لعبة الشوارع.. أي الاحتكام إلى الشارع، لعبة "خطرة".. بدأتها الكنيسة في عهد بابا الأقباط القوي الراحل شنودة.. وخسرت كاتدرائية العباسية النتيجة، لأن الرهان على الشارع "المجرد" بدون سند من الشرعية، عادة ما يفضى إلى هزائم سياسية. القوى السياسية المدنية، اختارت لعبة الشوارع، ضد الإسلاميين، يومي 4،5 ديسمبر 2012 أمام الإتحادية.. إلا أنها خسرت، وخرج الإسلاميون منتصرين في "لعبة الشوارع".. لأن الطرف الأول، رغم أنه حرك الملايين، إلا أنه لم تكن له "قضية عادلة" أمام "الشرعية البكر" التي جاءت بالصندوق، ولم تعط الوقت الكافي آنذاك لنطالبها ب"جردة حساب". والحال أن وعي مؤسسة الرئاسة ب"الشرعية" كان ولايزال مشوها وأحالها بمضي الوقت، إلى عبء حقيقي، على التحول الديمقراطي، والانتقال من مرحلة "الثورة" إلى مرحلة "الدولة".. إذ تعاطت الرئاسة مع نتائج الصندوق، بوصفها "تفويضا" مفتوحا بلا أسقف، يعطيها الحق المطلق، في الاستفراد بالسلطة، واقصاء وتهميش "شركاء" النضال الوطني. بعد عام من وصول الرئيس مرسي، إلى الحكم، بدأت تتشكل "شرعيات" أخرى، في مواجهة شرعية الصندوق، وتتجاوزها وتجعلها الشرعية الأضعف.. مثل "شرعية التوافق" و"شرعية الإنجازات"، وهما الشرعيتان الغائبتان حتى الآن، وأفضى غيابهما إلى انقسام المجتمع المصري، إلى "إسلاميين" يعترفون بمرسي "رئيسا شرعيا".. وتيار مدني واسع لا يعترف بشرعيته، ويعتبره "رئيسا سابقا".. فيما بات رصيد النظام خاليا من أي إنجاز حقيقي، ولو كان متواضعا على الأرض، بلغ حد التساؤل بشأن قدرته على إدارة الدولة، فيما يفشل في إدارة "محطات الوقود". الشارع في بداية حكم مرسي كان ملكا للإسلاميين، ليس بوصفهم القوى الأكبر والأكثر تنظيما.. وإنما لأن "الشرعية" في ذلك الوقت كانت ندية وغضة ومحفوظة بلفافة "سوليفان" الإبهار ووهج الميادين والشوارع لحظة إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.. وهي بذلك وفرت "الغطاء الأخلاقي" لأي حشود إسلامية دفاعا عنها. غير أن تآكل شرعية الصندوق، بسبب غياب الإنجازات والتوافق وانقسام المجتمع المصري، نقل مراكز الثقل التنظيمية القادرة على امتلاك الشارع، من الإسلاميين إلى القوى المدنية المعارضة، إذ لم يعد للتيار الإسلامي أية قضية عادلة، إلا الدفاع عن الرئيس، بزعم حماية "المشروع الإسلامي".. فيما لا يشغل الشارع إلا "المشروع الإنساني".. أي البحث عن رئيس يوفر له الأمن والتعليم الجيد، والعلاج المناسب، ورغيف الخبز الخالي من المسامير، وكوب ماء نقي.. وفرص عمل لملايين العاطلين في الشوارع. تيارات إسلامية تهدد هذه الأيام بالنزول إلى الشارع يوم 30 يونيو الحالي، للدفاع عن "الرئيس".. معتقدة بأنها "سيدة" الشارع حتى الآن.. فيما بات الأخير طوع يد القوى المدنية، حيث التقت أحلام الشارع وأشواقه هذه الأيام، مع "مصالح" تلك القوى، وعلى رأسها البحث عن "البديل المنقذ"، من خلال الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. ولعل ما حدث مساء أمس 11/6/2013، أمام وزارة الثقافة، كان بروفة يمكن من خلالها استشراف مستقبل البلد في اليوم التالي من 30 يونيو، حيث هُزمت حشود إسلامية ضخمة، أمام تجمعات بسيطة ممن يدعون ب"المثقفين"، في رسالة تفيد بأن الإسلاميين "بلا قضية" بعد أن خسروا تجربة الرئاسة والحكم، فخسروا الشارع والحاضر.. والمستقبل أيضا.