دنيتى .. التى كانت !

صحوت من النوم . على صوت زقزقة عصافير . تعيش فى الشجرة الكبيرة . التى يطل عليها شباك أوضة نومى .
كان الفجر قد شقشق . وولد نهار جديد . وبدأت الحركة داخل بيتنا القديم الجميل تدب فى هذا الوقت المبكر .
سمعت سعال جدى آتياً من حجرته الكبيرة . دقيقة وفتح أحدهم الراديو الخشبى الكبير . الموضوع على رف الصالة .
وتناهى الى سمعى صوت أم كلثوم تغنى ..يا صباح الخير يا اللى معانا .. الكروان غنى وصحانا !استعدادات تحضير الفطور بدأت فى نفس الوقت .
ستى تنادى على خالتى الصغيرة ..قوام على السطوح هاتى البيض من عشة الفراخ يا بنت !ابن عمى الكبير على باب الحمام المغلق يستعجل أخيه يابنى شهل .. ورانا مدرسة !
***
نطيت من على سريرى . جريت على الشباك . الى صينية القلل الموضوعة فى صينية فيها قليل من الماء . وبعض أوراق الريحان . كل قلة على رأسها غطاء نحاس يبرق من النظافة .شربت من القلة على الريق وارتويت .
صوت الماء جرى من القلة الى فمى . مثل صوت زغرودة جميلة . وبلل الماء الجارى صدرى .رائحة بيتنا حب وأمان . أصوات أهل البيت ناعمة متناغمة .
صباح الخير صباح النور .نهارنا أبيض .نهارنا فل .قليل ويتحلق أفراد العيلة على سفرة الافطار . جدى الجميل على رأس المائدة .
كل فرد جالس فى مكانه . حسب مكانته . الكبير كبير والصغير صغير .
الأكل حلو ولذيذ . الفول فى الطبق شهى مثل اللوز . الجبنة البيضاء قادمة من صفيحة فى المطبخ . البيض باضته الفراخ قبل ساعة أو أقل . العيش البلدى طازة وطعمه حلو .الناس على المائدة كثيرون . لكن الطعام يكفى ويزيد . لقمة هنية تكفى مية .
والأكل له طعم ورائحة. لا يغادر أحد المائدة إلا وهو شبعاناً يحمد الله . ربنا يديمها نعمة . تقول ستى .أهل البيت يغادرون فى نشاط الى أعمالهم ومدارسهم .
بينما راديو الجيران يصدح بصوت الجميل محمد قنديل ..يا حلو صبح .. يا حلو طل !
فى الطريق من البيت الى المدرسة مظاهرة المحلات والدكاكين تفتح أبوابها مع صباح اليوم الجديد .الميكانيكى يكنس التراب ويرش الماء أمام الورشة وهو يقول ناظراً الى السماء : إصطبحنا وإصطبح الملك .
وراديو القهوة يأتى باصوات كورس عذب يدعو : كل الناس .. بيقولوا يارب .. يارب !
***
لولا هذه الصورة فى خيالى وغيرها كثير وكثير ما أمكننى أن أتحمل هذه الحياة . التى عشتها ومازلت . منذ غادرت سنوات طفولتى وصباى . إلى ايام جهل ونزق الشباب .. وصراع الرجولة الى هزيمة الكهولة .
لولا استمساكى بأيام زمان . لفقدت كل قدرة على على المقاومة . وغادرت الدنيا من زمان !