لا تزال الأزمة السورية تلقي بظلالها على الدول المجاورة لها وعلى رأسها لبنان، التي تدفع ثمن الوضع السياسي الراهن بسوريا بالقتل والدماء بين أبناء شعبها المنقسمين بين مؤيد ومعارض للرئيس السوري بشار الأسد. ويظهر هذا في ارتفاع حصيلة ضحايا الاشتباكات التي اندلعت في طرابلس شمالي لبنان منذ أسبوع إلى 28 قتيلا، وذلك بعد مقتل شخصين، السبت، في تبادل للقنص بين معارضين ومؤيدين للنظام السوري. واندلعت الاشتباكات بين مسلحين في منطقتي باب التبانة المتعاطفة مع المعارضة السورية، وجبل محسن المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد، على خلفية احتدام المعارك في بلدة القصير في سوريا. وتأجج القتال بعد هجوم عنيف شنته القوات السورية الحكومية بمشاركة من مسلحين من حزب الله اللبناني على القصير التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. وفشلت كافة الجهود السياسية الرامية إلى احتواء العنف في المدينة، كما لم يحل انتشار الجيش اللبناني دون استمرار تبادل القنص بين الجانبين. اشتباكات مستمرة هذا وقد استمرت حدة الاشتباكات العنيفة في طرابلس شمال لبنان على كافة المحاور طوال الليل وحتى صباح اليوم ولا تزال أعمال القناصة مستمرة أمام الأهداف المتحركة،حيث كانت الاشتباكات تزداد بشكل عنيف حينا وتخف حينا أخر، ولكنها مستمرة حاليا بوتيرة اخف من الليل. ويسمع بين الحين والأخر قذائف الهاون والأسلحة المتوسطة كما يعمل الجيش بالرد على كافة مصادر النيران، وارتفع عدد القتلى بسقوط احد المواطنين في البقار. وربط وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل بين الاشتباكات في طرابلس والوضع في سوريا وأشار إلى أن أحداث طرابلس تنتهي عندما تحسم معركة سوريا، والذي يحصل أقوى من الدولة، ولا نستطيع حسمه، والكل متورط في المعركة، وهذه الجولة 14 من المواجهات، والقناعة باتت واضحة انه لا حل، فمن يريد أن يعرف ماذا في طرابلس عليه أن يعرف ماذا في سوريا. مؤكدا في تصريح له أن اللواء المتقاعد اشرف ريفي يعمل لتهدئة الأوضاع في طرابلس وليس كما يتهمه البعض بأنه يدير المحاور والمعارك هناك، نافياً أي تورّط لقوى الأمن الداخلي أو فرع المعلومات بأحداث طرابلس ووقوفها إلى جانب التبانة ضد جبل محسن. بينما اعتبر وزير الدولة أحمد كرامي أنّ طرابلس تبدو اليوم للأسف وكأنّها مدينة خارج لبنان، لافتا إلى أنّ الجيش اللبناني قادر منذ اليوم الأول على معالجة الوضع بالقوة ولكن ذلك، وبحسب قيادة الجيش، سيكلّف الكثير من الدماء. وأوضح أنّ الجهود والمفاوضات ناشطة حاليا وبالتحديد مع قادة المحاور في باب التبانة للتوصل للتهدئة ودخول الجيش إلى المنطقة، واعتبر أنّ المشكلة تكمن في تعدد الرؤوس في التبانة بخلاف الوضع في جبل محسن. شبح سوريا بلبنان من جانبه أكد الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان أن بلاده تمر بفترة صعبة جراء ما يحيط بها . معتبرا أن ما يجري في مدينة طرابلس انعكاس لما يجري في سوريا. واعتبر في كلمة له خلال زيارة قام بها امس الجمعة لمقر وزارة الدفاع لافتتاح غرفة عمليات الجيش الجديدة المزودة بأحدث التقنيات أن اللبنانيين بإرادتهم يجعلون لبنان ساحة أو يتقاتلون في ساحة أخرى مثل القصير السورية وفي ساحة داخلية في طرابلس رافضا أن يدفع اللبنانيون ثمن ديمقراطية الآخرين. وأشار الرئيس سليمان إلى أن الانتخابات مظهر ديمقراطي رافضا التخلي عنه مؤكدا دعمه الكامل لرئيس الوزراء المكلف تمام سلام في مواجهة التعثر الذي يواجه مهمته نتيجة وضع الشروط والشروط المضادة. واعتبر أن بلاده تحرص على تطبيق القرار الدولي 170 والتزام قرارات الشرعية الدولية وذلك عبر الالتزام ب"إعلان بعبدا" الذي ينص على الابتعاد عن سياسة المحاور والحياد عما يحيط بلبنان من أحداث باستثناء القضية الفلسطينية وعبر الإستراتيجية الوطنية الدفاعية التي تنظم العلاقة الواضحة بين الجيش والمقاومة والتي تعتمد على خطة لتسليح الجيش وتجهيزه والاستفادة من قدرات المقاومة بناء على حاجة الجيش وفق قرار يصدر إما عبر مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للدفاع أو رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وأبدى الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان