إن مصر بكل مقوماتها الاقتصادية وحضاراتها التي ترجع إلى سبعة آلاف سنة لا تزال في العرف الاقتصادي الحديث دولة نامية، حيث تعاني العديد من المشكلات، والتي تتمثل بشكل كبير في انخفاض الناتج القومى الإجمالي بالنسبة لمثيله في الدول الصناعية، فضلاً عن سيادة قطاع الزراعة واستخراج المواد الأولية عما عداه من القطاعات الاقتصادية. كل ذلك إلى جانب ضعف نسبة الادخار والاستثمار، وتكوين التراكمات الرأسمالية، وزيادة معدلات المديونية الدولية سنة تلو الأخرى، الأمر الذي أدى إلى التبعية الاقتصادية، ومن ثم السياسية والعسكرية مثل المساعدات الأمريكية المصرية التي تكاد تكون مشروطة. علاوة على تفشي ظاهرة الأمية وتدهور التعليم بصفة مستمرة وعدم ملائمته للعصر وعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة، وضعف الصحه العامة؛ نتيجة نقص الإمكانيات الطبية والمستوى التعليمي للأفراد وتفشي العديد من الأمراض، فضلاً عن ارتفاع وزيادة السكان بنسب كبيرة تتراوح بين (3.2%) في السنة، الأمر الذي يؤدي إلى ظاهرة الانفجار السكاني، والتي تمثل عقبة في وجه الاقتصاديات المتخلفة، وخاصة مصر في ظل عدم الاستغلال الأمثل للموارد. ويأتي الاهتمام بالظاهرة الأخيرة بعدما تناولت صحيفة «نيويورك تايمز الأمريكية» - في تقريرين منفصلين - زيادة معدلات الانتحار بين متوسطي العمر بأمريكا، وزيادة المواليد بمصر. وأوردت أن الأولى بلغت نسبتها (30%) تقريباً خلال الفترة من 1999 إلى 2010، وأن الثانية بلغت العام الماضي أعلى ارتفاع لها خلال عشرين عاماً. ونقلت الصحيفة عن مسئولين مصريين قولهم: إن حكومة مرسي استمرت في تمويل برامج تنظيم الأسرة، إلا أنها نقلت عن خبراء بالسكان أن الحكومة لا تتطرق إلى هذه المسألة كمشكلة ولا ترغب في التركيز عليها، على عكس النظام القديم الذي كان يولي اهتماماً بها إلى حد ما، من خلال الاهتمام بأدوات تنظيم الأسرة ووزارة الصحة والسكان. ومن هنا سوف نركز على القضية الأخيرة من خلال سؤال مؤداه: هل الزيادة السكانية عقبة، أم مصدر قوة للدولة المصرية؟. زيادة متفاوتة عادة ما كان النظام السابق، يؤكد على أن زيادة السكان، أبرز المشاكل في مصر، نظراً لتداعياتها على قضايا أخرى تتصل بالأمن الغذائي والإسكان والصحة والمواصلات وتلوث البيئة، علاوة على المديونية الدولية والاعتماد على الاستيراد لسد حاجة السكان، ومن خلال النظر في معظم الإحصائيات، نجد أن هناك زيادة متفاوتة في عدد السكان في مصر، حيث أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي عدد سكان مصر بلغ في أول مايو2008 نحو (78.7) مليون نسمة، وبلغ تعداد مصر (76.7) مليون نسمة، وفقاً للنتائج النهائية للتعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت لعام 2006، أي بزيادة قدرها (15) مليون نسمة بنسبة (24%) عن تعداد عام 1996. كما أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن محافظة القاهرة تأتي في المركز الأول من حيث عدد السكان ب(6.7) مليون نسمة، تليها الشرقية (5.3) مليون، ثم الدقهلية (4.9) مليون. وأعلن أن عدد العاطلين بلغ (2.1) مليون نسمة، وعدد المشتغلين (19.8) مليون من إجمالي قوة العمل البالغة (22) مليون نسمة. تغذية سريعة ومن هذا نجد أن تحت ضغط الكثافة السكانية المرتفعة، ونتيجة التغذية السريعة والمستمرة لجانب العرض في سوق العمل، توجد أعداد كبيرة من الأيدي العاملة دون توافر فرص عمل إضافية تستطيع استيعابها، فتحاول الحكومة توظيف أكبر قدر من العمل المعروض، ولكن هذا يكون على حساب الكفاءة الإنتاجية، وهو ما يبعد الاقتصاد المصري أكثر عن التوزيع الأمثل للموارد، وبالرغم من محاولة الحكومة في إحلال العمل محل رأس المال، إلا إنها تواجه صعوبات في ذلك تتمثل في تناقص المعدل الحدي للإحلال وانخفاض مرونة الإحلال بين عنصر العمل ورأس المال. انعكاسات سيئة ومن هذا المنطلق، يشير هذا الاتجاه إلى أن المشكلة السكانية في مصر لها انعكاسات سيئة على الاقتصاد المصري - ومن ثم فهي عيب وليست ميزة - حيث تؤدي إلى ابتلاع جزء كبير من الزيادة في الإنتاج، دون تحقيق تحسن في متوسط الدخل الحقيقي للأفراد، مما يؤثر سلبياً على عمليه التنمية الاقتصادية، كما تزيد أيضاً هذه المشكلة درجة الاختلال بين الموارد البشرية والموارد الأخرى غير البشرية، فالسكان يتزايدون بمعدلات سريعة عكس الموارد الأخرى الطبيعية والفنية والمادية، مما يحدث اختلالات خطيرة في الكيان الاقتصادي، فيحدث اختلال في سوق العمل وفي سوق المنتجات وفي ميزان المدفوعات. فنتيجة الزيادة الكبيرة في عدد السكان، يحدث فائض عمل كبير يدفع بالبعض إلى التكدس في أنشطة تقبل ذلك، حتى ولو كانت معدومة الإنتاجية، ومن هنا تظهر البطالة المقنعة عند ما لا يوظف عنصر العمل بشكل كفء، مما يقلل من قدرته على الإنتاج. نظرة سلبية في حين يوجد فريق آخر يرفض هذه النظرة السلبية للزيادة السكانية، مدللا ًعلى ذلك بدولة الصين، والتي استطاعت أن تتعامل مع هذه القضية باعتبارها ميزة وليست عيباً، ومن ثم تجاوزت هذه المشكلة، وأصبحت من مصاف الدول المتقدمة رغم الزيادة السكانية الهائلة بها. ومن هنا ينتقد هذا الاتجاه (ويمثله حزب النور السلفي)، أي محاولات تسعى إلى تقليل الزيادة السكانية من خلال (برامج تنظيم الأسرة بموانع الحمل وخفض عدد المواليد باعتباره اهتماماً مفروضاً من الخارج). وكثيراً ما يعلن على أن المشكلة ليست في الزيادة السكانية بل في الإدارة، واستغلال الموارد، مشيراً إلى أن سكان الصين أكثر من مليار، ولكن لديها إدارة جيدة واستغلال حسن للموارد. ومما سبق نجد أن هذه الظاهرة رغم محاولة البعض تصويرها على أنها إحدى أبرز المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري، غير أن هذا ليس صحيح، فهي تعتبر ميزة كبيرة ومورداً مهماً للدولة، ولكن بشرط الاستفادة والاستغلال الجيد لكافة الموارد الاقتصادية، وحسن توزيعها، فهل ينجح الرئيس مرسي في الاقتناع بهذا الرأي، أم سيخطو على خطى النظام السابق، ويعتبر ظاهرة الزيادة السكانية أم المشاكل للاقتصاد المصري؟.