يعقد اليوم الخميس بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان الاجتماع العادي الحادي والعشرين لمجلس وزراء المياه بدول حوض النيل لبحث سبل تعزيز التعاون بين الدول، ومناقشة القضايا الإدارية من بينها تقييم أداء خطة عمل مبادرة حوض النيل للعام المالي السابق، وبحث الميزانية الجديدة للعام المالي 2013-2014 ومراجعة التصديق على الإستراتيجية، وسيتم تسليم رئاسة المجلس من رواندا إلي جنوب السودان . كما يناقش الاجتماع الخلافات بين مصر والسودان ودول أعالي النيل في الهضبتين الاستوائية والإثيوبية، حول الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل المعروفة باتفاقية عنتيبي، التي وقعت عليها 6 دول حتى الآن والتي تنص على أن التعاون بين دول مبادرة حوض النيل يعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول ، ومن المقرر أن تعلن دولة جنوب السودان انضمامها لاتفاقية عنتيبى الجديدة في الاجتماع. مشاركة مصرية وستشارك مصر بوفد رسمي بحضور السفير المصري بجنوب السودان لحضور الاجتماعات وعرض رؤية مصر في أزمة إنشاء سد النهضة الإثيوبي الذي يتسبب في تقليل حصتها المائية ،بعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية بدء تحويل مجرى النيل الأزرق أحد روافد نهر النيل تمهيدا لبناء «سد النهضة» الإثيوبي والذي قد يؤثر سلباً على حصتيهما من مياه النيل، مما آثار ردود فعل غاضبة في الأوساط المصرية التي تخشى على حصتها من مياه النيل فمصر والسودان تحصل منه على نحو 85% من احتياجاتهما من المياه. ويأتي هذا الاجتماع بعد أن بدأت الدول الأعضاء في إجراءات التصديق على اتفاقية عنتيبى وكانت أثيوبيا أولى الدول التي صدق برلمانها على الاتفاقية مؤخرا ،وبمجرد سريانها تنتهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقا لاتفاقيات 1929 و1959 التي بموجبها تحصل مصر والسودان على حصصها من المياه سنويا. وكانت دول حوض النيل قد وقعت على اتفاق عنتيبى فى 10 مايو 2010 حيث وقعت علية 5 دول هى: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، وفى فبراير 2011 قررت بوروندى التوقيع على الاتفاقية ليكتمل النصاب القانونى لتنفيذها. وقد رفضت كل من مصر والسودان والكونغو الديمقراطية الانضمام إليها، واعتبرت الاتفاقية مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية وأعلنت أنها ستخاطب الدول المانحة للتنبيه على عدم قانونية تمويل أي مشروعات مائية، سواء على مجرى النيل أو منابعه، وقد شكل اتفاق عنتيبى ضربة قوية لمبادرة دول حوض النيل التي تأسست عام 1999. فهناك اختلاف جوهرى في الرؤية المصرية السودانية لقضية مياه النيل و رؤية أغلبية أعضاء دول حوض النيل فمصر والسودان تؤكد أن لهما حقوق تاريخية وقانونية واحتياجات حيوية في مياه النيل أما الجانب الأفريقي فينظر إلى القضية على أنها حقوق عادلة تتساوى فيها كل الأطراف ، وأن الاتفاقات القديمة نشأت في عهود استعمارية يجب إلا تسود الآن بعد التغيرات التي شهدتها القارة السوداء. فمصر تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا ، فيما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب وذلك بموجب اتفاقية وقعت بين البلدين في عام 1959، وكانت مصر وإثيوبيا قد اتفقتا على "ضرورة مواصلة التنسيق بينهما في ملف مياه نهر النيل، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، واستنادًا