لم أندهش عندما قرأت خبر استقالة الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء، وزير المالية، من منصبه يوم الثلاثاء الماضي الموافق 11 أكتوبر ورفضها المجلس العسكري، واعتقدت أن سبب استقالته هو سوء الوضع الاقتصادي لمصر في ظل الإضرابات العمالية والمطالبات الفئوية وعجز الموازنة وغيرها من المشاكل الاقتصادية التي قد يعجز عن حلها كثير من الوزراء. لكنني اندهشت عندما سمعت تصريحات دكتور الببلاوي لجميع وسائل الإعلام بأن استقالته ليس له علاقة بالوضع الاقتصادي الحالي، وإنما جاءت لأسباب سياسية، وزاد من اندهاشي أكثر عندما حدد السبب الوحيد لها وهي أحداث ماسبيرو التي وقعت مساء الأحد 9 أكتوبر.
الجميع اعتبر هذه الخطوة من قبل دكتور الببلاوي شجاعة يستحق عليها التحية، ورأوا فيه جرأة الوزير الذي ينتقد مرؤوسيه وإدارتهم للأزمة والمرحلة الانتقالية سياسياً، لكنهم انقسموا في نفس الوقت إلى فريقين؛ الأول طالبه بالاستمرار في منصبه ومواجهة السلبيات التي يراها في أداء الحكومة والمجلس العسكري، والفريق الثاني أيد رحيله عن حكومة لا تستجيب لطلبات الثورة. تعالوا معي نقرأ جزء من تصريحات دكتور الببلاوي لبرنامج العاشرة مساء في نفس اليوم الذي استقال فيه: "اتخضيت" من أحداث ماسبيرو، وشعرت أنها من أخطر النكسات التي تواجه مصر، والحكومة عليها أن تأسف بتقديم استقالتها، لأنها لم تكن على المستوى، فنحن لم نخطئ، ولكننا لم نقم بوظيفتنا المطلوبة"، "الدكتور عصام شرف معذور وعنده اهتمامات وانشغالات كثيرة، وقلما تدخل في المسائل الاقتصادية"، "قدمت استقالتي وسحبها غير وارد". في الحقيقة لا أرى السبب الذي صاغه دكتور الببلاوي الذي دفعه إلى الاستقالة مقنع لي شخصياً وهذه أسبابي: أولا: تأملت كثيراً تصريحات الدكتور الببلاوي رأيته سار على نفس الخط الذي تسير عليه الحركات والائتلافات والنشطاء في الفترة الأخيرة، وحمل المجلس العسكري وحده المسئولية كاملة عن الأحداث ومشاكل المرحلة الانتقالية، وجعل الحكومة منفذه لما يراه المجلس العسكري بقوله "نحن لم نخطئ، ولكننا لم نقم بوظيفتنا المطلوبة"، " الدكتور عصام شرف معذور".
ثانيا: لم يكن السبب الذي ساقه دكتور الببلاوي ودفعه للاستقالة سياسياً مطلقا لأن أحداث ماسبيرو لم تنتج عن مطالب سياسية للأقباط المتظاهرين، بل كانت لأسباب طائفية تندرج تحت المطالب الفئوية.
ثالثا: هناك من الأسباب السياسية الأقوى التي كانت تدعو الدكتور الببلاوي للاستقالة قبل أحداث ماسبيرو، مثل قانون الانتخابات الذي تم تعديله أكثر من مرة والإعلان الدستوري الأخير الذي تم إعلانه بدون استفتاء من الشعب ليلحق بالإعلان الدستوري الأول في سرية تامة، وعدم تحديد مدة انتهاء الفترة الانتقالية، وموعد انتخابات رئيس الجمهورية.
رابعا: لعب الدكتور الببلاوي دور السياسي المعارض وخلع بدلة والوزير في نفس يوم تقديم استقالته التي رفضها المجلس العسكري؛ وظهر على جميع الفضائيات وصرح لجميع وسائل الإعلام بموقفه الرافض للسياسة التي تُدار بها المرحلة الانتقالية، وكرر كثيرا عبارة "قدمت استقالتي وسحبها غير وارد"؛ وهو يعلم أنه ما زال في منصبه.
خامسا: يعلم الدكتور الببلاوي جيدا أن رؤيته للسياسة المفقودة في إدارة المرحلة الانتقالية ستكون مسموعة وهو داخل الحكومة أكثر منها وهو خارجها.
يا سيادة الدكتور الوزير شخص في منصبك، نائب رئيس مجلس وزراء ووزير مالية، أما يكفيه أن يوصل رسالته هذه مرفقه بالاستقالة لذوي الشأن وهي الحكومة والمجلس العسكري؛ وخاصة وأنهم رفضوا استقالتك، ليقولوا لك اطرح لنا ما تراه صحيحا من وجه نظرك، وسوف نعمل بقدر الإمكان على تحقيقه.
الدكتور حازم الببلاوي -أحد مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي- عالم في الاقتصاد السياسي وأكاديمي مخضرم؛ أتمنى أن يخيب ظني ويكون منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية نهاية طموحاته السياسية؛ في وقت الساحة السياسية مفتوحة لجميع التيارات والاحتمالات.
وأدعو الله أن يقي كل مسئول في هذا البلد شر حب الشهرة وأضواء الإعلام، ويبعد عنه آفة المتاجرة بمشاعر الشعب الطيب.