كانت احداث ماسبيرو الاخيرة بمثابة الحدث الصاعقة الذي نزل على قلب الوطن وبصرف النظر عن نتيجة التحقيقات سواء كانت لصالح الجيش ام لصالح الاقباط فان الوطن بمسلميه واقباطه في النهاية هو الخاسر لقد تشابكت خيوط هذه القضية واجتاحت الفوضى بعض البيانات التي تلت الاحداث الطائفية المثيلة وسادت في هذه الاوقات مشاعر الفوضى والتعصب وأجواء الاحتقان الطائفي ، ولم نشاهد من بعض وسائل الاعلام الا تراشق لفظي وفكري هنا وهناك
كان ذلك الحدث تعبيرا واقعيا عن المناخ العام في مصر فحالة الاحتقان هذه لها اسبابها العديدة والتي تشير كلها الى ان هذا الحادث لن يكون الاخير ان بقيت الاوضاع على ما هي عليه وعلينا لزاما فك ارتباط هذه المشكلة
فالدولة تعاني من الترهل الشديد والبطء في اتخاذ القرارات وكثرة المشكلات المعقدة الموروثة من النظام السابق الذي كان يحاول القضاء على فشله بالاقتصار على الحلول الامنية وتجاهل طوال الوقت وجود أي احتقان طائفي مما نتج عن ذلك استبعاد كافة الاطر القانونية في معالجة هذا الاحتقان واقتصرت حلوله على جلسات الصلح العرفية والتغني بشعار " يحيا الهلال مع الصليب "
وان كان لا يمكن اعفاء باقي اطراف المجتمع من اسباب هذا الاحتقان فبعض رجال الدين المسيحي متورطين بصورة كبيرة في تكريس الشعور بالاضطهاد لدى الكثير من الاقباط وبالطبع غذى ذلك الشعور تخلي الدولة عن مسؤولياتها ، فنرى من يتحدث عن تمييز ديني يمارس بسبب صعوبة الحصول على تراخيص من اجل تشييد الكنائس وفقا للإجراءات نفسها بالنسبة للمسلمون، وهنا علينا طرح سؤال عن مصير قانون العبادة الموحد والذي من المفترض ان يحدد للمجتمع مدى احتياج أي طرف لتشييد دور عبادة وفقا للكثافة السكانية ؟ ونتاج ذلك الشحن بالطبع كان شعور الكثير من الأقباط أن الإسلام يناصبهم العداء مع ان الاسلام كدين هو الذي يامر ويحث معتنقيه على الاحسان الى المخالفين .
وفي المقابل ايضا نتيجة قصور الدولة عن اداء واجبها وحصيلة ارتفاع الاصوات التي تتحدث عن ضرورة انهاء التمييز تنامى شعور لدى الكثير من الاغلبية المسلمة ان الكنيسة لها كيان منعزل غير خاضع الدولة . اذن اننا امام مؤشرات تؤكد وجود ازمة حقيقة في كيان المجتمع مؤداها الشعور بفقدان الرضا عن الحياة والثقة بالمؤسسات ونتج عن ذلك تحول المجتمع الى كيانات يحاول كل كيان فيها الترويج لشرعية مطالبه وموقفه ، بينما الدور الحقيقي للدولة يظل على المحك حتى يتحقق العدل بين فئات المجتمع، والدولة مطالبة من اجل تحقيق شرعية نظامها السياسي ان تبرهن على قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين وتوفير الامن لجميع الفئات . دعونا من الحديث الدائم عن المؤامرات الخارجية التي تستهدف الوطن وبنيته ولنسعى فعليا لصهر كل الطوائف في بوتقة المجتمع كمواطنين خاضعين لسلطة الدولة دون تمييز للاقلية على الاغلبية ولا للاغلبية على الاقلية ولنؤكد على ان الحكومة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن امن المجتمع وعن تنفيذ السياسات التي من شانها تحقيق ذلك الامن وشعور المواطنين بغياب او تاخر الفعل الحكومي سيؤدي بلا شك الى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة والذي سيؤدي بدوره الى سعي المواطن الى ملء هذا الفراغ عن طريق حفاظه على امنه الشخصي دون مراعاة لحقوق الغير .
نحن في حاجة لفك الاشتباك بين فئات المجتمع ولن يحدث ذلك الا بادراك المواطن والدولة عمق المشكلة والعمل على انهاء تغيير اسلوب حل مشكلات الاحتقان السابقة عن طريق اعتماد المصارحة والشفافية وتفعيل المحاسبة وتعزيز الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة فكل هذا من شانه ان يؤدي الى الترابط بين المواطنين مع اختلاف دياناتهم، لكن حين يكون اداء الدولة باهتا ولا يرقى لطموحات المجتمع ستكون النتيجة ما نراه الان من اضرابات واعتصامات واحتقان طائفي !
ومن الظلم تحميل الحكومة الحالية وحدها مسؤولية ضعف المجتمع، بل يشاطرها في تحمل هذه المسؤولية المجتمع بكل مؤسساته وليتحمل كل طرف تبعات المرحلة حفاظا على الوطن، فالدولة مطلوب منها تحقيق العدل والمساواة وتطبيق القانون على الجميع دون حسابات المكسب والخسارة، وافراد المجتمع عليهم تحمل تبعات بناء دولة جديدة بعد الثورة والكف عن المشاهد المستحدثة على مجتمعنا من شبهة الاعتداء على دور العبادة من جانب واستفزاز مصحوب باستقواء بالغرب من جانب اخر اننا نمر بمرحلة نسعى فيها نحو الاندماج السياسي والاجتماعي داخل كيانات الوطن لا تكريس فكرة الانعزالية .