أصوات غير مألوفة، وكلمات اتسمت بحرية الطير، وأعمار حلمت بلحظة عزف تلك الموسيقى، جمهور انطلق بخياله متذوقًا كلمات طالما كانت مرآة لحياته، وتعتمد على إنتاج نوعا مستقلا من الموسيقى المستوحاة من الواقع الحالي، غير متأثر بأي قيد حتى لو كانت تلك القيود أمنية، هذه هي معالم بسيطة لإحدى حفلات فرق "الاندرجروند" في مصر. و"الاندرجروند" كلمة انجليزية تعني بالعربية تحت الأرض، لكونها لا تلقى أي دعم من الدولة، إضافة إلى اضطهادها من قبل السلطة الحاكمة، بحكم ما تقدمه من كلمات حرة توضح ما مدى المعاناة التي يعيشها المواطن بجانب كبير من الجرأة، وبألحان وتوزيعات جديدة غير مألوفة تجذب المستمعين، وتشجعهم على تمردهم على واقعهم بأدائهم الحر، فتميزت أغانيها بالحس الحماسي الذي يدفع الشباب نحو التغيير. إلى هذا النحو، "الاندرجروند" نوعا من الموسيقى كسرت قالب الفنان النجم الذي يلقى الأضواء عليه بشكل مستمر، ليكن بديلًا عنه الفرقة التي تنتج الموسيقى فتجد عازف الجيتار الذي يبدع في العزف، بجواره عازف الكمنجة متألقا في عزفه، بصوت متداخل مع عازف العود، يتوجع بصوت له رنين مختلف، لتصبح النجومية نصيب الفرقة بأكملها وليس فردا بعينه بها، فهي خير مثال على العمل الجماعي المعبر عن منظومة متكاملة الأركان، فيأتي النجاح للجميع وليس لفرد، فيتكرر اسم الفرقة وليس اسم أى فرد بها. البداية في الستينات يقول الدكتور محمود الحلواني الناقد الفني في تصريحات "محيط"، إن فن "الاندرجروند" يرجع تاريخه إلى الستينات في أمريكا، وهو مازال في بدايته في مصر، فلا يوجد سوي تجربتين أو ثلاث على الأكثر، ويعتبر الفن الذي يزيل الإحساس بالعناء عن كاهل الناس ومدى التعب الموجود في حياتهم اليومية، نظرًا لأنه يعبر بصدق عن مشاعر الشباب، ويخاطبهم في أماكن الأكثر تواجدًا مثل محطات المترو، وهذا الفن سيؤثر على الموسيقى بشكل عام لعدم سيطرة المنتجين بهدف الربح، فتعمل هذه الفرق على خلق نوع من الحميمة بين الفنان والجمهور، لذا نرى نوع من الموسيقى مطبوع بهذه العلاقة". ثورة يناير الانطلاقة الحقيقية في مصر جاءت الانطلاقة الحقيقة لتلك الفرق مع قيام ثورة 25 يناير، حيث تفتحت الشوارع التي كانت تغلق في وجوهها في ظل نظام مبارك مرة أخرى ووجد أعضائها أفضل مهرجان لإقامة حفلاتهم في 18 يوما وسط المتظاهرين، ومن وقتها اهتمت فئة كبيرة من الشباب لسماعها، وانتشرت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ، إضافة إلى تزايد عدد متابعيها. وتعود بداية ظهور تلك فرق "الاندرجروند" إلى عام 2004 وربما أقدم من ذلك بقليل، حيث تعتبر فرقة "بلاك تيما" التي تعبر عن صوت النوبيين في مصر أقدمها في مصر، بجانب فرقة "كايروكي" أول فرقة روك موجودة منذ عشر سنوات، و"مسار إجباري" التي كانت معروفة في 2005 باسم "يلا خلاص" وكان مطربها فرنسي، ثم تحولت إلى اسم مسار إجباري في 2006 كتعبير عن الواقع، المتمثل في أن كل شيء إجباري وليس اختياري. عبادة الشيطان بداية المشاكل تأخذ فرق "الاندرجروند" نوعا معينا في الغناء، لتوصيل هدفها الكامن في إظهار رسالتها، فمنها فرق الجاز، والروك، والراب، الفرق العجرية، والميتال، والنوع الأخير منها كثرت الإشاعات عليه لتكن بداية الهجوم عليهم، حيث اتهمت