ارتدى نابليون زيا شرقيا للاحتفال بالمولد النبوى اشتق الفرنسيون من المصريين مصطلح "الغول" كتب نابليون قصة عربية بعنوان "قناع النبى" "فى مصر قضيت أجمل السنوات ، ففى اوروبا الغيوم لا تجعلك تفكر فى المشاريع التى تغير التاريخ ، أما فى مصر فإن الذى يحكم بإمكانه أن يغير التاريخ " هكذا تحدث نابليون بونابرت عن مصر. تحل اليوم الخامس من مايو ذكرى رحيل نابليون بونابرت وبالتحديد عام 1821، وبالرغم من ذلك إلا أن الحديث عن الأسطورة النابليونية صاحبة أعظم الانتصارات وأعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ لا يتوقف ، ولا تزال الدراسات تتوالى حول الغزو الفرنسي لمصر ؛ لتميط اللثام عن بعض المعلومات الجديدة ، أو تعيد تأويلها بوجهات نظر متباينة ، فكتب المؤرخ الفرنسي جان جاك لوتى المتخصص فى الأدب والتاريخ عنه ، ولكن بطريقة مختلفة حيث تعمق فى الوضع الداخلى لمصر فى نهاية القرن الثامن عشر فى كتابه "نظرة على مصر فى زمن بونابرت" الذي نقلب صفحاته في هذه السطور . ملابس المصريين أبدى لوتى بعض الملاحظات عن ملابس المصريين في زمن بونابرت حيث أنهم لا يعرفون الموضة ويفضلون اللون صارخا خصوصا النساء ، علما بأنهن لا يرتدين تلك الألوان إلا بداخل المنزل فقط ، لأن العرف يفرض عليهن ارتداء الملابس السوداء أو الداكنة عند الخروج من المنزل . كما أن السمة المميزة للملابس فى الشرق هى أنها فضفاضة ، وعندما يرى الشرقى أحد الأوربيين مرتديا بنطلونا قصيرا ، فإنه يسأله بدهشة "هل لديكم نقص فى القماش حتى تقتصدون فيه لهذه الدرجة ؟ " أما الرجال فكانوا يرتدون فى الصيف ملابس من الكتان ، وفى الشتاء يرتدون قميص طويل ينزل حتى الكعب، وصديرى صغير وجلبابا، وتختلف الملابس حسب مهنة الشخص والمكان الذى يوجد فيه ، فالجناينى يرفع كمى الجلباب ويثبتهما برباط خلف ظهره ، والفلاح يرتدى قميصا من الكتان الخشن أزرق اللون ، أما السكندريون فيرتدون سترة قصيرة وسروالا على الطريقة اليونانية ، وكان الرجال يرتدون الطربوش على رءوسهم . كانت العمامة تسمح للرائى بأن يتعرف من أول نظرة على صاحب العمامة ، لأن لونها وطريقة لفها يحددان المرتبة الاجتماعية والعمل و الدين ، فالعمامة التى يرتديها المسلمون إما بيضاء أو حمراء ، أما لون عمامة اليهود تكون بنية أو مائلة للصفرة ، أما المسيحين فعمامتهم زرقاء . وبالنسبة لبونابرت فإنه لم يستنكف من أن يرتدى الزى الشرقى ، فقد ظهر يوم 20 أغسطس 1798 مرتديا زيا شرقيا ، وعلى رأسه عمامة ومنتعلا بُلغة ، وذهب إلى الأزهر بهذا الزى للاشتراك مع المشايخ فى الاحتفال بذكرى مولد النبى ، وانتهز رسامو الكاريكتير الإنجليز هذه الفرصة للسخرية من نابليون إلا أنه لم يكترث لذلك . الدور الاجتماعى للمقاهى كانت المقاهى تؤدى دوارا اجتماعيا مهما فى حياة المصريين، مثل دورها فى فرنسا ، فهى أماكن معتادة للقاء والتجارة والاستهلاك ، ووصل عدد المقاهى فى القاهرة إلى حوالى 1200 مقهى تقريبا ، وكان الرجال فقط هم الذين يرتادون المقاهى . ولكل مقهى راوى للسير خاص بها ، وهو الذى يجذب الزبائن إليها بروايته للقصص عن الأبطال الذين سجلوا أسمائهم فى صفحات التاريخ ، وينشد الراوى سيرة عنترة وأبو زيد الهلالى والظاهر بيبرس ، وهو يعزف على ربابته ويقبض أجرته من القهوجى ، ومن بعض المستمعين . وهذه المقاهى لا توجد