما كان الحال قبل الثورة يحكم وحده، فقد انتهى هذا العصر ونحن الآن فى عهد جديد، عهد الديموقراطية، والديموقراطية ليست فقط هى صناديق الانتخابات، كما كان يزعم أولئك اللصوص الذين سرقوا الثورة والديموقراطية أيضًا. فالإخوان لا يعترفون بشىء اسمه المصريون ومصر كذلك ليست واردة فى حساباتهم، وما أقوله ليس إدعاء أو زيف أو تصاريح مكتوبة ولكنها وقائع معلومة وأظن أنها ستكون موضوع محاكمات فى الأيام القادمة. كما قال حجازى، إن الثقافة والهوية موضوع الساعة، وتساءل كيف يمكن أن أتحدث عن الهوية المصرية دون أن أتحدث عن الثقافة وماذا تكون الثقافة إلا مصر وماذا تكون مصر إلا الثقافة، وأضاف أن الهوية هى الثقافة والثقافة هى الهوية. وأضاف: الهوية لم نكن نتحدث عنها من قبل ولكن من كان يتحدثون عنها هم السوريون واللبنانيون وهم اتصلوا بالثقافة الفرنسية اتصال وثيق . ولكن المصريين كانت لهم طريقتهم مع الفرنسيين فى الاتصال وكان الاتصال عبر إرسال بعثة للتعليم والأبحاث هناك لكى ينقلون لنا حضاراتهم وثقافتهم وهذا كان يختلف عما يصنعه السوريون واللبنانيون، وكلمة هوية تعنى الضمير الذى يدل على الغائب وانتقل فى مرحلة من المراحل فى أن يدل على غائب واحد وأصبح يدل على الغائب أو المطلق الغائب وأن الهوى أصبح يستخدم فى الحديث عن الله سبحانه وتعالى فى قوله عز وجل لا إله إلا هو وانتقال الضمير للحديث عن هذا الجوهر انتقل بالتالى على الحديث إلى الغيب الدينى إلى المطلق القومى الذى هو نحن جميعا لأن الهوية تدل على الشخصية القومية التى تشكلت على بناء عناصر مختلفة منها المكان. وأشار حجازى إلى أن موسوعة الكاتب الكبير جمال حمدان شخصية مصر وعبقرية المكان لم يكن يتحدث حمدان فيها عن المكان الجغرافى ولكن كفيلسوف يريد أن يضع يده على روح المكان الذى هو روح مصر. وأكد حجازى أن الهوية هى روح مصر وإذا انتقلنا إلى الهوية فهى الثقافة أى ما نصنعه نحن وليس ما يكتبه الرواد والروائيون ولكن ما يصنعه البسطاء وما يقوم به الفلاح ، وكلمة الثقافة فى اللغات الأجنبية تتفق مع كلمة الزراعة لان الثقافة فى الأصل تعنى الزراعة وفكرة إصلاح الأرض والرى والعناية بها من الأرض إلى العقل والنفس والضمير والجسد ويقصد بها أيضا التربية . ونطلق على الإبداع فى الشعر والنثر الأدب ليدل على الرقى والخلق والتهذيب والتربية الأخلاقية والإنسانية والثقافة ليست النشاط الفكرى فحسب ولكن النشاط العام الذى نقوم به جميعا. وقال حجازى، إن الإخوان فى الدستور القديم الذى هو من صنع أيديهم كانوا ينكرون مصر وحسن البنا تحدث عن الوطنية قائلاً: "حدود الوطنية ليست بالأرض بل بالعقيدة وهؤلاء الوطنيون وكان يقصد الوفديون والدستوريون والمصرى العادى الذى يحارب الاستعمار الانجليزى يعتبرون الأرض جغرافيا وحدودًا، أما نحن فكل بقعة فيها مسلم هى وطن لنا"، وأضاف حجازى أن هذا هو فكر الجماعة. وأوضح حجازى، أنه إذا تم عمل مقارنة بين طغيان الملك فؤاد بطغيان مرسى وبديع والبلتاجى فنجد أن طغيان الملك فؤاد أرحم بكثير من طغيان الإخوان، ففؤاد كان طاغية متحضر يضع موسلينى مثله الأعلى، بينما كان مرسى طاغى متخلف يضع السلطان عبدالحميد مثله الأعلى، فالمصريين عندما وجدوا أن الوطنية فى خطر خرجوا عن بكرة أبيهم ليسقطوا هؤلاء الطغاة وليعبروا عن حبهم لوطنهم. المصريون ضربوا للمرة الثانية فى الثلاثين من يونيو جرس الإنذار لكل الطغاة والجبابرة عندما نزلوا إلى الشوارع والميادين وأزاحوا هذا الكابوس عن كاهل شعب لقب وعن جدارة بقاهر الجبابرة ومقبرة الغزاة، فنحن لن نستكين للطغاة من جديد. و قال حجازى لضمان عدم عودة الاستبداد ، يجب أن نكون مخلصين للديموقراطية و أن نقدس الدستور، وأن يكون الوطن كياننا المقدس. و تابع أن لنا الحق فى أن نبدى بعض التحفظات على بعض النقاط الواردة فى الدستور، وهذا جائز ويستطيع مجلس النواب القادم أن يفعله، ولكن علينا أن نتمسك بكل ما أوتينا من قوة بدستورنا الحالى لأنه هو طوق النجاة، فالدستور هو من يؤسس لدولة المؤسسات وأقصد بالمؤسسات برلمان ناتج عن دستور وحكومة ناتجة عن برلمان والسلطة القضائية. وعلينا أن نتخلص وإلى الأبد من