إلى التزام كل طرف بمبدأ عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر. وشملت الاتفاقية الإطارية الجديدة 13 بابا و43 بندا وتؤكد مقدمتها على إدراك دول المبادرة للأهمية الاقتصادية و الاجتماعية لنهر النيل لشعوب دول الحوض مع رغبتهم القوية في التعاون للاستفادة من الموارد العظيمة للنهر، وتشير الاتفاقية أيضا أن مبادرة حوض النيل هي أساس التكامل والتنمية المستدامة و أساس للحوار حول موارد النهر حماية لحقوق أجيال المستقبل. وظلت الخلافات بين مصر والسودان ودول المنبع تدور حول ثلاث محاور أساسية لا تزال قيد البحث والتفاوض وهى الإخطار المسبق بأي مشاريع تقام على النيل أو خطط مستقبلية تتعلق بنهر النيل ، وتصويت الأغلبية على الاتفاقية الجديدة وهذا يمنح الدول الموقعة القدرة على حسم عملية التصويت لصالحها وتمرير كل المشاريع حتى لو أضرت بمصلحة دول المصب ، وإدراج حقوق مصر والسودان التاريخية والقانونية في الاتفاقية الجديدة من محاور الخلاف الأساسية بين مصر والسودان وبين الدول الست التي رفضت إدراج الاتفاقيات السابقة ضمن الاتفاقية الإطارية الجديدة ووافقت على ضمها إلى ملاحقها وهذه الملاحق قابلة للتغير ولا تحظى بقوة الاتفاقية ذاتها . حقائق هامة كما يرى المراقبون أن هناك عدة حقائق هامة ينبغي أن تكون أمام جميع دول الحوض وأولى هذه الحقائق أن الخلاف بين دول الأنهار خاصة دول المصب ودول المنبع خلافات قائمة في معظم أحواض الأنهار وتحتاج إلى صبر وأناة حيث تعتقد دول المنبع أن من حقها أن تفرض سيادتها الوطنية على الأنهار التي تنبع أو تجرى في أراضيها، وأن دول المصب تجنى فوائد ضخمة على حسابها، وفى معظم الأحوال يطول التفاوض سنوات طويلة إلى أن تسود علاقات الثقة بين دول الحوض بأكمله وتفطن كل الأطراف إلى أهمية تعاون الجميع من أجل حسن استخدام مياه النهر وتعظيم موارده المائية. ومن ناحية أخرى، لا يوجد قانون دولي للأنهار ينظم علاقات دول المصب ودول المنبع رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأممالمتحدة وانتهت عام 1997 إلى إقرار قانون رفضت أغلب دول الأنهار توقيعه وكل ما هو موجود الآن هو مجموعة من القواعد القانونية حددتها جمعية القانون الدولي ولا ترقى إلى مستوى القانون الدولي. وثاني هذه الحقائق أن تدفق مياه النيل إلى مصر لا يضمنه فقط حقوقها التاريخية التي تنظمها اتفاقات دولية بضرورة استمرار سريانها إلى أن يتم التوافق على تغييرها ولكن ما يضمن تدفق مياه النيل إلى مصر أيضا ترتيبات كونية جغرافية يستحيل تغييرها جعلت روافد النيل في الهضبة الأثيوبية تمر في خوانق جبلية ضيقة وعميقة ذات انحدارات ضخمة تجعل التحكم في مياه هذه الأنهار أمرا مستحيلا خاصة أن المياه تكون محملة بملايين الأطنان من الرواسب التي يصعب وقفها. وثالث هذه الحقائق أن نهر النيل يستطيع بموارده المائية الضخمة أن يكفى احتياجات جميع دول الحوض العشر إذا ركزت دول الحوض اهتمامها على المستقبل أكثر من اهتمامها بالماضي ونشطت في تعاونها المشترك من أجل تنمية موارد النهر وليس إعادة توزيع حصصه أو الانتقاص من حقوق دول المصب. الاتفاقيات القديمة وترجع بداية الأزمة لمحاولات دول المنبع فى تغيير الاتفاقيات القديمة وإبرام اتفاقية جديدة ففى عام 2007 تم عقد مؤتمر لوزراء المياه فى دول الحوض فى"عنتيبي" حيث تم الاتفاق على رفع بند الأمن