فيها طاولات ولا زينة ، فهناك أريكة خشبية طويلة تمتد بطول الحائط وعلى الأرض حصير مصنوع من سعف النخيل وسجاجيد رديئة الصنع، ويستهلك المصريون كميات كبيرة من البن ، فقد يستهلك بعض المصريين حوالى عشرة فناجين وربما أكثر يوميا . وتبيع بعض المقاهى الحشيش والأفيون لزبائنها ، والزبائن الأكثر فقرا يتعاطون المخدرات المعجونة بالزيت ، ويذكر أحد الشهود أن ثلثى الحرفيين يتعاطون المخدرات فى المقاهى ، والثلث الباقى يتعاطاها فى المنزل . وبعد استقرار قوات الحملة الفرنسية فى القاهرة ، بدأ الفرنسيين فى فتح مقاهى لاستقبال الجنودفترجمان الضابط الفرنسى فتح مقهى فى حى الحسين ، كان يرتادها الكثير من الجنود الفرنسيين ويقضون فيها جزءا من الليل ، وكانت تقدم عروضا تمثيلية ، وأحيانا تقدم حفلات ليلية راقصة. الفكر فى مصر كان الأزهر هو الدعامة الأولى للفكر فى مصر، حيث تاريخه اللامع والباهر فى جميع أنحاء العالم ، واعتبر واحدا من منارات الفكر الإسلامي، ولكن منذ ذلك التاريخ بدأ الأزهر يغوص ببطء فى الجمود والتقليد والتكرار، فلم يعد يدرس به سوى علوم اللغة العربية والفقه، وأهمل تقريبا تدريس العلوم والرياضيات ، واختفى المعلمون ذوو المكانة العلمية البارزة ، وأصبح الموجودون بها مجرد مرددين لما سبق قوله ، كما اختفى الشعراء من الأزهر ، وظهر ناظموا الشعر الذين برعوا فى التلاعب بالألفاظ . وبالتأكيد فإن آلافا عديدة من الطلاب استمرت فى التدفق إلى الأزهر ، وقد ارتفعت أصوات تحذر المثقفين من تبديد الطاقات لكنها لم تجد أى استجابة ، ولم يفكر أى شخص بالنظر صوب الغرب فهو بالنسبة إليهم موطن الكفر والإلحاد ، ومع ذلك فكانوا يحفظون عن ظهر قلب الحديث النبوى الذى يوصى المؤمنين بطلب العلم ولو فى الصين . أما الدعامة الفكرية الثانية فكانت المعهد العلمى المصرى، وشغلت هذه المؤسسة مجموعة من القصور بالقرب من حى السيدة زينب، وقد تأسس المجمع العلمى بناء على القرار الصادر عام 1798 ، واعتمد نابليون عليه فى حل المشاكل التى تهم الحكومة والإدارة ، وكانت جلساته تعقد مرة كل خمسة أيام ، وظهرت أغلبها فى كتاب وصف مصر ، وكانت فلسفة المجمع تمثل الفكر الفرنسى. المعتقدات والخرافات يشغل الإيمان بالمعجزات جزءا كبيرا من ذهن الشعب، خصوصا لو كان هذا الشعب محروما من العلم ، فالمصريون يؤمنون بوجود جن طيبين وآخرين أشرار، والجن غالبا ما يوجدون على الأبواب والنوافذ ، أما العفريت فهو روح شخص مات ميتة عنيفة، بحجة أن روح هذا الشخص غير مستقرة فتأتى لمضايقة الأحياء ، ولذلك يجب على الممسوس تهدئة هذه الروح القلقة بعمل زار. وكان المصريون يعتقدون أن النساء أكثر عرضة للمس من الرجال لأنهن أكثر حساسية كما كان يعتقد المصريون بوجود الغول الذى يعيش على مص دم ضحاياه ، ومن هذه الكلمة اشتق الفرنسيون كلمة "la goule " التى تطلق على نوع من الإناث تمص دماء البشر ، وكان المصريون يعلقون نبات الصبار فوق أبواب المنازل ، ويدفنون سرا قلامة الأظافر والشعر المحلوق ، لأن هذه البقايا قد يستخدمها شخص ما لعمل سحر مؤذ ضد صاحبها . وتمتد الخرافات لتشمل البشر، فالناس يعتقدون أن الله اصطفى البعض منهم لتبليغ تعاليمه ومنهم الأولياء ، وهناك أيضا المجاذيب الذين يحظون بتكريم خاص فى مصر ، والذين يجلسون بجوار حائط مرددين : "الله الله " طول اليوم ، فيتصدق