من بين الأسباب التي عجلت، بخروج الإخوان المبكر من الحكم، هو حسها السياسي الذي لايزال مرواحا مكانه، بالمنطقة التي ينعدم عندها، الوعي بالفارق بين "الحق" والتعسف في استخدام الحق.لقد تعاطت الجماعة مع نتائج الصندوق، بوصفه أداة بطش، يستخدم لقمع المعارضة، وعلى النحو الذي أحال الصندوق، في الوعي العام الإخواني، إلى "وثن" أو "صنم" يعبد، ويحل لها ذبح المعارضين على عتباته المقدسة. الجماعة طالبت القوى السياسية إلى الاحتكام إلى الصندوق وليس إلى الشارع، فيما كانت هي التي تحتكم إلى الشارع بالحشود المليونية أمام ميدان رابعة العدوية.. فكيف يستقيم الإصرار على الاحتكام إلى الصندوق.. فيما تبادر هي إلى استدرار رأي الشارع في شرعية الرئيس؟!الإسلاميون المؤيدون ل مرسي، رأوا بلا وعي أن حشودهم في الشوارع، هي "تجديد" الثقة الجماهيرية في شرعيته.. فلم انتقدوا المعارضة، حين احتكمت إلى الشارع أيضا، وإلى الميادين لقياس شرعية الرئيس؟! كان ثمة اعتراف ضمني داخل الضمير السياسي الإسلامي، بأن التطورات المتسارعة في مصر، تجاوزت نتائج الصندوق.. وأنه بات من المفيد بالنسبة لها، العودة إلى الشعب مجددا، وهو الوعي المتطابق مع خصومها السياسيين، وكان من المفترض، أن يترجم هذا الوعي، إلى سلسلة من الاجراءات الديمقراطية وعبر الصندوق أيضا، باجراء انتخابات رئاسية مبكرة.غير أن المشكلة، كانت تتعلق بمجموعة "الأساطير" التي ظلت لسنوات طويلة، تتكلم عن الأوزان النسبية للقوى الوطنية، بوصف الإسلاميين القوة الأكبر والأكثر تنظيما وقدرة على الحشد .. وأن أي حراك في الشارع، لا مستقبل ولا تأثير له ، ما لم يكن الإسلاميون في مقدمة القوى المحركة له، حتى بات من الخرافات "المتوهمة" أنه لولا الإخوان ما انتصرت ثورة يناير، وما استطاعت القوى الأخرى إلا حشد بضع آلاف من المحتجين. ولعل هذا الاستقواء بالتنظيم، هو الذي حمل الإخوان على الهروب من الاحتكام إلى الصندوق مجددا، عبر اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، خوفا من نتائج غير مضمونة.. وفضلوا عليها الخروج إلى الشوارع، استنادا إلى أنهم القوة الأكثر قدرة على سوق عشرات الألاف من الأتباع إلى حيث يريد مكتب الإرشاد.. فهي ترى أن الانتصار في "جبهة الصورة".. هو الأكثر ضمانة من جبهة الصندوق، بعد تراجع شعبيتهم وتآكلها بشكل متسارع.كلام الإخوان عن شرعية الصندوق إذن هو نوع من التحايل، على استحقاقات التآكل التدريجي لتلك الشرعية منذ 21 نوفمبر عام 2012.. فهم يقاتلون دون تلك الشرعية "المستنزفة" لقلقهم من فقدانها، حال قبلوا بالعودة إلى الصندوق مجددا والاحتكام إليه، كحل للخروج من الأزمة السياسية الطاحنة. كان فعلا منطق الأشياء يقول إنه لا يمكن بحال، أن تستقر الجماعة في الحكم، إلى أن يُكمل الرئيس مدته، وكل المقاربات الرصينة توقعت خروجها المبكر من السلطة، حين أحالت نتائج الصندوق، إلى أداة بطش وتنكيل وإقصاء، وجعلت من الرئيس"إلها" يقبض ويبسط.. يحي ويميت.. يقرب من يشاء ويقصي من يريد.. ولا معقب لحكمه.. فكلامه "وحي".. وأفكاره "نبوءة".. فانتهى به الحال إلى ما نراه الأن.. "مخلوعا" من شعبه بعد عام واحد فقط، من وجوده في السلطة.