شهد قطاع التعليم في الوطن العربي خلال السنوات الماضية تغييرات جذرية تمثلت في تزايد دور الأبعاد التجارية، وتغيير الطبيعة الاجتماعية والتنموية للتعليم، وتراجع دوره بشكل كبير، ولا سيما مع التزاوج بين العولمة والنيوليبرالية التي مدت أذرعها لتتحكم في مختلف القطاعات الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية. وعند الحديث على مظاهر انهيار التعليم في العالم العربي، تبرز ظاهرة تنامي العنف الطلابي في الجامعات العربية، خاصة طلبة الجامعات، إحدى الفئات الاجتماعية التي انخرطت في ارتكاب بعض عمليات العنف السياسي - بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة - في عدد من الدول العربية، خاصة مصر والسودان واليمن والجزائر والمغرب وتونس والأردن والعراق. وظاهرة العنف بين الطلاب ليست بجديدة، إذ عرفتها هذه الدول في سنوات ماضية وكانت بشكل مختلف عما عليه اليوم ، حيث ارتبطت بمطالب فئوية خاصة تهم الطلبة كشريحة اجتماعية، مثل تلك المتعلقة بنظم التعليم والمقررات والمصروفات الدراسية ومواعيد الامتحانات. وكانت المطالب السياسية العامة التي ترتبط بتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والاحتجاج على الممارسات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، هي أقصى ما يمكن أن تصل إليه. ولكن مع الموجة الراهنة التي اتسمت بتوازي المطالب العامة والخاصة في آن واحد، وتأثرها بحالة الاستقطاب السياسي بين التيارات الموجودة في السلطة ونظيرتها المناوئة لها، ظهر العنف الطلابي بصورة فظيعة أقرب ما يكون إلى حالة "الغضب المزدوج"؛ الأمر الذي يبعث معه برسائل خطيرة تهدد مستقبل الجامعات والتعليم في العالم العربي. مؤشرات العنف ولعل معدلات العنف والاشتباكات الطلابية التي حدثت في مختلف الدول العربية خير المؤشرات الدالة على ذلك، ففي الأردن على سبيل الذكر سجل التقرير السنوي للحملة الوطنية لحقوق الطلاب، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الاشتباكات داخل الجامعات الأردنية، ليصل إلى 80 اشتباكًا عام 2012 مقارنة ب60 اشتباكًا عام 2011. هكذا كان الحال في الأردن، أما عن مصر فكان الحال أسوأ مما سبق، حيث شهد عقب قيام الثورة المصرية عام 2011 عددًا كبيرًا من الاشتباكات في العديد من الجامعات المصرية، على رأسها عين شمس والقاهرةوالمنصورةوسوهاج والأزهر وجامعة مصر الدولية وغيرها، كان أبرزها الاشتباكات التي وقعت في جامعة عين شمس بين أعضاء أسرة تسمى "نيو فيجن" وعدد من الطلاب الآخرين أسفرت عن إصابة 3 طلاب، وأدت إلى إغلاق الجامعة لعدة أيام. وعن السودان، فقد شهدت معظم الجامعات السودانية عمليات عنف عديدة، خاصة جامعة الخرطوم والجزيرة والنيلين ونيالا، وهو ما تكرر أيضًا في الأردن، حيث طالت الاشتباكات جامعة الملك حسين بن طلال في معان واليرموك ومؤتة. ومن ثم يتخوف المراقبون والمتابعون للشأن التعليمي - أكثر فأكثر - على مستقبل التعليم العربي، ولا سيما مع التطور النوعي للأدوات المستخدمة للعنف، حيث تم اللجوء في بعض الحالات إلى الأسلحة البيضاء والأعيرة النارية، وهو ما بدا جليًّا في الاشتباكات التي وقعت بجامعة المنصورة المصرية، في أبريل الماضي، على إثر خلافات نشبت بين مسيرتين إحداهما مؤيدة للتيار اليساري والأخرى تابعة لحزب الحرية والعدالة "الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين"، ما أسفر عن وقوع عدد من الجرحى. وليس هذا فحسب بل تعددت أطراف العنف، فخلافًا للنمط التقليدي لأعمال