يبدو أن النفط والغاز الطبيعي يلعبان دورا ملحوظا في الأحداث السورية وفى دائرة العنف المسلح بين النظام السوري والمعارضة، وأنهما كذلك سوف يسهمان بقدر ما في تحديد شكل الدولة السورية الجديد خاصة إذا ما اتجهت إلى التقسيم الجغرافي سواء أكان ذلك عبر التقسيم الفعلي الذي يبدو أقل احتمالا من تقسيم يكون وفق السيطرة الفعلية لمجموعات ما في بعض المناطق حتى في ظل بقاء سوريا دولة موحدة. ويظهر الجانب الأول في أثر قطاع النفط في حقيقة أنه وإن كان أقل القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بالحرب الداخلية، إلا أنه أصبح يسهم في الأشهر الأخيرة في تكبيد خسائر اقتصادية كبيرة للنظام السوري؛ إذ صرح وزير الطاقة السوري سليمان عباس أمس الخميس بأن إنتاج قطاع النفط والغاز قد انخفض بمقدار النصف بسبب ما أطلق عليه "الإرهاب" الذي يضرب سوريا، قائلا "انخفض إنتاج النفط المهم إلى أقل من 200 ألف برميل يوميا بعد أن كان الإنتاج يبلغ 380 ألف برميل قبل 15 مارس 2011. ضآلة الإنتاج وتشير إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج سوريا من النفط قد انخفض بنسبة لا تقل عن 60% حيث يتم إنتاج حوالي 153 ألف برميل يوميا منذ أكتوبر الماضي، وأن حجم الخسائر المالية جراء انخفاض الإنتاج منذ اشتعال العنف يبلغ حوالي 3 مليارات دولار. أما الوكالة الدولية للطاقة فتقول في تقرير حديث إن "معدل تخفيض الإنتاج أخذ يتناقص منذ بداية الأزمة السورية حتى انخفض من 400 ألف برميل يوميا قبل مارس 2011 إلى حوالي 160 ألف برميل فى نوفمبر 2012، ثم انخفض خلال الآونة الأخيرة إلى 130 ألف برميل يوميا". وعلى الرغم من ضآلة الإنتاج والاحتياطيات من النفط السوري تبلغ حوالي 2.5 مليار برميل مقارنة بدولة أساسية منتجة للنفط مثل السعودية التي تنتج 10 ملايين برميل يوميا ولديها مخزون نفطي يصل 262 برميلا، فإن هذا النفط السوري يشكل ثلث حجم الصادرات السورية إلى الخارج ويجلب للدولة نحو 4 مليارات دولار سنويا؛ مما يجعل انخفاض الإنتاج يؤثر بالسلب على نظام بشار الأسد. ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لقطاع الطاقة السوري بالنسبة لنظام الأسد، يظهر التأثير الثاني متمثلا في استخدام هذا القطاع من دول الاتحاد الأوروبي إما لشل قدرات النظام السوري حينما فرض الاتحاد حظرا على واردات النفط السوري منذ سبتمبر 2011 وتم وقف الاستثمارات الأوروبية في هذا القطاع، وإما لدعم المعارضة حينما قرر الاتحاد رفع هذا الحظر في 22 إبريل الماضي من أجل مساعدة السكان المدنيين ودعم قوى المعارضة السورية التى أضحت تسيطر على جزء كبير من حقول النفط في المناطق التي فقد نظام الأسد السيطرة عليها. ويظهر التأثير الثالث للقطاع النفطي في أنه قد يسهم بشكل ما في تشكيل مستقبل الخريطة السورية لأنه ربما جزءا من الصراع الجيوسياسى الذي يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط. ويتضح ذلك في أن جبهة النصرة وحلفاءها من المتشددين والسلفيين الجهاديين قد تمكنوا من السيطرة في أواخر العام الماضي على حقول النفط في بعض المحافظات مثل دير الزور والرقة وبعض المناطق الكردية في الشمال الشرقي من سوريا في محافظة الحسكة بالقرب من الحدود العراقية. جبهة النصر والنفط ووفقا للمحلل الأمني البريطاني جوليان بورجر، الذي أشار في مقال بصحيفة «الجارديان»، فإن جبهة النصرة وحلفاءها يقومون بتكرير النفط في مصاف بدائية الصنع، بعد أن كانت تديرها شركات نفطية كبرى مثل رويال دويتش شل وتوتال وغيرهما، وأن جبهة النصرة تستغل هذا النفط في الحصول على أموال تدعم قدراتها المسلحة. ويثير هذا الأمر خشية الغرب والاتحاد الأوروبي من أمرين، أولهما أن المتطرفين الجهاديين داخل صفوف