بعد معاناة دامت لأكثر من عقدين، قرر مجلس الأمن الدولي إخراج العراق من الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة، بما يقضي بتخفيف الإجراءات العقابية التي فرضها على العراق إثر غزوه الكويت عام 1990 في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، مما يمثل خطوة أساسية لإنهاء العقوبات التي ظلت البلاد خاضعة لها لأكثر من عقدين. وفي قرار تبناه بإجماع أعضائه ال15، رفع مجلس الأمن التهديد بفرض عقوبات على بغداد أو اللجوء إلى القوة العسكرية بحقها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، فيما يتصل بموضوعين خلافيين بين الكويت والعراق، هما فقدان 600 مواطن كويتي إثر الغزو وخسارة الأرشيف والممتلكات الوطنية الكويتية، التي ينبغي أن يتم التعامل معها وفق الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يدعو إلى حل النزاعات بين الدول سلمياً، بدلاً من الفصل السابع الذي يسمح لمجلس الأمن إجازة إجراءات عقابية تترواح من العقوبات الاقتصادية إلى التدخل العسكري، إذا لم تستجب الدولة المعنية لمطالب المجلس. وتعد تلك الخطوة بمثابة دعم سياسي مهم لبغداد التي تكافح من أجل استعادة مكانتها الدولية، بعد عقد من الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للإطاحة بالرئيس العراقي السابق "صدام حسين"، وأكثر من عقدين على بدء الحصار والعقوبات الاقتصادية، فلا تزال الأممالمتحدة تفرض حظراً للسلاح على "بغداد"، وتلزمها بدفع مليارات الدولارات للكويت كتعويض عن أضرار الحرب. ردود الفعل وفي أول رد فعل له على القرار، اعتبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي القرار خطوة مهمة لاستعادة مكانة "العراق" الدولية، وقال المالكي - في كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب العراقي -: إن بلاده أصبح متحرراً من القيود التي فرضت عليه؛ بسبب حماقات النظام الدكتاتوري السابق، ودعا دول المنطقة والعالم لمد يد الصداقة للعراق. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أوصى مجلس الأمن بإخضاع المسألة الخلافية الإنسانية الوحيدة المتبقية بين العراق والكويت إلى البند السادس من ميثاق المنظمة الدولية بدلاً من البند السابع، كما دعا إلى أن تقوم بعثة الأممالمتحدة في العراق بتحمل مسئولية تسهيل عملية البحث عن المفقودين الكويتيين أو رفاتهم وأرشيف وممتلكات الكويت المفقودة. وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بعد إصدار القرار: "إنه يوم تاريخي"، ويجب على كل العراقيين الاحتفال به؛ لأنه يوم استكمال السيادة الكاملة للعراق، والتحرر من نظام العقوبات والعزلة، ورأي زيباري أن القرار رسم خارطة طريق ممتازة للمستقبل لبناء أفضل العلاقات بين البلدين والحكومتين والشعبين، مشيراً إلى أن بلاده سددت حتى الآن 42 مليار دولار من تلك التعويضات، وتبقى 11 مليار دولار سيتم استكمال دفعها بنهاية 2015. ومن جانبه، علق علي الموسوي - المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي - على القرار الأممي، قائلاً: "لهذا الحدث أهمية كبيرة في حياتنا كعراقيين، وبالتالي فإن طريقة وأسلوب التعامل معه لا بد أن تأخذ منحيين: الأول جماهيري احتفالي، وهو ما تستعد له الحكومة بما يستحقه، والمنحى الثاني هو ما يفرضه علينا من التزامات دولية بعد أن تمكنا من استعادة كامل سيادتنا بالتضحيات والعمل الدبلوماسي الدءوب طوال السنوات الماضية". واعتبرت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي "صفية السهيل" خروج "العراق" من طائلة الفصل السابع حدثاً مهماً وتاريخياً لمستقبل العراق وشعبه، ومفتاحاً رئيساً للانطلاق إلى مستقبل أفضل من العلاقات السياسية والاقتصادية. وأكد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير العلوم والتكنولوجيا السابق، الدكتور رائد