الأسف لان لبنان لم يقطف ثمار التحرير معتبرا انه تم تحرير الأرض ولكن لم يتحرر الإنسان والتبعية ما زالت قائمة و تتجه إلى ممارسات تعزز المذهبية مشددا على أن معاني المقاومة أسمى من أن تغرق في الفتنة سواء في الداخل أو عند شقيق خصوصا وان المقاومة حاربت لقضية وطنية وقومية وليس لقضية مذهبية. ليلة بنصف مليون دولار وعلى جانب أخر وصف وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي المعارك في طرابلس بأنها الأشرس منذ الحرب الأهلية بدرجة وصفها بأنها «أسوأ الليالي على طرابلس منذ تاريخ الحرب الأهلية». وقال أحد المقاتلين في حي باب التبانة شمال شرقي طرابلس ذات الأغلبية السنية، لصحيفة «الشرق الأوسط»: «إنها ليلة بلغت تكلفتها العسكرية ما يفوق النصف مليون دولار»، استخدمت فيها رشاشات ثقيلة وقنابل وقذائف من عيارات وأنواع مختلفة ومدافع هاون». وقدر المقاتل، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عدد القذائف التي نزلت على باب التبانة وجوارها في ليلة واحدة ب160 قذيفة. واستطرد: «هذه الأموال التي تصرف على تمويل الحرب، لو أنها استخدمت في بناء مصانع لكان شمال لبنان كله يعيش حياة مختلفة». ومع اشتداد المعارك ليلة أول من أمس، التي بدت خلالها طرابلس متروكة لقدرها، أخذ بعض المواطنين ينشرون على «فيس بوك» أرقام جوالات ومنازل نواب المدينة ورئيس الوزراء، ويعممونها، ويحثون الناس على الاتصال بهم في منتصف الليل للإعراب عن سخطهم. وكانت النتيجة مقتل 5 أشخاص ليرتفع عدد قتلى الاشتباكات المستمرة منذ يوم الأحد الماضي إلى أكثر من 19، وزاد عدد الجرحى 40 ليصل العدد الكلي إلى 200 جريح. وألحقت المعارك أضرارا كبيرة بمناطق الاشتباكات فاحترقت منازل ومحال تجارية، وأثارت قذائف الهاون التي طالت مناطق عدة في عمق طرابلس، رعبا شديدا لدى السكان، الذين طلب إليهم عدم التجول. ولم تسلم حتى سيارات الإسعاف ولا أطقم الدفاع المدني من الرصاص، مما دفع مستشفيات طرابلس إلى إغلاق أقسام الطوارئ فيها. ومنذ يوم الاثنين الماضي، وبعد استهداف الجيش عدة مرات، بدت منطقة الاشتباكات، لا سيما باب التبانة، خالية من الجيش الذي يفصل عادة بين المتقاتلين، مما ترك جبهة جبل محسن وجبهة باب التبانة في مواجهة مستمرة. واعتبر وزير الداخلية مروان شربل أن «قف إطلاق طرابلس قرار كبير مطلوب من السياسيين»؛ أما عضو المكتب السياسي ل«تيار المستقبل» مصطفى علوش، فقد رأى أن «قادة المحاور في باب التبانة لا يتبعون فريقا سياسيا بل يدافعون عن بيوتهم وقرارهم، لذلك لم يكن هناك تجاوب مع وقف إطلاق النار». وقال علوش: « يمكن سحب السلاح من الفريق دون آخر، نحن في حلقة مفرغة، ولبنان بأجمعه بحاجة إ حل، وما يحصل في طرابلس هو بسبب غياب السلطة والقانون»، وأكد أن «لا قدرة للسياسيين على وقف المعارك». ضرب هوية طرابلس ومن جانبه حذر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري "من المؤامرة التي تتعرض لها مدينة طرابلس بشمال لبنان على أيدي من وصفهم أصحاب المشاريع الهدامة وأدوات الفتنة في لبنان الذين يخططون لضرب هوية طرابلس الوطنية والعربية وإضعاف موقعها في المعادلة السياسية". وقال الحريري - في بيان لمكتبه الإعلامي في بيروت - "إن أدوات الفتنة تتحرك على وقع الأحداث في سوريا وهي تريد من القتال الدائر في طرابلس أن يشكل غطاء لحرب حزب الله والنظام السوري ضد مدينة القصير وبلدات ريف حمص بالقدر الذي تعمل فيه على إغراق طرابلس في جولة جديدة من حروب الأحياء وتحت رحمة السلاح الذي يتولى حزب الله مهمة نشره وتوزيعه في طرابلس وغير طرابلس". وشدد على أن طرابلس التي كانت على الدوام رأس حربة في مواجهة المشاريع الغريبة والمشبوهة والخارجة عن هويتها الوطنية والعربية ستبقى عصية على كل هذه المحاولات ولن تنجح محاولات النظام السوري وأتباعه في النيل منها أو كسر شوكتها، مناشدا أبناء طرابلس عدم الوقوع في فخ مواجهة السلاح بالسلاح الذي يسعى أصحاب المشاريع الهدامة تعميمه من منطقة. وطالب الجيش اللبناني بتحمل مسؤولياته في ردع أدوات الفتنة ومكافحة تهريب السلاح الثقيل إلى من أسماها جهات معروفة تعمل بإمرة النظام السوري وأتباعه والقيام بكل ما يلزم من إجراءات رادعة لوقف الاعتداءات على أبناء طرابلس.