كلما رأيته ألمح في عينيه حزنأ وهما كبيراً، وكلما تحدثت معه استفدت وتعلمت شيئأً جديداً ، كتب عنا أيام أحداث السجون والمعتقلات، بالطبع من وجهة نظر السلطة، وعرض وقتها تحقيقات النيابة العامة في جريدة أخبار الحوادث التي كان يرأس تحريرها. إنه محمود صلاح "ملك صحافة الحوادث المصرية"، كما يلقب بالوسط الإعلامي ،كان نشيطاً ومتحركا، لذلك اقتحم عالم السجون والمعتقلات وقدّم كثيراً من النماذج الجنائية، لكن لم يقدمنا عن قُرب بما ينبغي لوجود القبضة الحديدية التي حالت دون ذلك . كانت بداية تعرفي عليه أن اطلعت علي كتابه "حكايات شارعنا" الذي سرد فيه محاولة إغتيال الأديب الراحل نجيب محفوظ، ولأنني عايشت من قام بمحاولة إغتياله سحبت الكتاب علي الفور وشرعت في قراءته. كنت أيامها في المعتقل ، حيث كنا محرومين من كل وسائل المعرفة المتاحة ، حتي مكتبة السجن وبعد معاناة وإضرابات وصلنا مع امن الدولة للسماح لنا للاطلاع علي المكتبة عندها ولحسن حظي، شاهدت كتاب محمود صلاح بعنوان " حكايات شارعنا" . أحمد محيي من أولاد شارعنا في البداية ..استوقفني ما كتبه الاستاذ محمود صلاح عن زميل دراستي أحمد محيي الذي ذُكر اسمه في التحقيقات، لكن لم يشمله قرار الإتهام، حيث أنه كان المسئول الفعلي عن مجموعة الجماعة الإسلامية قبل اعتقاله بعين شمس، وحلّ محلّه شخص قيل أنه مرشد لأمن الدولة يدعى "مصطفي إبراهيم" الشهير بمصطفي ميزو ليقود المجموعة إلي الهاوية بالتنسيق مع شخصية أمنية كبيرة معروفة ......لاغتيال نجيب محفوظ، وتوريط الجماعة الإسلامية في العملية ليقضي عليها، وبالفعل تمت العملية ليصاب الرجل الطاعن في السن "نجيب محفوظ" بسبب هذه المحاولة التي تم فيها استغلال بعض الصبية لقتله، ليعرف الكاتب الكبير بعد ذلك الحقيقة ويصدر عفوا ًعنهم في جلسة سرية، كتمها بعد ذلك شلة المثقفين المنتفعين. فن الصحافة حكايات محمد ناجي، وأحمد المحلاوي، وعمرو إبراهيم، وقصة باسم، وأحمد حسن وكل أفراد المجموعة التي كانوا معي، كنت مهتماً جداً بتفاصيل الموضوع الدقيقة، في محاولة مني لمعرفة من وراء العملية، الجماعة الإسلامية ؟ أم جهة أخرى غيرها ؟. يذكرني كتاب محمود صلاح بأيام سجن العقرب، وما أدراك ما "العقرب" ذلك السجن الذي شهدت فيه أصعب أيام حياتي، من يُضبط عنده سن قلم رصاص، -ليس كتاب- يُضرب حتي يظهر له صاحب، لكن هذا لا ينطبق على كتاب محمود صلاح فقد كان مسموحاً به داخل مكتبة السجن، لإنه محمود صلاح طبعا . كنت وقتها أعتبر من يظهر في مجلة "أخبار الحوادث" مجرم، لأنها فقط تتحدث عن المجرمين وعتاة الإجرام، لكن محمود صلاح جعلني أكثر إهتماماً بها لأنه حولها من جريدة عادية تنشر أخباراً عن الحوادث إلى جريدة تهتم بالأمن السياسي وعمليات الإغتيال عبر التاريخ . بداية