فرق الميتال بأنهم عبده للشيطان، بسبب ما حدث في ساقية الصاوي في 31 أغسطس 2012، وقت إقامة إحدى الحفلات ، حيث قدم أحد أعضاء الحرية والعدالة ويدعى إسماعيل الوشاحي، بلاغا ضد الساقية يتهمها فيه بإقامة حفلات ل "عبدة الشيطان". وتعتبر تهمة "عبدة الشيطان" احد أهم المشاكل التي تواجه فرق الاندرجروند، إضافة إلى وقف بعض الحفلات بسبب تعارض محتواها مع السياسات القائمة، بدايةً من نظام مبارك مرورًا بحكم المجلس العسكري، وصولًا لحكم الإخوان، فطوال تلك الفترات لاقت تلك الفرق جانبا كبيرا من الإهمال من قبل وزارة الثقافة، ونقابة الموسيقيين. وبجانب تلك المشكلات يضيف "دون أكثم" أحد مخرجي الفيديوهات الغنائية ل"محيط"، إن أهم مشاكل فرق "الاندرجروند" هو عدم تقبل فئة من المجتمع لهذا النوع من الفن، بجانب اتجاه الكثيرين لسماع الأغاني العاطفية فقط، وعدم وجود منتجين النوع من الأغاني، مشيرا إلى ان هناك مستقبلا كبيرا لتلك الفرق. ويتفق مع "أكثم" "سيد السويفي"، صاحب موقع باندات، في تصريحات ل "محيط" قائلا: إن أبرز مشكلات فرق "الاندرجروند" عدم وجود ممول أو منتج لهذا النوع من الفن، لذا فالأماكن المخصصة لإقامة البروفات الخاصة بهم غير كثيرة، إضافةً إلى إن استوديوهات تسجيل أغانيه مرتفعة جدًا. ويتوقع "السويفي" ان يشهذ ذلك النوع من الأغاني في الفترة المقبلة صراعا كبيرا، نظرًا لأنه نوع هادف لم يتعود عليه أغلب الشعب، ولما يمثل أهمية كبيرة وأفضلية عن أي نوع أخر، لما يناقشه من قضايا مهمة في المجتمع، خالية من الإسفاف، وصاعدة به إلى درجة من درجات الرقي. وعن دور الدولة تجاه تلك الفرق يقول حاتم مصطفي أحد أعضاء فرقة "هيب هوب" في تصريحات ل "محيط": تمارس علينا ضغوطات كثيرة من قبل الدولة لمنعنا من إقامة الحفلات، ويطلب منا في أوقات كثيرة كارنيهات عضوية نقابة الموسيقيين، ونضطر لإعطاء الموظف "رشوة" حتى لا يتم إلغاء الحفلة. الانضمام لنقابة الموسيقيين أوضح مصطفى أزهري أحد أعضاء فرقة "عشرة غربي" في تصريحات ل "محيط" إن المشكلة مع نقابة الموسيقيين تمكن في اختلاف فرق "الاندرجروند" مع النقابة في أشياء متعلقة بالفن، فمن المعروف أن مطرب "الاندرجروند" وجد لأنه غير راضٍ عن المستوى الفني الموجود على الساحة، ولكن النقابة ليس لديها مشكلة في قيام أحد الأعضاء بطلب عضوية، وللعلم أن نقابة الموسيقيين لا تقدم للفرق أي شيء سوى أنها تتيح للفرق العزف بحرية في أي مكان غير مقيدين بمكان محدد أو ممنوعين من العزف فيه، ونوه إلى أن المناخ الموجود حاليًا مع تصارع الأحداث على الساحة السياسية غير مشجع لصعود. فن "الاندروجروند" في مصر وليس من السهل على عازف "الاندرجروند" الانضمام لعضوية نقابة المسيقيين، حيث إن العضوية الدكتور محمود الحلواني الناقد الفني، إن النقابة تضم من يعملون في فرق موسيقية تحقق دخل مادي، وذلك لأن الفرق تسدد رسوم للنقابة عن مزاولتهم للعمل، أما فرق "الاندرجروند" يكون أغلبها مطوعين غير محققين ربح مادي، علاوة على ذلك أن نشاط فرق "الاندرجروند" غير مسجل في النقابة من الأساس، بمعنى أن شروط الانضمام تضمن موسيقي أو مطرب في صالات أو نوادي، أو بالإذاعة والتليفزيون، وعن نفسي أتوعد بإبلاغ أصدقائي من أعضاء النقابة بالنظر في هذا الموضوع.