فكرة الرجل الأوحد من خلال الاعتماد على شخص دون مؤسسة، ونكافح من أجل الوصول إلى ما نصبو عليه فالديموقراطية لا تتحقق فى يوم وليلة، فالشعب الإنجليزى صاحب أعرق الديموقراطيات فى العصر الحديث والمعاصر لم يحصل على حقوقه إلا بعد ما يقرب من أربعة قرون قضاها فى كفاح ونضال من أجل الديموقراطية. وكذلك كان الحال بالنسبة للشعب الفرنسى الذى ناضل لسنوات طويله من أجل أن يصل إلى ما هو عليه الآن من حرية وديموقراطية . وحول اللغة العربية وما تعانية من تدهور، قال حجازى أن الحل يكمن فى وضع الدولة مشروعًا قوميًا للقضاء على الأمية، وعن مدارس الشعر الحديثة قال حجازى الشعر من الأشياء التى لابد أن يكون حولها خلاف، بسبب اختلاف وعدم وضوح مقاييس الشعر فالشعر كثير ، لكل شخص ميوله التى لا يمكن أن يفرض فيها شخص رؤيته على الأخر، ومهما كان اختلافك مع شاعر أخر فأنت لا تستطيع أن تنفى عن أعماله شاعريتها. ولكن الواضح للجميع الآن أن ما نقرأه لبعض هؤلاء الذين يجهلون حتى مبادئ اللغة العربية ليس بشعر فالشاعر يجب أن يستخدم اللغة كأنه هو الذى خلقها، ليوظفها كيفما يشاء ويصنع منها ما يشاء، أما إذا عجز عن ذلك فهو ليس بشاعر. وردًا على سؤال الشاعرة والروائية الكويتية المصرية إسراء الجراح حول هل يفكر حجازى الآن فى كتابة سيرته الذاتية؟ أجاب حجازى منذ فترة طويلة وأنا أفكر فى ذلك لأننى وصلت لسن لابد فيه من الجلوس لكتابة سيرتى الذاتية لماذا؟ لأننى عشت عمرًا كافيًا ولا بد كما يحدث لكل إنسان أن يمر عبر مشوار حياته بتجارب ومواجهات بشكل عام فى مجال عمله ومجالات أخرى، ولأن الإنسان مهدد فى هذا السن بالرحيل فى أى وقت، لذا عليه أن يجلس ويتفرغ ليكتب سيرته الذاتية، لأنه هناك دائمًا العديد من الأسئلة التى كان يتهرب منها الإنسان، والتى جاء الوقت ليكشف عنها، لأن هذا واجب أخلاقى لا يلزم القانون به الإنسان، وأعتقد أننى لدى ما أقدمه للأجيال القادمة من أبنائى وأحفادى والشعراء الشباب. وفى نهاية حديثة أكد حجازى أن العروبة فى مصر عروبة مصرية والإسلام فى مصر إسلام مصرى وعلى هذا النحو كذلك المسيحية واليهودية. كما دعى جموع المصريين للنزول للشوارع والميادين فى الإحتفال بثورتى 25 يناير 30 يونيو ليقولوا لا للإرهاب والفاشية الدينية والطغيان وحتمًا سوف نصل فى النهاية للديموقراطية. و من جانبه قال الدكتور عبد الناصر حسن إذا كانت حركة رواد الشعر الجديد قد نهضت بالتحرر والتطوير فى شكل القصيدة العربية ومضمونها، فإنها على مستوى آخر تعد تجسيدًا بتوجه المجتمع العربى بأسره، نحو التحرر فى شتى أشكاله ونحو المدنية والتحديث كما يرصدها واقع الحياة ونبضها المعاصر. لقد أحدثت مدرسة حجازى وأبناء جيله نقلة كبيرة فى الشعر العربى، فكان من أهم مميزاتها الاعتماد على الإيقاع أكثر من الاعتماد على الوزن الشعرى، انتقلوا من نظام شعر الشطرين إلى نظام التفعيلة، كما تحرروا من اللغة القديمة أو التقليدية ، وكذلك اعتمدوا على الرمز والأسطورة والقناع وغيرها من التقنيات. من منا ينسى أعماله الشعرية المتميزة والتى بدأها عام 1959م بديوانه مدينة بلا قلب، وديوان أوراس، لم يبق إلا العودة، مرثية العمر الجميل، كل هذه الأعمال الشعرية نلاحظ روحًا تسرى بها بشكل يجعل حجازى شاعرًا له خصوصية ومقدار كبير فى الوسط الشعرى. و يتابع عبد الناصر حسن أن خصوصية تتضح حجازى كذلك فى كتاباته الصحفية، كما أنه له عدد كبير من المؤلفات التى توازى إبداعاته الشعرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: محمد وهؤلاء، عروبة مصر، إبراهيم ناجى، خليل مطران، حديث الثلاثاء.. وغيرها. هذه الأعمال المتميزة جعلت من شعر حجازى، شعرًا متميزًا له تاريخه وشخصيته، ويكفى أن نتصور معًا المدى والأثر الذى تركه ديوان مدينة بلا قلب عندما طرح بالأسواق لأول مرة. لقد ساعد على نجاح مدرسة التفعيلة التى يعد حجازى أحد أبرز روادها روح التحرر التى سادت جميع أرجاء الوطن العربى فى بداية خمسينيات وستينيات القرن الماضى. وتستطيع أن تلتمس فى شعر حجازى القيم النبيلة، كما أن محور الحب وصور الكفاح ، كان من أهم المحاور الأصيلة فى الأعمال الشعرية لحجازى.