"في كل صراع أو حرب أهلية في العالم يمكن أن تجد تاجر سلاح إسرائيلياً"، فلا استغراب في ذلك، وإسرائيل باتت دولة عظمى في مجال تصدير السلاح والمتاجرة فيه، الذي يستخدم بعضه في ارتكاب جرائم حرب، وبالتالي أضحت تجارة السلاح التي يقوم بها الإسرائيليون تذكي نيران الحرب الأهلية، فضلاً عما يرتبط بها من تجاوزات، كاعتماد الرشى بغية تيسير صفقات السلاح، وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية. وكشفت معطيات رسمية تعترف بها إسرائيل لأول مرة وجود نحو ثمانية آلاف شركة للتجارة بالأسلحة، تصدر من إسرائيل إلى العالم مختلف أنواع السلاح بترخيص من وزارة الدفاع. وأثير هذا الملف في الوقت الذي أمرت فيه المحكمة المركزية بتل أبيب بالكشف جزئياً عن سجل الصادرات الأمنية الإسرائيلية، في إطار الالتماس الذي قدمه الناشط الحقوقي "إيتاي ماك" مطالباً فيه بالكشف عن هوية تجار السلاح من منطلق احترام قانون سريان المعلومات. تبرير إسرائيلي ويأتي اهتمام إسرائيل بهذه التجارة لكونها تدر أرباحاً هائلة تقدر بسبعة مليارات دولار سنوياً، علاوة على استغلالها لبناء علاقات وصداقات مع دول كثيرة خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لذا؛ يقدر عدد تجار الأسلحة الإسرائيلين بحوالي 6784 تاجراً يعملون في مجال تصدير الأمن والسلاح، إضافة إلى 1006 شركات مختصة بهذا المجال، حسب تقارير رسمية. وهذا ما يفسره حرص القضاء الإسرائيلي على منح وزارة الدفاع الفرصة لتقديم الشروح حول امتناعها عن نشر بعض التفاصيل في هذا المجال، والامتناع عن كشف تفاصيل التراخيص لشركات تصدير السلاح حرصاً على مصالح أمنية وعلى حياة أشخاص. والجدير بالذكر أن تصدير السلاح في إسرائيل يتم بطريقة منظمة من خلال وكلاء الشركات الخاصة ببيع السلاح، بعدما تم الكشف عن التورط في عدة فضائح وحوادث محرجة، لكن أحياناً تتم عمليات بيع بطرق غير قانونية عبر جهات إسرائيلية خاصة، كما حدث في عملية بيع السلاح لأكراد العراق قبل سنوات، وبالتالي أصبحت هذه العمليات تتم بواسطة شركات خاصة، لإعفاء الحكومة من المسئولية عند ارتكاب جرائم بهذه الأسلحة. وفي تحقيق موسع أجرته بعض الصحف الإسرائيلية عام 2010، كشفت عن أن شركات إسرائيلية تبيع السلاح والمعدات الأمنية للكثير من دول العالم، منها إريتريا وأنغولا وإثيوبيا وأوغندا ونيجيريا والسنغال ومالي وموريتانيا وكينيا وغانا وليبريا وتنزانيا وتوغو والكونغو وساحل العاج والكاميرون وموزمبيق وكولومبيا وبيرو وغيرها، وتشمل عمليات التصدير كلاً من السلاح والعتاد، ووسائل اتصال إلكترونية، وأجهزة الرؤية الليلية، والذخائر والصواريخ والمدرعات والمروحيات والألغام، وغيرها من الأسلحة المصنعة محلياً بإسرائيل. تجارة عالمية ويزداد نمو تجارة الأسلحة لارتباطها باقتصاديات الدول الكبري، حيث يقدر حجم تجارة الأسلحة دولياً بحوالي 100 مليار دولار أمريكي في عام 2012 وحده، وذلك بعد أن كان لا يتجاوز 70 مليار دولار قبل بضعة سنوات. ويرتبط مستقبل تلك المعاهدة بموقف الدول الكبرى منها، والتي تحتفظ بفاعليتها من خلال التحكم في صادرات السلاح العالمي (كما ذكرنا) حرصاً على ضمان مكاسبها المادية، حتى وإن كان ذلك على حساب الأرواح وحقوق الإنسان والأمن والسلم الدوليين. وحول نصيب إسرائيل من هذه التجارة العالمية، يشير المحللون والمراقبون العسكريون إلى أن إسرائيل مسئولة عن 10% من تجارة السلاح في العالم، في حين تؤكد مصادر إسرائيلية أن إسرائيل باتت الدولة الرابعة في تجارة السلاح عالمياً، طمعاً في الأرباح المالية رغم عدم أخلاقيتها ومخاطرها. الدور الدولي ومن زاوية أخرى، سادت في الآونة الأخيرة حالة من التهويل والترهيب الدولي بقضية تجارة الأسلحة التقليدية، والتخويف بآثارها الخطيرة على مجال حقوق الإنسان والسلام الدولي. لكن في ظل اعتبارها قضية تاريخية ليست وليدة اللحظة، تلاحقت الدعوات من قبل المجتمع الدولي إلى السعي من أجل الوصول لاتفاقية دولية لتنظيم تجارة الأسلحة بعد تخطي الدول الأعضاء في الأممالمتحدة خلافاتها، والوصول لاتفاق بشأن هذه المعاهدة الرئيسة، في الوقت الذي لا تزال الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تعارض ولو بشكل خفي هذه الاتفاقية بما يضر بنصيبها العالمي من سوق تجارة السلاح العالمية التي تهيمن عليه. وقد يكون إبرام المعاهدة لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية التي لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل، تفعيلاً لعمليات الرقابة والتفتيش على هذه التجارة بين الدول، وهو ما يؤدي إلى تقليص عملية شراء المعدات والأسلحة العسكرية وتقليل عمليات الفساد المرتبطة بها. إلا أنه في النهاية يمكن القول إن تلك المعاهدة، إن لم تراجع بنودها بما يتفق مع اقتصاديات وبرامج الدول النامية التي تكون في الغالب الدافع الوحيد لفاتورة مشتريات السلاح، فإن ذلك من شأنه إرهاق ميزانيات تلك الدول - زيادة على ما تعانيه – بالنفقات الباهظة لمشترياتها من السلاح الذي يخدم فقط الدول الصناعية الكبرى المصدرة لصفقات السلاح، مما يعني صورة جديدة من صور العولمة الرأسمالية العالمية، أو ما يطلق عليها الرأسمالية الأنجلوساكسونية الغربية.