فهمي، أن خروج العراق من تبعات الفصل السابع أمر مهم جداً لسيادته، وكان هدفاً لكل الحكومات العراقية التي تعاقبت بعد عام 2003، واعتبره بمثابة قفزة مهمة نحو استكمال مستلزمات السيادة. تحديات جديدة وعلى الرغم من الترحيب العراقي الداخلي بهذا القرار، يضع الخروج من طائلة الفصل السابع الدولة أمام تحديات ومسئوليات جديدة، لعل أبرزها حماية أمواله في الخارج من الدعاوى القضائية، خاصة من المتضررين من غزو نظام صدام حسين للكويت عام 1990. ومن جانبه، قال الدكتور عامر حسن فياض - عميد كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد -: إن خروج العراق من تحت طائلة هذا البند يعني خروجه من دائرة القيود إلى دائرة الحريات، حيث كسر "العراق" آخر قيد سياسي ومالي كان مكبلاً به". وأضاف فياض أن العراق بموجب ذلك أصبح مكتمل السيادة وذا قرار مستقل، وسوف يتم التعامل معه كدولة معترف بها بالكامل من قبل المجتمع الدولي سياسياً، مشيراً إلى أن الجانب المالي في عملية الخروج من هذا الفصل تتمثل في أن أكبر ثروة مالية عراقية وهي النفط ترسل حتى الآن إلى صندوق تنمية العراق التابع للأمم المتحدة، حيث يستقطع منها نسبة 5% كتعويضات، ومن بعدها يستخدمها العراق، بينما من اليوم فصاعداً سيتعامل "العراق" مع ثرواته المالية باستقلالية كاملة. ونوه فياض بأن وجود تحديات كبيرة أمام العراق، إذ إن أمواله بموجب ذلك محمية دولياً من قبل الولاياتالمتحدة، لكن اليوم باتت أموال العراق تحت الحماية العراقية، وهو ما يتطلب جهوداً وإمكانيات للارتفاع إلى هذا الأمر، مشدداً على حاجة العراق إلى قوة حماية عراقية لأمواله وثرواته، إذ هناك من سيتقدم قضائياً ضد العراق لوجود دعاوى كثيرة في هذا الاتجاه من مخلفات غزو الكويت، وبالتالي فإن المسألة ليست مجرد خروج من البند السابع، بل هي مسئولية داخلية لمواجهة تحديات محتملة. مستقبل العلاقات والجدير بالذكر، أن العلاقات العراقية الكويتية شهدت تحسناً ملموساً في الفترة الأخيرة، عند زيارة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، إلى بغداد رسمياً في أول زيارة له إلى العراق منذ اجتياح نظام صدام حسين بلاده، للمشاركة في قمة الجامعة العربية التي عقدت في مارس 2012. كما كانت زيارة رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ ناصر المحمد الصباح، إلى "بغداد" في 12يناير 2011، الأرفع مستوى لمسئول كويتي منذ الغزو العراقي، علماً أن "الكويت" عينت أول سفير لها في "العراق" في يوليو 2008. وقد مثل خروج أمير الكويت عن التمثيل المتدني للمنظومة الخليجية وحضوره شخصياً القمة تطوراً نوعياً وتاريخياً بكل المقاييس في العلاقات، حاله حال هذه القمة التي كانت تاريخية بسبب انعقادها بعد ثورات الربيع العربي. أضف إلى ذلك قرار استئناف الرحلات الجوية بعد اتفاق بين السلطات العراقية والكويتية، أنهى خلافاً استمر طويلاً حول تعويضات يقدمها العراق للخطوط الجوية الكويتية؛ بسبب الأضرار التي لحقت بها أثناء الغزو. وبالتالي مثلت كل تلك التطورات تقدماً واضحاً في مجال القضايا العالقة بين البلدين والمتعلقة بالأرشيف الكويتي والأسرى، والتي نقلت من الفصل السابع إلى السادس، بمعنى أنها أصبحت قضايا ثنائية، وهذا يعني أن البلدين طويا صفحة الماضي من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية. ومع ذلك يبقى من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات بين العراق والكويت التي قد تكون مرتبكة إلى حد كبير، وحتى بعد تجاوز هذه المرحلة؛ لأن هناك في المجتمعين الكويتي والعراقي من يعتقد أن القضية لا تُحل بالطرق الدبلوماسية، مما يجعل بناء علاقة اجتماعية بين الدولتين أمراً صعباً، وبالتالي ربما تحتاج الحكومة الكويتية لتهيئة الرأي العام لديها بشأن ملف العلاقات مع العراق، أو ربما هناك بعض المعوقات الدولية.