زرت مرتين متتاليتين ميدان "رابعة العدوية"، وأمضيت في كل مرة أكثر من ساعتين متجولا ما بين المنصة، والشوارع الجانبية، حيث تنتشر "الخيم" بشكل غيّر تماما من "هوية المكان".. فلا تكاد تعرفه حتى لو كنت من سكان ضاحية مدينة نصر. الزيارة كانت "مجازفة".. وكثير من أصدقائي وزملائي نصحوني أن لا أفكر في مثلها، خوفا من رد فعل الإخوان، حال رأوني متجولا بين ظهرانيهم في رابعة. النصيحة استندت إلى كتاباتي النقدية للجماعة، ولا أخي قلقي أنا شخصيا، بسبب رسائل "السب والقذف" والشتائم والعنف والتطرف التي ما نفك يستقبلها "إيميلي" الخاص من قراء غالبيتهم ينفي عن نفسه عضويته في الجماعة ولكنه "متعاطف" مع "المشروع الإخواني".. وبعضهم الآخر لا يخفي انتماءه إليها.. بلغت في عنفها حد التهديد المباشر ب"التصفية". ومع ذلك انتصرت لفضولي الصحفي، مدفوعا بالرغبة في الاطلاع على تفاصيل الواقع بنفسي بدون وسطاء.دخلت الميدان من ناحية شارع الطيران، كان مشهد "لدٌشم" و"عسكرة " المدخل.. وانتشار الشباب المسلح بالعصي "الشوم" وبجوارهم أكوام "الزلط" .. يبعث على الخوف.. توقفت أمامهم مترددا.. وهم مشغولون بالاطلاع على هويات كل من يرغب في دخول الميدان .. اقترب مني شاب وسألني ما إذا كنت راغبا في الدخول، متفحصا وجهي، ثم قال بلهجة ودودة : ألست فلان؟! حين تعرف على ذاكرا أسمي بصوت عال لفت انتباه زملاءه من حراس المكان.. قلت في نفسي" ها قد جاءك الموت يا تارك الصلاة. توقعت أن أعامل معاملة سيئة، وأن تطاردني الشتائم وربما الطرد من الميدان قبل أن أدخله، غير أني فوجئت بحفاوة غير متوقعة، مع إصرار من الشباب على أن يصطحبوني إلى الداخل ومرافقتي إلى أن أنهي زيارتي.شكرتهم بلطف.. وطلبت منهم تركي بحريتي. عند المنصة.. كان المشهد مؤثرا إلى حد بعيد.. ولفت انتباهي أعداد النساء والأطفال والصبايا.. حيث يفوق عددهن عدد الرجال.. وهي الملاحظة التي جعلت البعض يتشكك في نوايا الجماعة بشأن وجودهن، بوصفهن "دروعا" لردع الأمن حال قرر فض الاعتصام.. أو للمتاجرة بدماء الضحايا منهن أمام المجتمع الدولي. الوجوه التي قابلتها ليست في غالبيتها "إخوانية".. وقال لي شاب "ملتح" تعرف علي وأنا بجواره: إن أغلب الموجودين من شاب السلفية أو المتعاطفين مع الجماعة القادمين من الأرياف للدفاع عن الإسلام الذي يتعرض ل"مؤامرة" من "السيسي" كما يعتقدون.. وهمس في أذني قائلا.. نحن "خائفون" و"متشككون" لأننا لاحظنا الغياب التدريجي لشاب الإخوان.. فلا تكاد تجد منهم إلا عددا قليلا.. مضيفا: يبدو أنها سحبت رجالها، لشغل الفراغ في الأقاليم.. وتركت لغيرهم ميداني رابعة والنهضة. حصيلة الزيارتين ل"رابعة" بينت لي أن فضه بالقوة كارثة إنسانية حقيقية.. لأن الضحايا ستكون من الأطفال والنساء ومن شباب طيب وبرئ جاء معتقدا بأنه يجاهد في سبيل الله.. فيما بات بحكم المؤكد بان الميدان خال من الإخوان.. ولا يوجد به إلا "ضحايا" الدعاية الإخوانية "السوداء" التي أقنعتهم بأن يوم 3 يوليو كان انقلابا "قبطيا" على الإسلام!.