يقول إسلاميون مصريون، إن عزل د. مرسي، كان انتصارا ل"المسيحية" في مصر.. لمجرد وجود البابا تواضروس الثاني، على خلفية المشهد الذي ظهر في صدارته، الفريق عبد الفتاح السيسي، يوم 3/7/2013، معلنا عزل الرئيس السابق. والحال أن بابا الأقباط، لم يكن الوحيد الذي شارك في "تخريجة" العزل، وإنما كان موجودا أيضا، شيخ الأزهر والمحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورؤساء أحزاب إسلامية، وقيادات سياسية كبيرة ومرموقة.. فلم لا يعتبر عزل مرسي انتصارا للأزهر مثلا قياسا على هذا الدليل "الساذج"؟! ثمة مشكلة عبثا تحاول إقناع قطاع من الإسلاميين بها، وهي أن مصر بلد متعدد ومتنوع، وهي في تنوعها، شديدة التعقيد، على النحو الذي يحتاج أحيانا كثيرة، إلى الدخول في التفاصيل مهما كانت بسيطة. فالعلمانية المصرية ليست واحدة، منها الجزئي والشامل والبنيوي كما فصلها الراحل الكبير د. عبد الوهاب المسيري.. واليسار المصري كذلك، ليس واحدا، كما تتعدد وتتنوع الليبرالية المصرية إلى مدارس متباينة، وقس على ذلك الإسلاميين، فهم ليسوا كتلة واحدة، والإخوان يختلفون تماما عن السلفية وعن الجهاد والجماعة الإسلامية، وداخل كل تيار منها، تصنيفات وفصائل وأجنحة متباينة.. وكذلك الأقباط المسيحيون ليسوا على ملة واحدة، إذ يتوزعون على قرابة أربعين ملة تتفرع من أصل سبع طوائف عقدية وطائفية. ومن الأخطاء التي لم يتداركها الإسلاميون، أنهم اعتبروا الرئيس السابق محمد مرسي، رئيسا "حصريا" للإسلاميين وحسب، فيما كان الإخوان يتعاطون معه بوصفه رئيس الجماعة وحدها!.. ولعل ذلك ما أدى خلال أقل من عام إلى انقسام مصر، انقساما حادا بين إسلاميين لهم رئيس "إسلامي".. وإلى "أغيار" من بقية المذاهب والمدارس السياسية والدينية الأخرى لا رئيس لهم. وفي هذا السياق، فإن الأصول الأيديولوجية للمتظاهرين في "رابعة العدوية"، تؤكد استقرار هذه "القسمة" في الضمير العام للتيارات الإسلامية.. فهم هناك ليس دفاعا عن "رئيس المصريين" وإنما عن "رئيس الإسلاميين" الذي أطاح به "الأغيار" من السلطة. عقيدة التصنيف السياسي، عند الإسلاميين، عادة ما تورطهم في أزمات، تخصم من ثقة المجتمع الدولي والعالم وقطاع ليس بالقليل من المصريين، فيما إذا كانوا "أمناء" على التنوع الذي يتسم به المجتمع المصري، إذ تظل "الكنيسة" على سبيل المثال، في نظر الإسلاميين، مؤسسة غير وطنية، انطلاقا من رؤيتهم الخاصة ل"حق المواطنة" بوصفه حقا من حقوق "الإخوة" في الدين فقط.. وفي أحيان أخرى من حقوق "الإخوة في التنظيم" وحسب.. ولعل ذلك ما يفسر عداء وكراهية غالبية الإسلاميين لمؤسسة الأزهر. هذه "التشوه" في تصورات الإسلاميين، يجري في أحيان كثيرة، استثماره من أجل تحقيق مكاسب حزبية وتنظيمية آنية بغض النظر عن تكلفتها السياسية الباهظة،حدث ذلك على سبيل المثال وبشكل غير مسبوق، في التصويت على الدستور المؤقت في 30 مارس عام 2011، حين اعتبر الإسلاميون التصويت عليه ب"نعم" انتصارا على المسيحية المصرية التي تريد شطب مواد الشريعة منه.. ووظف أيضا بانتهازية رخيصة جدا، للإساءة إلى الحراك الجماهيري الواسع الذي أثمر ثورة 30 يونيو 2013، بوصفه حركة قبطية ضد الرئيس الإسلامي. ولذا فإنه يتعين على الإسلاميين،أن يعوا بأن الكنيسة شاركت في وضع "خارطة المستقبل" يوم 3/7/2013، بوصفها مؤسسة وطنية مثلها مثل الأزهر.. لها حق إبداء الرأي في رئيس مصر، بغض النظر ما إذا كان إسلاميا أم علمانيا.