المعارضة السورية المسلحة يزدادون قوة على حساب قوى أكثر اعتدالا أبرزها الجيش السوري الحر، بل وتنقل بعض التقارير التي أوردتها صحيفة «صنداى تليغراف» البريطانية أن "جبهة النصرة اضطرت إلى عقد صفقات غير ضمنية مع النظام السوري من أجل تقاسم عائدات النفط الخام من خلال تسهيل الطرفين لبعضهما البعض عملية نقله عبر خطوط المواجهة إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط". أما التخوف الثاني فينبع من حقيقة أن ثمة احتمال أن يخلق النفط مصالح مشتركة بين المجموعات الجهادية داخل سوريا ونظيرتها داخل الأراضي العراقية، وهو ما يعزز من فرص قيام الجانبين بالتعاون للسيطرة العسكرية على مناطق الحدود بين سوريا والعراق. كما أن ثمة مخاطر أخرى تتمثل في أن خطوط النفط الجديدة في الدول التي يتواجد بها الأكراد قد يشجعهم ليس على قيام دولة صغيرة في الشمال كما متصورا من قبل، بل ثمة احتمال إلى أنه ومع تغير خريطة الشرق الأوسط إثر الحرب الدامية في سوريا، والتي يلعب فيها كافة الأطراف الإقليمية والدولية، أن يتشكل في بلاد ما بين النهرين دولة شبه واقعية في الشرق، تمتد من تركيا إلى وسط العراق حتى شمال شرقي سوريا، وذلك بناء على تبلور ملامح خطوط النفط التي تحدد افتراضيا شكل هذه الدولة. إعادة تشكيل سوريا من جانب آخر، يبدو أن النفط سوف يلعب دورا ما في إعادة تشكيل الدولة السورية سواء في الداخل أو في الإقليم، فالمؤكد أن سوريا لديها احتياطيات من الغاز الطبيعي المكتشف حديثا في مساه شرق البحر المتوسط، إذ تقدر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن حوض بلاد الشام، ويشمل ذلك المياه السورية، يحتوى على احتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 122 تريليون متر مكعب. ولا شك أن جزءا من الحرب الدائرة الآن يدور حول من يفوز بالجائزة الكبرى، فالمتطرفون والدول الإقليمية، وخاصة إيران، إضافة إلى نظام بشار الأسد الذي قرر استخدام العنف إلى ما لانهاية بدعم حلفائه، قرروا عن قصد أو دون قصد إعادة رسم الحدود القديمة للشرق الأوسط، والتي يبرز النفط والغاز كأحد المحددات الجديدة لتقاسم النفوذ والسيطرة، وهو ما يحمل مخاطر إضافية لحالة عدم الاستقرار في المشرق العربي. ولا تنبع أهمية سوريا الحقيقية إزاء هذا الواقع الجديد لإعادة تشكل خريطة الطاقة الإقليمية في مقدار ما تنتجه أو ما سوف تستخرجه من غاز طبيعي، بل يعود ذلك بالأساس إلى أن موقعها الجغرافي يتيح منفذا إلى المتوسط للجماعات والدول التي ليس لها مخرج إلى البحر. وكذلك للدول التي تريد منفذا إلى أوروبا من دون أن تضطر إلى المرور عبر تركيا؛ ولذا يبدو أن جانبا من الدعم العراقي والمشاركة الإيرانية العسكرية المباشرة في الحرب السورية يتعلق في حفظ المواقع داخل سوريا سواء استمر الأسد أم لا، حيث سوف تمثل سوريا فاعلا مركزيا في قواعد انتقال وشحن قطاع الطاقة في المنطقة. وتشير الكاتبة ربى حصري الباحثة العراقية المتخصصة في شئون الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط إلى أن إيران تتطلع إلى الوصول لأسواق منطقة الشرق الأوسط حفظا لمصالحها الاقتصادية والسياسية، وسوف تلعب خريطة الطاقة دورا محوريا حيث تسعى لوصل إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق وإلى سوريا باعتبار ذلك خطا يحفظ لها موقع قدم بالقرب من شواطئ المتوسط، وينطلق ذات الأمر على روسيا التي تحاول فتح أسواق الشرق الأوسط وتحفظ موقعها البحري في شرق المتوسط. وبالمقابل تتنافس تركيا وأوروبا على حفظ الامتيازات السابقة وتعزيز مواقعها، إذ يرغبان في وجود نظام سوري جديد يتحالف مع الغرب ليشكل عائقا أمام تواجد إيرانروسيا المتوسع في أرجاء حوض الغاز الناشئ في شرق المتوسط.