المائى إلى رؤساء الدول والحكومات بحوض النيل لحل الخلافات حول الصياغة، وإحالة بند الإخطار المسبق عن المشروعات إلى الهيئة الفنية الاستشارية لدول الحوض وفى عام 2009 فى اجتماع وزراء دول حوض النيل في "كينشاسا" نسقت دول المنبع السبع فيما بينها للضغط على دولتي المصب، وخاصةً مصر وفى يوليو من نفس العام اجتمع المجلس الوزاري السابع عشر لدول حوض النيل في الإسكندرية؛ حيث سعت دول المنبع إلى فرض إقامة "مفوضية" لحوض النيل، بغض النظر عن مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان)، عوضًا عن الاتفاقيات القديمة لتوزيع حصص المياه من جديد. وكانت مصر قد وقعت على عددًا من الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل، وكانت جميعها تدور حول عدم إقامة أي مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلِّل من نسبة تدفُّق المياه إلى مصر، كانت بدايتها عام 1891 حينما أبرمت بريطانيا باسم مصر والسودان أتفاق مع إيطاليا التي كانت تحتل إريتريا في ذلك الوقت تعهدت بمقتضاه الحكومة الإيطالية بالامتناع عن إقامة آية أعمال أو منشآت على نهر عطبرة يكون من شأنها التأثير بدرجة محسوسة على مياه نهر النيل ، وعام 1902 أبرمت بريطانيا نيابة عن مصر والسودان أتفاق مع إثيوبيا تعهدت إثيوبيا بمقتضاه عدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو السوباط تؤدى إلى التأثير في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية والسودان، وعام 1925 أبرمت اتفاقية بين إيطاليا وبريطانيا تتضمن اعتراف إيطاليا بالحق المسبق لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وتتعهد بألا تقيم عليهما أو على فروعهما أو روافدهما أي إنشاءات من شأنها أن تؤثر تأثيرا ملحوظا في المياه التي تصل إلى النهر الرئيسي. وفى عام 1929 أبرمت اتفاقية بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا فيه اعترفت بريطانيا بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل واعتبار المحافظة عليه مبدأً أساسيا ، كما تقرر عدم إقامة أو إجراء أي أعمال بخصوص الري أو توليد الطاقة على النيل وفروعه أو البحيرات التي ينبع منها والتي قد تمس بأية صورة مصالح مصر ، سواء بتقليل كمية المياه أو تعديل منسوبها أو طريق وصولها إلا باتفاق مع الحكومة المصرية. وفى عام 1959 عقب استقلال السودان وانفصاله عن مصر تم عقد اتفاق يعد مكملا لاتفاق 1929 ويتضمن الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة إلى كلا البلدين ( 84 مليار متر مكعب) تخصص منها 55.5 مليار متر مكعب لمصر و 18.5 مليار متر مكعب للسودان ، ولكن دول حوض النيل الثمانية رفضت الاتفاقية. فالمياه في دول حوض النيل هي مجال للتعاون وليس مجالا للصراع، فنهر النيل عصب الحياة ولا يجوز أن يتضرر أو ينقطع جريانه مهما كانت الأسباب أو المسببات، فنهر النيل من أطول الأنهار في العالم حيث يبلغ طوله 6650 كيلومترا مربعا، وهو يجرى من الجنوب إلى الشمال من بداية منابعه في دولتي بوروندي ورواندا حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط وذلك في الجزء الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا ولولا النيل لما كانت هناك حضارات عظيمة عبر ألاف السنين وأي خلل في مياه هذا النهر سيحدث خللا كبيرا في مصر لأنها لا تملك موردا مائيا يذكر إلا ما يجود به هذا النهر العظيم.