حتى كتابة هذه السطور، لم نعرف على وجه الدقة، عدد الضحايا الذين سقطوا، أمام الحرس الجمهوري فجر اليوم 8/7/2013.الجماعة قالت إن 52 من المتظاهرين قضوا، وأصيب مئتان آخرون، والجيش يتحدث أيضا عن مقتل ضابط وإصابة العشرات من جنوده. الجيش قال إن "مسلحين" حاولوا اقتحام منشأة عسكرية، يعتقد بأن الرئيس السابق د. محمد مرسي، محتجز بها، والجماعة تؤكد بأن الاعتصام كان سلميا. وخلاصة القول، هنا، أن مصريين قتلوا في مواجهات مسلحة، غير أن ثمة فارقا، لا يمكن بحال أن يستبعد، ليس فقط لخدمة التحقيقات التي من المفترض أنها جارية الآن، وإنما خدمة لتصحيح المسار الحقوقي والإنساني في مصر.أحد الطرفين كان مدنيا، والطرف الآخر، كان عسكريا رسميا، ومن واجب الأخير على المستويين القانوني والأخلاقي، حماية الأول، أو على أقل تقدير، كف أذاه، إذا وجد، وبأقل قدر من الخسائر. أعرف أن الاعتداء على المنشآت العسكرية، دونه الموت، غير أن الوضع الأخير في مصر، لم يكن محكوما بالمباغتة، التي قد تربك أفراد الحراسة، وما يترتب عليها من أخطاء وتجاوزات والإخلال بقواعد التأمين القانوني والدفاع المنظم.. وإنما كانت مواجهة معروفة ومعلنة، وأمام مقر الحرس الجمهوري، الذي شهد مذبحة اليوم.. فلم كان هذا التعاطي العشوائي، مع شباب وشيوخ وأطفال ونساء، تظاهروا وهم واثقون بأنهم "آمنون" تحت مظلة المؤسسة الوطنية الأكبر والأهم في مصر كلها؟! أعرف أن عمليات الحشد والتحريض على العنف، لم تتوقف، من قادة حركيين، داخل الطرف الغاضب من عزل الرئيس السابق، وهي حقيقة، لا تبرر أبدا ما حدث، لأن منع الجريمة قبل وقوعها، هو مسؤولية السلطات الأمنية .. فهل استنفذت كل وسائل منع الجريمة، ولم يبق إلا الضرب في سويداء القلب؟!الأجهزة الأمنية والنشطاء السياسيون، يعرفون بالاسم "صقور" الجماعة والقوى المؤيدة لها.. وبعضها لم يخف قناعته بمقايضة شرعية مرسي بالدم، وهم في مجملهم وصفوا ب"أمراء الحرب".. ولا أعرف ما إذا كانت السلطات الرسمية اتخذت بشأنهم إجراءات وقائية، لحماية الحشود البريئة والنبيلة من عوام الإسلاميين الطيبين، من الاستغلال السياسي لصالح أثرياء الدم.. أيا كانت هويتهم السياسية والأيديولوجية. لا يمكن بحال إغفال المسؤولية السياسية، لبعض قادة الإخوان والجماعة الإسلامية الذين تحدثوا عشية المذبحة أمام "رابعة العدوية"، بلغة شديدة التطرف والعدوانية إزاء المؤسسة العسكرية، وهي الرسالة التي تلقتها الحشود الغاضبة، بمعنى الاحتكام إلى "الدم" لاسترداد المقعد الرئاسي. وأيا ما كان الأمر، فإننا لا نتحدث عن مواجهة غير متكافئة.. ولكن نتكلم عن الجانب الإنساني والأخلاقي من جهة وعن مسؤولية الدولة، عن حماية أبنائها أيا كانت درجة غضبهم وعنفهم من جهة أخرى.لا تحدثونا عن "البلطجية" وعن "الإرهابيين".. فالمذبحة أكبر من أن يبلعها أحد، وأخطر من أن تمر، بدون أن يطلع الرأي العام عن تفاصيلها، وتحديد الجاني أيا كانت منزلته التنظيمية أو السياسية أو رتبته الأمنية. المذبحة.. لم تنحر فقط العشرات من الشباب الغض والبسيط والعفوي.. وإنما ذبحت المصالحة الوطنية ووضعت السلام الداخلي، على أول الطريق المؤدي إلى وضع .. لن يتعافى منه بسهولة.. وتحتاج الآن إلى الحكمة وإلى العقلاء، من الجانبين.. وإلى من ينصح الإسلاميين بعدم التظاهر بالقرب من المنشآت العسكرية، أو الانصراف من الميادين والدخول في اللعبة السياسية.. فالأرض كما يقول السلف لا تدار بالحق وحده.