يعيش الشعب الأردني حالة من الاستياء والصدمة ، نتيجة مقتل أربعة أشخاص وجرح العشرات بالرصاص خلال مشاجرة دامية في جامعة الحسين بن طلال في مدينة «معان» يوم الاثنين. مما جعل قوات مكافحة الشغب الأردنية تقتحم الجامعة من أجل السيطرة على أعمال العنف، ووقف نزيف الدم، حيث تم استخدام الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء في الأحداث. وتوسَّعت الاشتباكات العشائرية لتمتد إلى العديد من المناطق خارج أسوار الجامعة، حيث أشعل مشاركون في الأحداث إطارات في الطرق المؤدية إلى مدينة معان، في محاولة على ما يبدو لعرقلة وصول قوات الأمن إلى المناطق الملتهبة. عنف متزايد وذكرت إحصائيات رسمية حديثة صادرة عن الحملة الأردنية لحقوق الطلبة، إن عدد المشاجرات في الجامعات الأردنية شهد ارتفاعاً كبيراً في الآونة الأخيرة، حيث شهدت الجامعات الأردنية 31 مشاجرة في عام 2010، ليرتفع هذا الرقم إلى 60 مشاجرة في 2011، بينما وصلت المشاجرات في العام الماضي إلى 80 مشاجرة. ويحمل مسئولون باتحادات طلابية بالجامعات التدخلات الأمنية لاسيما من جهاز المخابرات المسؤولية الأولى عن تردي الأوضاع بالجامعات، لاسيما مع انتشار مكاتب الأمن التي تضيق على النشطاء الطلابيين دون أن تحرك ساكنا ضد مثيري الشغب الذين يلقى العديد منهم تساهلا في إيقاع العقوبات بحقهم. وأرجع خبراء ومحللون سياسيون سبب ظاهرة العنف التي اجتاحت الجامعات الأردنية إلى الانتماءات السياسية والتعصب لها، بالإضافة إلى التعصب القبلي والفئوي،و الصراعات على انتخابات مجالس الطلبة والأندية الطلابية، وما يزيد الأمور تعقيد تدخل تيارات فكرية وسياسية من خارج الجامعة . نزاعات عشائرية وعلى جانب أخر تسجل جامعات الأردن السبع والعشرين سنويا ما معدله أربعون مشاجرة، وما أن تهدأ الأمور في هذه الجامعة حتى تتحرك في تلك، ما حدا بوزير الداخلية حسين المجالي إلى التعهد بأن يقوم الأمن العام بحماية الجامعات إذا عجز الأمن الجامعي عن القيام بوظيفته. ولا يكاد يمر شهر دون أن يشهد أحداث عنف دامية، تتطوّر إلى نزاعات عشائرية وتأخذ أبعاداً أمنية واجتماعية، وهو ما حدث قبل أقل من شهر في جامعة مؤتة في الكرك، عندما انتهت الانتخابات الطلابية بمقتل أحد الطلاب وإصابة العشرات وبتوتر عشائري ما تزال تداعياته قائمة إلى الآن. وحاول كثيرون تفسير نمو ظاهرة العنف الجامعي في الأردن، فمنهم من عزاها إلى معايير القبول في الجامعات، وآخرون رأوا فيها انعكاسا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. وفي هذا الصدد يقول عميد كلية الأميرة رحمة في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي إن عدد الطلبة المهددين بالفصل بسبب الإنذارات الأكاديمية زاد بنسبة 10 بالمائة، ولذلك يجب العمل على حل مشاكلهم حيث يلجأ الكثير منهم إلى افتعال مشاجرات أو المشاركة فيها لتغطية عجزهم الأكاديمي. وشدد الخزاعي على ضرورة تفعيل قانون حيازة الأسلحة خاصة بعد انتشارها في صفوف الطلبة في الآونة الأخيرة. وبين الرأي هذا وذاك، يتفق الجميع على أن غياب قيم المواطنة والانتماء وثقافة التسامح في نفوس الطلبة السبب الرئيس للعنف الذي لا يتوقف. مخاوف وإدانات أثارت حادث مدينة «معان»، موجة من ردود الفعل الغاضبة في الأوساط الشعبية، بينما بدت ردود الفعل الرسمية اعتيادية وغير استثنائية رغم الحادث الاستثنائي بحجمه. وحمَّل نشطاء طلابيون الحكومةَ في الأردن المسؤوليةَ عما يجري في الجامعات من أحداث عنف، بما فيها أحداث جامعة الحسين بن طلال الأخيرة، حيث قال المنسِّق العام للحملة الوطنية الأردنية من أجل حقوق الطلبة الدكتور فاخر دعاس إن "الحكومة تتحمل المسؤولية الأخلاقية عن انتشار ظاهرة العنف الجامعي". مشيراً إلى أن "سياسة النعامة التي اتبعتها الحكومة كان لها الدور الأبرز في تحوُّل هذه الظاهرة إلى كارثة أدت إلى فقدان أربعة من خيرة شباب هذا الوطن في جامعة الحسين وقبلها طالبين في جامعة مؤتة". كما حمل حزب الجبهة الأردنية الموحدة عنف الجامعات، إلى الشريحة الفاسدة التي ما زالت تنتقل من موقع إلى أخر، وبعضها فار من وجه العدالة. وحذر الحزب في بيان له من انتقال موجة العنف إلى المدن والقرى ، خاصة الأغوار ، التي تعيش التهميش والفقر . ونحو هذا الصدد قال الدكتور حسين الخزاعي إن ما شهدته جامعة الحسين تجاوز الحدود المألوفة خاصة وأن المشاجرة امتدت خارج الجامعة ما قد يؤدي إلى توسع رقعتها خلال الأيام القادمة. وأضاف الخزاعي أن الأهالي يواجهون الخطأ بالخطأ من خلال تدخلهم مباشرة بالمشكلة، والأصل أن يتم حثهم على العودة إلى إدارة الجامعة لحل مثل هذه المشاكل. وبدوره وأعتبر المنسق العام لحملة «ذبحتونا» الأردنية الدكتور فاخر دعاس أن السبب الرئيسي لتصاعد العنف بالجامعات الأردنية هو غياب الوعي الطلابي. وقال للجزيرة نت "حجم العنف في الجامعات بات كبيرا وخطيرا جدا بعد أن جرى استخدام السلاح القاتل فيه من أسلحة نارية وبيضاء". وحمل دعاس الجهات الرسمية المسؤولية الأولى عما يحدث بالجامعات بسبب قوانين الصوت الواحد التي مزقت المجتمع بالانتخابات البرلمانية والطلابية، وأعادت المجتمع الأردني للانتماءات البدائية. وعبر عن أسفه لخضوع إدارات الجامعات للضغوط والعفو عن مرتكبي جرائم العنف الجامعي، وقال "في حالات كثيرة التزمت إدارة الجامعات بصكوك الصلح العشائري التي تتم خارج الجامعات وهو ما يشجع الطلاب على تكرار ما يقومون به من أفعال". ويبقى العنف الجامعي في الأردن ظاهرة تبحث عن من يلجمها ويحمي المجتمع من عواقبها الوخيمة، التي ربما تحصد قتلى من الطلاب وعداءات وخلافات عشائرية جديدة.