عورات كثيرة انكشفت وعيوب اكثر ظهرت في تعامل الحكومة والمعارضة والإعلام مع ازمة سد النهضة الاثيوبي التي اشتعلت عقب زيارة الرئيس مرسي لأثيوبيا للمشاركة في الاحتفال بمرور 50 عاما انشاء منظمة الوحدة الافريقية وأنا هنا لست في معرض الحديث عمن يتحمل مسئولية الازمة التي نعيشها حاليا هل هو النظام الحالي ام الانظمة السابقة، ولاحتى التحدث عن اهمية نهر النيل العظيم في حياتنا ولا حصص مصر من المياه ولا نصيب الفرد من المياه فكلها امور قتلت بحثا في كافة وسائل الاعلام. وبنظرة سريعة علي كيفية تعامل الحكومة والمعارضة والإعلام مع الازمة نجد ان الجميع حرص علي اعلاء مصالحه الشخصية والحزبية والسياسية علي حساب الامن القومي المصري الذي اصبح علي المحك في هذه القضية الخطيرة التي كنت اظن انها ستكون سببا في خلق حالة من الاجماع الوطني علي التصدي لمحاولات اثيوبيا وإسرائيل التلاعب بآمن مصر ومستقبلها، لكن – وللأسف الشديد – لم يختلف التعامل مع هذه القضية عن جميع القضايا التي مرت بنا منذ اعتلي مرسي سدة الحكم حيث اتفق الجميع علي إلا يتفقوا وحرص كل منهم علي ان يغني علي ليلاه متناسيا الوطن. ورغم ان المعارضة حاولت استغلال الحدث وهولت من الاخطار المحدقة بمصر جراء بناء السد للتأكيد علي فشل النظام الحاكم في ادارة الازمة وحملته المسئولية كاملة عما حدث ويحدث وشارك اعلام الفلول في المزايدة وحاول وضع المخلوع مبارك في جملة مفيدة وطالبوا مرسي باستخدام القوة العسكرية ضد اثيوبيا زاعمين ان المخلوع هدد اثيوبيا عند محاولاتها بناء السد وهو كلام ليس تنفيه العديد من الوقائع الموثقة، منها محاضرة لوزير خارجية المخلوع عمرو موسي في عام 1997 في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وطرح احد الحضور فكرة تهديد الامن المائي المصري واقترح ضرب اثيوبيا بالطائرات فابتسم عمرو موسي ساخرا – في اشارة الي مراهقة الطرح – وقال ليس هكذا تدار الامور في العلاقات بين الدول خاصة وان مصر تمتلك وسائل ضغط كثيرة وهي الوسائل التي لم نستخدمها منذ هذا اليوم وحتى الان. كما ان اجتماعات دول حوض النيل في شرم الشيخ وغيرها من العواصم تكذب ما ذكره اعلام الفلول عن بطولة المخلوع حيث تمسكوا في تلك الاجتماعات بالتوقيع علي الاتفاقية الاطارية لدول الحوض بدون مصر والسودان طبقا لتفاهمات العاصمة الكنغولية كنشاسا في مايو 2009 وتجاهل تلك الدول اقتراحات المخلوع مبارك إنشاء مفوضية حوض النيل لتطوير العلاقات وتمويل المشروعات المشتركة، فلا مبارك هدد ولا فعل اي شيء مما يقوله الاعلام سوي تقديم مقترحات قوبلت بالتجاهل، وهنا يثور تساؤل لماذا؟..والاجابة لان مبارك وافق علي بناء السد في 2008 ونشر المذيع شريف عامر علي قناة الحياة وثيقة كشفت عن وزارة الاستثمار المصرية في 2008 طلبت من البنك الدولي دعم مشروع بناء سد النهضة وهذا كله يكذب كل من يدعي اي بطولة للمخلوع الذي كان يعمل ضد مصالح مصر . ونعود للنظام الحاكم رئيسا وحكومة وبرلمانا وحزبا لنكتشف تناقضات غريبة وعجيبة تؤكد ان التسرع هو السمة الغالبة في التعامل مع الازمات المختلفة وليس ازمة السد فقط كما تفضح غياب التنسيق بين الجميع سواء في الرئاسة او الحكومة او حزب الحرية والعدالة المنتمي له الرئيس، ويعمل الجميع كأنهم يعيشون في جزر منعزلة فقد بدأ التعامل الرئاسي والحكومي مع الازمة بالتهوين الشديد لدرجة ان وزير الري قال نصا "وإيه يعنى" وخرجت علينا الرئاسة بكلام نصه ان "تحويل إثيوبيا لمجرى النيل الأزرق بأنه لن يؤثر على حصة مصر من المياه". والأغرب انه بالعودة الي عدة شهور قليلة سابقة نجد ان قيادات كبيرة في حزب الحرية والعدالة حذرت من سد النهضة ومنهم د.أكرم الجنزورى المشرف على لجنة الرى بحزب الحرية والعدالة وطالب الحكومة بعدم انتظار تقرير اللجنة الثلاثية – الذي تنتظره الرئاسة الان - لأن إثيوبيا لن تقدم معلومات تدينها، داعيا الي إنشاء هيئة عليا لإدارة الملف تتبع مؤسسة الرئاسة أو مجلس الوزراء تضم جميع المسئولين عن ملف المياه. ووقف معه القطب الاخواني د.خالد عبد القادر عودة أستاذ الجيولوجيا بجامعة أسيوط عضو مجلس الشورى واصفا قرار تحويل مجري النهر بأنه إعلان حرب مطالبا بإقامة قاعدة عسكرية بالاشتراك مع السودان بالقرب من المنطقة لحماية موارد النيل من أى تعد، ولتأكيد قوة مصر فى حماية أمنها القومى. وفي ظل تصاعد الازمة وجدنا الرئيس يشارك في مؤتمر ومعرض "تكامل" للجمعيات الأهلية. ويعلن عن احالة قانون جديد للجمعيات الاهلية الي مجلس الشورى لمناقشته وذلك دون كلمة واحدة عن الأزمة، وفي نفس الوقت مكتب الإرشاد برئاسة الدكتور محمد بديع، يناقش قرار إثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق لبناء سد النهضة، وأعلن رفضه للتدخل العسكري، وحمّل حكومة الدكتور هشام قنديل المسئولية، وطالب الكنيسة بالتدخل لدى نظيرتها بإثيوبيا لحل الأزمة. والأمر بهذا الشكل لا يخرج عن كونه اما ان الجميع يعمل بلا تنسيق او حوار وتلك مصيبة او ان الامر يتم بتنسيق وخطة عمل وان التناقض في تصريحات النظام والحكومة وقيادات الحزب والجماعة ليست امرا عفويا او لغياب التنسيق بل اظن – وبعض الظن ليس بإثم – انها خطة عمل ان يقول الرئيس شيء ويقول الاخرون شيء اخر ليمسكوا العصي من المنتصف بان يكونوا مع وضد في نفس الوقت فإذا كان الامر كذلك فالمصيبة اعظم .. اللهم خيب ظنوني يارب العالمين. ** نائب رئيس تحرير بوابة "الجمهورية أون لاين"