صداقة حتى تلك اللحظات لم أكن أعرف صلاح عن قرب، فهو عندي فقط رئيس تحرير أخبار الحوادث لكن بعدها فوجئت به يتولى مستشار تحرير شبكة الإعلام العربية "محيط" التي أشرف بتولي الإسلام السياسي فيها، وهنا اقتربت من الرجل أحببته بالفعل، وتفاعلت معه، وجدته شخصاً مختلفاً عما كنتُ أتصوره، وجدته يحمل حب الدنيا كلها ، ولكن في قلبه جرحا لا أستطيع أن أعرفه ، وجدت الدنيا تحلو في عينه أكثر عندما يتحدث عن ابنته التي إذا ذكرت تفيض مشاعره بالحنان والعاطفة. كانت ابنته هي حبيبته وصديقته أمه بعد أن فقد زوجته، سرعان ما عرض علىّ أن أتولي قسم التحقيقات، كان هذا العرض بمثابة الوسام الذي انتظرته طوال حياتي لأنه جاء من محمود صلاح رئيس تحرير الحوادث .. العالم والخبير في المهنة ليتوج نشاطي وحبي الكبير للصحافة ويطوق عنقي بجميل لن أنساه طوال حياتي . لا اُخفي سراً ..من ثبت قدمي في الصحافة هو الكاتب الصحفي صلاح بديوي، ومن قدمني، ووثق بي، ودفعني لتولي المناصب الإدارية محمود صلاح، ولصلاح بديوي قصة أيضاً سوف تأتي في حينها . صحافة الزمن الجميل تعلم محمود صلاح الصحافة علي يد شيوخ وصناع المهنة، لذلك نشأ قويا ًوبرع سريعاً، فكانت له عشرات الكتب ومئات التحقيقات الصحفية، لذلك امتلك ذاكرة قيّمة عن مشاهير القوم، وعلى قدر ما تستوقفني كتبه وصحافته، تستوقفني تعليقاته عبر صفحته الشخصية "الفيس بوك" التي لا أستطيع أن أمنع نفسي من الإطلاع الدوري عليها فسرعان ما اتفاعل معها، كما يتفاعل معها غيري. من الظلم .. أن أنسى الحديث عن ثلاثة تحقيقات لصلاح تعلمت منها الكثير والكثير، رغم إختلافي معه في إحداها، وهذه الموضوعات هي :1 - رئيس التحرير الزبال قام وقتها محمود صلاح بعمل مناورة كتب عنها بالتفصيل، حيث ارتدي ملابس زبال، وخرج صباح أحد الايام من مؤسسة أخبار اليوم . يقول : اشتغلت "مرمطون صحافة" طوال 34 سنة، محرر صغير يجوب أنحاء مصر من مطروح حتى الوادى الجديد، ويحاول أن ينقل بأمانة شكل الحياة على أرض مصر وأحوال الناس، واشتغلت "حرامى كده وكده" عندما سرق اللص الراحل حسن العسال، لوحة "أزهارالخشخاش" للفنان العالمى "فان كوخ"، وأردت أن اُثبت للقراء أن متحف محمد محمود خليل الذى سرقت منه اللوحة بدون أجهزة إنذار، فوضعت خطة للتسلل إلى المتحف ليلا، ونفذتها، ودخلت وخرجت بدون أن يشعر بى الحراس، كان يمكن أن أسرق أى لوحة بسهولة تامة، وبعد نشر التحقيق الصحفى تم تزويد كل المتاحف بأجهزة إنذار . يضيف صلاح : تجربة الزبال كانت مفيدة جداً لإعتبارات كثيرة منها، أن تعيش وتنقل أحاسيس هذه الفئة من الناس، بالإضافة إلى نقل انطباعات الناس عن الزبال، قبل ذلك أنها مغامرة صحفية عملية تتعلم منها الأجيال فن العمل الصحفي،لا يمكن أن انقل في هذه العجالة كل ما أرد محمود صلاح من هذه الخبطة الصحفية ،لكني أرجو أن يتعلم السادة الزملاء الذين يرفضون نزول الشارع وعمل التحقيقات والحوارات أن من هو أفضل منهم فعل ذلك ولم يتكبر وارتدي زبال وأمسك بالمقشة وكنس الزبالة . 