العنف بين الطلاب والأمن، فقد تعدد أطراف العنف، وانقسموا إلى ثلاثة مستويات: أولها، العنف بين الطلاب وبعضهم بعضًا، وثانيها، العنف بين الطلاب وإدارة الجامعة، وهو ما حدث في جامعة صنعاء اليمنية، حينما قام مجموعة من الطلاب باحتجاز أعضاء مجلس الجامعة لساعات في مقر رئاسة الجامعة لرفضهم تأجيل موعد الامتحانات، وثالثها، الاشتباكات بين الطلاب وقوات الأمن، وهو ما حدث في جامعة عين شمس، بعد رفض الأمن دخول العشرات من طلاب حركة "6 أبريل" وحزب "مصر القوية" للحشد لمسيرة "حق الطالب فين" التي اتجهت إلى جامعة القاهرة، ثم مجلس الوزراء. بيئة حاضنة وإذا ما بحثنا عن الأسباب التي أدت إلى تنامي ظاهرة العنف الطلابي، فنجد أنها تعود إلى عدة عوامل داخلية تتعلق بظروف الجامعة وأوضاع الطلاب، وأخرى خارجية ترتبط بالأجواء العامة المشحونة بالاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يسود الدول العربية. فمثلت حالة الاختلاف والاستقطاب السياسي في دول المنطقة أحد أبرز أسباب العنف بين طلاب الجامعات، وهذا على الصعيد الخارجي؛ إذ تكررت العديد من الاشتباكات نتيجة الخلافات السياسية، فقد شهدت جامعة سوهاج المصرية، قبيل الثورة، اشتباكات بين طلاب تابعين لجماعة الإخوان المسلمين وطلاب من أنصار رئيس حزب "مصر القوية" الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح خلال مشاركة الأخير في ندوة، حيث اتهم طلابُ الإخوان أبا الفتوح بأنه اختزل تاريخه في 9 شهور، ووقف خلف المعارضة، ومحا تاريخه النضالي مع الجماعة. كما لعبت الانتماءات القومية دوراً كبير في تأجيج العنف الجامعي، وهو ما يبدو جلياً في الاشتباكات التي شهدتها جامعة كركوك العراقية، بين طلاب تركمان وآخرين أكراد على خلفية رفع علم إقليم كردستان، وعدم السماح برفع علم الجبهة التركمانية. وعلى الصعيد البيئة الداخلية، فيعاني الطلاب من سوء الخدمات التعليمية وسوء المنظومة القانونية الحاكمة للعملية التعليمية، وتدني مستوى الخدمات المقدمة للطلاب في المدن الجامعية، ولعل التظاهرات التي قام بها طلاب جامعة الأزهر احتجاجًا على تعرض بعض الطلاب في المدينة الجامعية لحالات تسمم مرتين، خير النماذج الدالة على ذلك. سيناريوهات محتملة وفى معرض الحديث عن مستقبل ظاهرة العنف الطلابي، فهي تتأرجح بين ثلاثة سيناريوهات رئيسة: أولها، التهدئة الضعيفة، من خلال تبني حلول مؤقتة؛ وذلك لتحجيم السلوك العنيف داخل الجامعات العربية، غير أن هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً هو الآخر، وخاصة في ظل الصعوبات المتمثلة في تزايد ونمو نشاط الحركة الطلابية داخل الجامعات، مع انضمام وامتداد مختلف الأسر الطلابية داخل الجامعات العربية لأحزاب وقوى سياسية متناثرة، لكل منها أجندته الخاصة التي يسعى إلى تنفيذها مهما كانت النتائج. وينطوي ثاني هذه السيناريوهات، في الانحسار الشامل بمعنى أن لا تتفاقم تلك الظاهرة أكثر مما ينبغي ، إلا أنه سيناريو بعيد إلى حدٍّ ما، لا سيما مع غياب الحلول الجذرية للمشكلات التي يعاني منها الطلاب، واستمرار حالة الاحتقان السياسي والطائفي في البلدان العربية وخاصة الثورية. وأخيراً، يظهر التفاقم والانتشار، وهو ما يعني تجاوز العنف الطلابي حيز الجامعة، وهو السيناريو الذي بدأت إرهاصاته في الحالتين الأردنية والمصرية، إذ تحولت الاشتباكات بين الطلاب المنتمين للتيار الاسلامي والليبرالي المصري - على سبيل المثال - خارج أسوار الجامعة بشكل يفسد العلاقة الطبيعية بين الطلاب وبعضهم البعض.