الناس عليهم . ويضاف السحر والتنجيم إلى مجموعة الخرافات ، فالسّحار يمارس دجله لتقريب المحبين وإبعادهم ، وحتى لتخليص زبائنه من أعدائهم ، ويستطيع أيضا كشف الغيب وإيجاد الأشياء الضائعة بواسطة "فتح المندل" ، كما ينسب المصريون الكثير من الأمراض الذين لا يعرفون سببها إلى الحسد ، ولكى يتقوه يذهبون للساحر لإعطائهم تعويذة وهى عبارة عن حجاب به بعض آيات من القرآن مكتوب على قطعة من الجلد ، ويعتقد المصريون المسلمون أن يومى الثلاثاء والأحد نحس ، وأن اسوأ الأيام هى السبت ، والجمعة هو يوم السعد ، اما المسيحيون فيعتقدون أن يوم الأحد يوم سعد ففيه ولد السيد المسيح ، ويوم الجمعة نحس ففيه وفاته! . وسائل النقل إن الحمير فى القاهرة تماثل عربات الركوب فى باريس ، فالناس يستأجرونها من الميادين العامة لقضاء مشاويرهم ، والأجرة غيرة محددة ، وبصفة عامة فإن الحمير تتصف بالجمال ، ويعتنى أصحابها بها ، ويمتطى المشايخ عادة ظهور البغال ، أما باقى الأهالى فوسيلة انتقالهم الوحيدة هى ركوب الحمير ، كما تنقل الحمير الحمولات الصغيرة من الفواكة والخضروات والأعشاب ، أما الحصان فكان مخصصا فقط لركوب موظفى الحكومة والعسكريين . وكان نابليون هو أول من استخدم عربة يجرها حصان فى شوارع القاهرة ، مما أثار دهشة المصريين الذين لم يسبق لهم رؤية وسيلة انتقال هكذا ، وحينما زار السويس امتطى صهوة جواده واتبعه عربة تجرها ستة أحصنة . والملاحة النهرية ، فكانت تستخدم للمسافات الطويلة، ولعل أغرب وسائل النقل هى وسيلة نقل المنتجات الفخارية ، فكان التجار ينقلون منتجاتهم الفخارية بطريقة التعويم من الصعيد إلى القاهرة والدلتا ، فكانوا يربطون الأوانى الفخارية على هيئة مثلث ، ويضعون فوقها لوحا رقيقا من خشب النخيل يجلس فوقه أحد البحارة ، ويقوم بتوجيه هذا الزورق الصغير بواسطة مجدافين ، وأثناء هذه الرحلة كان البحارة يصيدون السمك بالشباك ، أما لنقل الرسائل ، فاستخدم المماليك الحمام الزاجل الذى كانوا يربونه . المسرح والموسيقى فى مصر كانت فى مصر آلات موسيقية كثيرة ولكنها سيئة الصنع، وأهم آلات الإيقاع الطبل البلدى والرق والنقرزان ، ومن آلات النفخ يستخدم الموسيقيون الناى والمزمار والبوق، أما الآلات الوترية فمنها الكمنجة والعود والقانون. يرقص الأروام في مصر على الجيتاررقصة الروميكا المنتشرة فى جزر الأرخبيل اليونانى ، ولم يكن الأتراك يجهلون الموسيقى العسكرية ، فقد كانوا يبهجون الشعب المصرى بعزفها عند وصول الوالى الجديد . أما المسرح فكان المصريون يجهلوا كل شئ تقريبا عن المسرح الغربى لكنهم عرفوا "خيال الظل" ، ونوعا من مسرح العرائس يقدمه فنانون جوالون يعرضون شخصية الأراجوز ، كما يقدم البهلوانات عروضهم لتسلية الناس باستعراضهم قوتهم وفكاهاتهم ، وأراد بونابرت تسلية الجيش فكلف دارجافيل بتنظيم مكان لذلك ، فبنى مسرح التيفولى على هيئة حديقة انجليزية بها أشجار الليمون والبرتقال والأراجيح ، وطلب نابليون ارسال فرقة للتمثيل . وأخيرا يرى لوتى أن الاحتلال الفرنسى ترك انطباعا عميقا عند المصريين بمروره على ضفاف النيل ، فما زالت الأوساط الشعبية تقول كلام فرنساوى مثل "كلام دوغرى" بدل من كلام صادق وصريح للدلالة على احترام الوعد والوفاء به ، وينهى الكتاب بسؤاله : ألا يعتبر هذا التعبير مجاملة وتحية لبونابرت ورجاله ؟.