تحل اليوم ذكرى وفاة القارئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الملقب بصاحب «الحنجرة الذهبية»، و«صوت مكة»، الذي بدأ رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952 م فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان. من بين الدول التي زارها الهند لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك، فوجئ عبدالباسط بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثرًا بهذا الموقف الخاشع. كما كانت بعض الدعوات توجه إليه ليس للاحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة فكان ردهم «بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبدالباسط» فكان الاحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جوًا من البهجة والفرحة على المكان الذي يحل به. وقد حظي باستقبال شعوب دول العالم له استقبالًا رسميًا على المستوى القيادي والحكومي والشعبي، حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة. وفي جاكرتا بدولة إندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفًا على الأقدام حتى مطلع الفجر. ومناسبة الذكرى رقم 25 لرحيل، أكد الباحث المصري محمد عبداللطيف الصغير مؤلف كتاب «دولة التلاوة القرآنية في مصر» الذي يحتوى على صور نادرة وخطابات بخط يد الشيخ تنشر لأول مرة أن دول العالم الإسلامي كرمت الراحل بعشرات الأنواط، والأوسمة، والشهادات وأطلقت اسمه على الشوارع والميادين وعلى المدارس القرآنية والمعاهد الدينية خاصة في المالديف، وإيران، وباكستان، واندونيسيا، في الوقت الذي يتم تجاهل تكريم الشيخ في مسقط رأسه، وقد توفى في 30 نوفمبر عام 1988. ولادته ونسبه ولد القارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة ومركز أرمنت بمحافظة قنابجنوب مصر. حيث نشأ في بقعة طاهرة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويداً. فالجد الشيخ عبد الصمد كان من الأتقياء والحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا. أما الشقيقان محمود وعبد الحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنًّا. عبد الباسط، وهو في السادسة من عمره. التحق الطفل الموهوب عبد الباسط بكُتّاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يُتلَى بالبيت ليل نهار بكرةً وأصيلاً. لاحظ الشيخ (الأمير) على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملةٍ من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب، ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع. وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت بصوته القوي الجميل متمتعًا بأداءٍ طيبٍ يستوقف كل ذي سمع. يقول الشيخ عبد الباسط في مذكراته: "كانت سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدي من العلماء فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا عليَّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (محمد سليم) ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً، ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر، وقبل التوجه إلى طنطا بيومٍ واحدٍ علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى (أرمنت) ليستقر بها مدرسًا للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به؛ لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن، وكأن القدر قد سَاقَ إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (بأصفون المطاعنة) فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات. فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله، ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع". بعد أن وصل الشيخ عبد الباسط الثانية عشرة من العمر انهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم الذي زكّى الشيخ عبد الباسط في كل مكان يذهب إليه، وشهادة الشيخ سليم كانت محل ثقة الناس جميعاً.