بعد تصديق رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي على قرار تعيينه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا، بدءاً من الأول من يوليو المقبل، خلفاً للمستشار ماهر البحيري الذي سيحال إلى التقاعد بنهاية الشهر الحالي، تنتظر المستشار عدلي منصور العديد من التحديات الجسيمة. كما وافق الرئيس مرسي على تعيين المستشار رجب سليم - رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة - نائباً لرئيس المحكمة في المكان الذي يخلو بتعيين النائب الأول رئيسًا للمحكمة، لاستكمال تشكيل المحكمة الذي حدده الدستور، وهو رئيس، وعشرة أعضاء، فضلاً عن موافقته على تعيين المستشار حمدان فهمي رئيساً لهيئة المفوضين بالمحكمة بدلاً من المستشار رجب سليم. الرئيس الثاني ويعد المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الجديد الرئيس الثاني من داخل المحكمة الدستورية بعد المستشار ماهر البحيري، بعد أن كان رئيس الجمهورية يقوم باختيار رئيسها من خارجها على مدار 22 عاماً، حتى تعديل قانون المحكمة بالمرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2011، والذي نص على أن يكون رئيس المحكمة من داخلها بموافقة الجمعية العمومية للمحكمة. وتشكل المحكمة الدستورية العليا بموجب الدستور الجديد من رئيس وعشرة أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التي ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية، حيث يُعيَّن رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة بعد موافقة الجمعية العامة. ومن هنا تم ترشيح «منصور» لهذا المنصب إعمالاً لقانون المحكمة الحالي، الذي لم يتم تعديله منذ عام 2011، ووفقاً للنص الدستوري الذي ينص على أن يتم اختيار رئيس المحكمة وأعضائها من جهات وهيئات قضائية. وفي هذا الصدد يتساءل المحللون المتابعون للقضاء المصري الذي صار متداولاً على الساحات الإعلامية والسياسية بشكل جلي عن مدى قدرة الرئيس الجديد للمحكمة الدستورية العليا في التغلب على التحديات الصعبة. التحديات الخمس وإذا ما أردنا الحديث عن القضاء المصري بصفة عامة والمحكمة الدستورية العليا بصفة خاصة، نجد أنه يواجه تحديات خمس لتحقيق استقلاله، يمكن إبرازها من خلال الآتي: أولاً يأتي على رأس هذه التحديات، انشغال القضاة ببعض الأمور السياسية، حيث يرى بعض القضاة أنهم باعتبارهم مواطنين مصريين، لهم الحق في الانخراط في الأمور العامة للدولة، بينما يرى آخرون أن القضاة يجب ألا يتدخلوا في الشئون السياسية للبلاد، خاصة أنهم هم من يتولون مهام الإشراف على الانتخابات. فعلى الرغم من ثقة القضاة بموضوعيتهم، فإنهم تأثروا من دون شك بموجة الحماسة الثورية، وليس أدل على ذلك من حكم المحكمة الإدارية القاضي بحل الحزب الوطني الديمقراطي، وتم الاستناد في ذلك إلى اعتقاد سياسي واسع النطاق، بأن الحزب أفسد الحياة السياسية في مصر، فضلاً عن قرار المحاكم الإدارية نفسها القاضي بإبطال عقود شراء مؤسسات عامة. وعن ثاني هذه التحديات فمازال القضاء يواجه محاولات للالتفاف حول دوره، رغم محاولاته المستمرة الساعية إلى الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، فيتخوف البعض من أن يتم الاعتماد بشكل رئيس على المحاكم العسكرية، أو اتباع قوانين تتعارض مع استقلال السلطة القضائية مثل سريان حالة الطوارئ. مأزق الانقسامات وكغيرها من المؤسسات الموجودة في مصر فلا تزال المحاكم نفسها تعاني من مدى توافر الأمن في قاعات المحاكم، ولا سيما مع غياب قوات الأمن في قاعات المحاكم، وانعدام الإجراءات الأمنية في الدوائر القضائية، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تدهور الأمن العام في مصر بعد ثورة يناير. علاوة على ذلك لا يزال المستشار الجديد في مأزق الانقسامات داخل السلطة القضائية نفسها، ويبدو ذلك جلياً من خلال حدة المناقشات داخل السلطة القضائية، وظهور دعوات لتطهير الجهاز القضائي من المتورطين في تجاوزات النظام السابق، مثل الصراع الدائر بين حسام الغريانى- رئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق، والمستشار الزند رئيس نادي القضاة -. علاوة على ذلك تواجه المحكمة الدستورية العليا تحدياً خامساً، يتمثل في الصراع مع السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى، ولا سيما مع مُضي مجلس الشورى في مناقشة مشروع قانون تعديل السلطة القضائية، الذي يتضمن خفض سن تقاعد القضاة، ومطالبة نواب التيار الإسلامي بتعديل قانون المحكمة وإعادة تشكيلها. وبعد طرح التحديات الخمس السابقة، هل ينجح المستشار عدلي منصور في التغلب عليها، وهل يصبح حصناً للمحكمة في مواجهة السلطات الأخرى؟ عدلي منصور في سطور يذكر أن رئيس المحكمة الجديد قد حصل على ليسانس الحقوق من جامعة "القاهرة" بتقدير عام «جيد»، وفي عام 1970 تم تعيينه مندوباً مساعداً بمجلس الدولة، وتدرج فيه إلى أن وصل إلى درجة نائب لرئيس المجلس، وأثناء عمله بالمجلس التحق للعمل عضواً بإدارات الفتوى والتشريع لرئاسة الجمهورية، وفي عام 1992 عين نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا. كما شغل النائب الأول لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وقد ساهم بدوره في إصدار عدة أحكام، أهمها: الرقابة السابقة على قانون الانتخابات الرئاسية، وما تضمنه من عدم دستورية نص المادة الأولى من مشروع القانون الذي يتعلق ببدء الحملة الانتخابية للمرشحين، اعتباراً من تاريخ فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية، وحتى بدء اليوم المحدد للاقتراع داخل مصر، وأنه وفي حالة انتخابات الإعادة تبدأ الحملة عقب إعلان النتيجة، وحتى بدء اليوم المحدد للتصويت في انتخابات الإعادة.