صحوت من النوم علي صوت زقزقة عصافير تسكن في الشجرة القديمة التي تطل عليها نافذةحجرة نومي..كان الفجر قد شقشق. وولد نهار جديد. وبدأت الحركة داخل بيتنا القديم الجميل. تدب في هذا الوقت المبكر. سمعت سعال جدي آتيا من غرفته القديمة دقيقة وفتح أحدهم الراديو الخشبي الكبير. الموضوع علي رف في صالة البيت.. تناهي إلي سمعي صوت أم كلثوم تشدو. يا صباح الخير يا اللي معانا.. الكروان غني وصحانا! الاستعدادات لتحضير الإفطار تجري علي قدم وساق. ستي تنادي علي عمتي الصغيرة. - قوام علي السطوح.. هاتي البيض من عشة الفراخ يا بنت! ابن عمي الكبير علي باب الحمام يتعجل أخاه الأصغر. يا ابني شهل ورانا مدرسة! فطيت من علي سريري. جريت علي الشباك. إلي صنية قلل موضوعة علي حافة النافذة دائما. فيها ماء مرشوش بماء الورد. أو بعض أوراق الريحان. وعلي رأس كل قلة غطاء نحاسي يلمع من النظافة. وضعت القلة علي فمي. شربت وارتويت. سمعت صوت الماء الذي جري إلي حلقي. كأنها زغرودة جميلة. وبلل بعض الماء صدري! رائحة بيتنا حب وأمان. أصوات أهل البيت ناعمة متناغمة. لغتهم حلوة مهذبة. صباح الخير. - صباح النور علي البنور! نهارك أبيض.. - نهارنا فل. بعد قليل يتحلق أفراد العائلة علي سفرة الإفطار. والجد الجميل يتصدر المائدة. وكل واحد جالس في مكانه. حسب مكانته. الكبير كبير. والصغير صغير.. الأكل حلو ولذيذ. الفول في الطبق شهي مثل اللوز. الجبنة البيضاء قادمة من صفيحة في المطبخ. والجبنة القديمة من بلاص في حجرة الكرار. البيض وضعته الفراخ قبل ساعة. أو أقل. العيش البلدي طازة وسخن. بكل أنواعه. طري أو »ملدن« أو محمص.. أفراد العائلة كثيرون ما شاء الله. لكن الطعام دائما يكفي ويزيد. »لقمة هنية تكفي مية«. الأكل له طعم ورائحة. ولا أحد يغادر المائدة. إلا وهو شبعان يحمد الله. »يا رب احفظها وزيدها نعمة«. تقول ستي! أهل البيت يغادرون في نشاط إلي أعمالهم ومدارسهم. بينما يصيح راديو الجيران بصوت الجميل محمد قنديل. يا حلو صبح يا حلو طل.. نهارنا أبيض نهارنا فل! في الطريق من البيت إلي المدرسة. مظاهرة المحلات والدكاكين تفتح أبوابها. مع صباح اليوم الجديد. الميكانيكي يكنس التراب ويرش المياه أمام ورشته. يقول ناظرا للسماء: اصطبحنا واصطبح الملك لله. وراديو القهوة يأتي بصوت الكورس وهم يغنون. كل الناس بيقولوا.. يا رب! لولا هذه الصورة في خيالي. وغيرها كثير وكثير. ما أمكنني أن أتحمل هذه الحياة التي عشتها ومازلت. منذ غادرت سنوات طفولتي وصباي. أيام جهل ونزق وبراءة الشباب. إلي صراع الرجولة ثم هزيمة الكهولة! لولا تمسكي بأيام زمان. لفقدت كل قدرة علي المقاومة. وغادرت الدنيا من زمان! أعيش الآن.. فقط. علي الماضي!