2- صلاح يرتدي النقاب في قلب شوارع القاهرةلعل هذه المغامرة هي التي اختلف معه فيها ، لكن مع اختلافي تساءلت كيف استطاع نزول الشارع بالنقاب، وكيف مكث ساعات يعمل به منذ ان نزل من أخبار اليوم إلي ان تم ضبطه عن طريق عسكري مجند شرطة وعرف انه رجل، وقتها يقول صلاح المجند قال لي يا "حجة ممكن البطاقة"، وفي أقل من عشر دقائق كان محمود صلاح في امن الدولة ولكن ليس كإرهابي يُحقق معه، ولكن لسؤاله لماذا فعل هذا ؟ ومن وراء هذا الفعل ؟ وهل يريد إثارة الإسلاميين بهذا العمل ؟ . ما فعله محمود صلاح عمل أختلف معه،لكن مع ذلك نظرت للموضوع فوجدت ان فيه فوائد أحببت أن اذكرها منها:1 الناس تحترم السيدة المنتقبة، فلابد ان نقدّر رغبتها في ارتدائه، حتى إن كان هناك خلافاً حول حكمه .2 ليس كل منتقبة، يجب أن تكون متدينة، لذلك يجب ان نحذر كل الحذر ممن يتستر بالدين لتحقيق مصالح شخصية.3 بعض الصحفيين والكتاب وأصحاب الفكر، يري النقاب ظاهرة مقتبسة من الخارج، وتحديدا من دول الخليج ولا تعبر عن عادات وتقاليد المجتمع المصري وهذا ليس صحيحأ بالمرة.4 بعض الصحفيين والكتاب وأصحاب الفكر ،يخافون النقاب والتدين بصفة عامة، والخطأ هنا خطأ رجال الدين والمتدينين لأنهم لم يوصلوا إليهم رسالة الدين كما ينبغي أن تصل . 5- لغز رحيل الفنانة سعاد حسنيانشغلت فترة كبيرة بمقتل سعاد حسني وتساءلت كثيراً من وراء قتلها ؟ إلى أن جاء تحقيق صنعه أ / محمود صلاح، بحرفية وإقتدار يحسد عليه ، وأذيع أيامها علي القناة الأولى المصرية، وقدمه الفنان سمير صبري، بعنوان "لغز رحيل الفنانة سعاد حسني" كان تحقيقاً رائعاً إستفدت منه كثيراً لأنه اشتمل على كثير من المعلومات والأسرار الخفية ومكنونات الصدور، وتبينت أن الصحافة مهنة الشجاعة فعلى الرغم من الشائعات التي اثبتت تورط النظام في قتلها ، إلا أن صلاح تحدى كل ذلك وتحدى صفوت الشريف الذي كان وقتها وزيراً للإعلام، وسافر إلي لندن ليبحث عن الحقيقة التي اقترب منها كثيراً . محمود صلاح أين !!ما دفعني للكتابة اليوم عن محمود صلاح الأستاذ والإنسان ، متابعتي لصفحته الشخصية وشعوري بحزنه الشديد ، شيئا ما موجوع منه هذا الرجل ، لعله صرح به ولكن ليس بالقدر الكافي ، لكن قد تصل الرسالة بالتلميح لا بالتصريح .ربما يكون صلاح موجوعاً من أمر !!! لكن مهما إختلفنا معه إلا أننا لا يجب ان نتركه موجوعا حزينا ، ولا يسعني سوى القول أنه إنسان حر، يملك رايه، ومواقفه وهو أحد رموز صحافة الزمن الجميل . أستاذي العزيز محمود صلاح أرجو ان تكون بخير .......