مع بداية فتح باب التسجيل في الانتخابات الإيرانية لخلافة الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" المقررة في الرابع عشر من يونيو المقبل، وفي ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات سياسية ناتجة عن الدعم الإيراني لنظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، يبقى الصراع على السلطة في "إيران" أسيراً للعديد من الفرص والتحديات، فعلى الرغم بأن المحافظين يبدون في موقع قوة للفوز بهذه الانتخابات من جديد، إلا أن بعض الإيرانيين يرون فيها بصيص أمل قد يدفع نحو إنعاش الحركة الإصلاحية، وتحسين علاقات بلادهم مع الغرب، بعد ما تدهورت كثيراً في ظل حكم المحافظين. ملفات شائكة ويبدو المشهد السياسي في "إيران"، منقسماً بين تيارين هما اليمين المحافظ واليسار الإصلاحي، الأمر الذي انعكس بالطبع على التوجه الخاص بكل تيار سواء على الساحة الداخلية أو الإقليمية أو الدولية. فعلى المستوى الداخلي انتقدت معظم التيارات والجبهات المتنافسة السياسة الاقتصادية للحكومة الحالية، كتطبيق خطة رفع الدعم عن بعض السلع الإستراتيجية التي كان يفترض أن تخفف العبء عن ميزانية الدولة، وتخفف من الفروقات الطبقية، إلا أنها ساهمت في ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم. وعلى المستوى الدولي رغم استبعاد أن يتحدث المرشحون الرئاسيون عن الملف النووي، لأنه ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية، وإنما من صلاحيات المرشد الأعلى ومجلس الأمن القومي، يبدو أن المزيج من الضغوط الدولية الشديدة ذات التأثير الكبير على الاقتصاد الإيراني ومن ثم على المؤسسة الإيرانية، قد أدى إلى فتح كافة الملفات الشائكة بين أطراف الصراع على السلطة. وفي الوقت الذي عبر فيه الرئيس الإيراني الحالي "أحمدي نجاد" عن رغبته في تطبيع العلاقات مع "الولاياتالمتحدة" لتفادي فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، ينظر المعارضون من التيار الإصلاحي إلى هذا الاعتراف على أنه بمثابة إشارة ومبرر للتراجع عن موقف "إيران" الحازم والقوي بشأن برنامجها النووي من قبل حلفائه الإصلاحيين سابقاً، والذين ينتقدونه اليوم. أما على المستوى الأكثر تعقيداً والتباساً وهو المستوى الإقليمي، فثم حقيقة أنه في الآونة الأخيرة دخلت الدول العربية كطرف جديد في المعادلة بعد تطورات الموقف الإيراني من بعض قضايا المنطقة التي تهم البلاد العربية خاصة في منطقة الخليج، واحتلالها لجزر الإمارات الثلاث واتهامها بالوقوف وراء تحريض المعارضة في "البحرين" و"اليمن"، إضافة لدعمها لنظام الرئيس "بشار الأسد" الذي يواصل قمع الثورة السلمية في سبيل البقاء في السلطة. سيناريوهات الخلافة وفي ظل هذه التداخلات الإقليمية والدولية تأتي أهمية بل وخطورة وضع السيناريوهات الخاصة بالخريطة السياسية في "إيران"، التي هي بلا شك غاية في التعقيد مع زيادة حراك الوضع الداخلي الذي أفرز العديد من التيارات داخل الوسط السياسي الإيراني، بجانب زيادة تداعيات الوضع السوري والهجوم الإسرائيلي الأخير على "سوريا"، فضلاً عن فشل المفاوضات الأخيرة حول البرنامج النووي الإيراني مع الدول الغربية. وعلى الرغم من ذلك قد تصب بعض التوقعات الأولية لصالح المحافظين المقربين من المرشد العام "علي خامنئي" أكثر من غيرهم؛ لأنهم حصدوا عدداً كبيراً من مقاعد البرلمان في انتخابات مجلس الشورى العام الماضي. أما التيار الإصلاحي الذي غاب عن ساحة العمل السياسي طوال السنوات الأربع الماضية، وشارك برعونة في انتخابات البرلمان الأخيرة، ولم يحصد مقاعد تذكر، فيسعى لاغتنام فرصة الانتخابات الرئاسية المقبلة للعودة إلى المشهد. ومن المعروف على نطاق واسع أن "أحمدي نجاد" يدعم صهره "إسفنديار رحيم مشائي" ليحل محله في منصب الرئيس، ويتصور بعض المراقبين أن "أحمدي نجاد" يخطط لإعادة السيناريو الروسي "بوتين وميدفيديف" لتداول السلطة، إلا أنه من المستبعد كما يرى الخبراء أن يصادق مجلس صيانة الدستور الذي سيقر القائمة النهائية من المرشحين، على ترشيح "مشائي". وفي ظل تواتر الأنباء عن دخول بعض الشخصيات أمثال الرئيس السابق "محمد خاتمي" والرئيس الأسبق "هاشمي رافسنجاني" يبقى السباق الرئاسي أقل حمية. ورغم صعوبة التكهنات المتعلقة برسم وتحديد الشكل النهائي للانتخابات الإيرانية المقبلة، قبل أن يختار "مجلس صيانة الدستور" المرشحين بصورة نهائية، يمكن الاستناد إلى أن التنافس بين التيارات المختلفة بأنه ستكون هناك ثلاثة فصائل رئيسة متنافسة، وهي الإصلاحيون، والإصلاحيون الملتزمون، والإدارة الحالية المدعومة من الرئيس "نجاد"، بدلاً من المحافظين والإصلاحيين التقليديين، إلا أنه لا يزال هناك بعض القضايا الجوهرية في السياسة الإيرانية تتعلق إحداها بتطورات الأحداث في المنطقة وخاصة المشهد السوري، والأخرى داخلية تتمثل في الكيفية التي سيدير بها المرشد العام للثورة الإيرانية "علي خامنئي" الانتخابات الرئاسية المقبلة، بما يملكه من محورية في الكثير من القضايا الجدلية في الجمهورية الإسلامية. بدائل الخليفة ومن جهة أخرى ، يثور التساؤل عن مدى تطويع وضع المعارضة مع السلطة في "إيران" للوصول إلى حل، مع عدم وضوح الرؤية حول إمكانية تأسيس نظام يضمن مشاركة المعارضة الفعلية، أم تعميق القطيعة. وتبقى القناعة بأن "إيران" على مفترق طرق، فإما أن تجتاز هذه المرحلة بأمان، أو تشتعل نار الصراع السياسي لتتأزم معها الأوضاع الداخلية، خصوصاً في ظل فشل مباحثاتها النووية مع الغرب، ومع اشتداد التداعيات في المنطقة وقرب سقوط نظام "الأسد"، الذي باتت أيامه في السلطة وإن طالت معدودة.