رحل أمس سلطان النحت الطائر الفنان القدير د. عبد الهادي الوشاحي بعد صراع طويل مع المعرض، وعن عمر يناهز 76 عاما، ليترك جرحا غائرا في الساحة التشكيلية المصرية. وسوف تتم الصلاة في دار "الأوبرا" المصرية حيث تقام له جنازة رمزية. كما سيتم الدفن في محافظة الدقهلية. حصل الفنان الوشاحي العام الماضي على جائزة الدولة التقديرية؛ حيث رأى أنه تم تأخيرها كثيرا في إحدى تصريحاته السابقة ل"محيط"؛ لأنه حصل على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1981، لكن الجائزة - كما قال – "سوف تذيدني إصرار، وبالطبع سيكون لها تأثير على تلامذتي الصغار أو الكبار، فهي بمثابة مثال للاستمرارية". كما كان الوشاحي يرى أن تكريم الفنان الحقيقي يكون في وصول أعماله للناس وتأثيرها عليهم، وليست بجائزة تقديرة، فهو لم يسعد بالجائزة لاعتقاده بأن دوره يأتي كأي إنسان في المجتمع يحاول التأثير في الآخر بعمله وطريقة تفكيره والتفاعل معه. وقال الوشاحي في حوار أجرته "محيط" معه العام الماضي بعد حصوله على الجائزة أن: "جائزة الفنان التشكيلي كان يجب أن تكون كالنصب التذكاري، بأن تكون أعمال الفنان ميدانية؛ لأن هذا هو مكانها الطبيعي. وهذا بخلاف أغلب الأعمال النحتية الموجودة في مصر حاليا والتي اعتبرها أعمالا قميئة، وغير فنية، لها تأثير في إرتباك عقل الإنسان المصري". وعن الفن التشكيلي قال: "يختلف الفن التشكيلي عن سائر الفنون الأخرى والآداب من ناحية التلقي؛ حيث أن هناك قصدية من قبل المتلقي لتناول هذه الفنون والآداب؛ فعندما يذهب أشخاص لمشاهدة مسرح أو سينما يشترون تذاكر لدخولهم دور العرض، كما أن قراءة الكتب تستوجب شراءها، إذا هناك قصدية في هذا، لكن تلقي الفن التشكيلي غير قصدي، بمعنى أنه لو يوجد عمل ميداني سيتأمله المارة بجانبه دون أن يدروا فيصب في الوعي؛ حيث يحرضهم العمل على التأمل، وبالتالي على إعمال العقل، وهذا كله يحدث في اللاوعي، ولم يقصده الشخص، وسيكون تأثير العمل عليه بعد ذلك بطريقة غير مباشرة. والنحت بصفة خاصة مكانه الطبيعي في الهواء الطلق، أي في الفراغ العمراني وليست في متحف، فالمتاحف اصبحت كالمكتبات قاصرة على الباحثين". وأضاف الوشاحي رحمه الله في حواره ل"محيط" العام الماضي: "أسباب قلق وتوتر الإنسان المصري يعود بعضها إلى عدم وجود أعمال صرحية فنية حقيقية في الميادين، فالتماثيل الموجودة حاليا تسبب تلوث بصري وإزعاج. وعملية التلقي بالنسبة للأعمال الفنية المتلقاة بطريق غير مباشر لا تعتمد فقط على مرورها على العين، بل ينزل تأثيرها على المراكز العصبية، وهذا لو كان شكل الذي رآه المتلقي جميل أم قبيح، فإنه يترجم إلى حالة من الرضا أو النفور تصاحبها قلق وتوتر. لو لم امارس مهنة النحت كنت سأدخل النار؛ لأن الإبداع نعمة ومنحة من الله للبشر، وأيضا تفوق إنساني يجب المحافظة عليه. كما أن العين يجب تدريبها على رؤية الأشياء الجميلة وهذا دور المبدع". وأرجع الوشاحي سبب عدم إقامته معرضا منذ فترة طويلة إلى أنه غير معني بإقامة المعارض منذ كان طالبا، بل بممارسة النحت لا أكثر ولا أقل، وأن يكون هناك مصداقية بينه وبين إنتاجه الفني. فهو كما قال يعي بألا يكون مراهقا ليقيم معرض كل فترة، فالهدف هو إنتاج عمل فني قوي. وكما جاء في حواره مع "محيط" أنه كان يكتشف أعماله بعد عام أو أثنين أو ثلاثة من إنتاجها، كما أنه عندما يعرض تمثالا لا يعود إليه مرة أخرى لأنه إما يقتنى أو يتم وضعه في متحف. بالإضافة إلى أنه أول تمثال وضع له في متحف الفن الحديث كان وقتها طالبا في السنة الثانية بكلية الفنون الجميلة. ولعبدالهادي الوشاحي مقتنيات في متحف الفن الحديث، المتحف الخربي، متاحف إيطاليا واسبانيا، دار الأوبرا المصرية، مؤسسة الأهرام، وتم تسجيل اسمه في موسوعة "كامبريدج" البريطانية كأحسن نحات دولي لعام 2001. وعبد الهادي الوشاحي ولد في 9 نوفمبر عام 1936 في الدقهلية، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1963، وعين معيدا بقسم النحت في كلية "الفنون الجميلة" بالإسكندرية في نفس العام. ونال درجة الأستاذية من أكاديمية "سان فرناندو" للفنون الجميلة بمدريد عام 1978. شارك في عدد كبير من المعارض الجماعية بمصر منذ عام 1959، كما شارك في عدد كبير من المعارض الدولية الهامة كبينالي "فينسيا" الدولى العام 1980. ومن أعماله الهامة النصب التذكاري للفلاح بفلنسيا في أسبانيا والذي نحته العام 1968، 1969، وتمثال للدكتور طه حسين بخامة "البرونز"، يبلغ طوله ثلاثة أمتار. كما حصل الوشاحي على عدد كبير من الجوائز ضمنهم وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، جائزة الدولة التشجيعية في النحت عام 1981، جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2012، الجائزة الثالثة (نحت) ببينالي الإسكندرية (الجناح المصري) عام 1963، الجائزة الثانية (نحت) ببينالي "أبيثا" الدولى اسبانيا عام 1966 ، الميدالية الذهبية (نحت) في المعرض القومي للفنون - إيطاليا – بتشيزينا عام 1972، جائزة بينالي الرياضة الدولي برشلونة باسبانيا عام 1975 ، وجائزة خاصة للنحت في بينالي "الرياضة الدولي في الفنون الجميلة بمدريد في اسبانيا عام 1977 . وقد تم تكريم الوشاحي عدة مرات في متحف الفن الحديث بالأوبرا، وبعد حصوله العام الماضي على جائزة الدولة التقديرية في أتيلية القاهرة، وجمعية محبي الفنون الجميلة، بالإضافة إلى احتفالات أخرى أقيمت له تقديرا لفنه وإبداعه ومكانته الكبيرة التي تحتل قلوب الساحة التشكيلية المصرية، والتي ستظل بأعماله في وجدان الشعب المصري.