لا تزال «العلاقات المصرية الأمريكية»، الموضوع الشاغل للعديد من المحللين والسياسين المصريين، خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وماهي الأسُس التي تبنى عليها هذه العلاقات. وفي هذا الشأن، يرى «محمد المنشاوي»، الباحث في معهد الشرق الأوسط في «واشنطن», أن «النفوذ الأمريكي في مصر» يُقاس من خلال عدد من العوامل، من بينها «السياسة الداخلية المصرية»، و«التمويل»، وحاجة الولاياتالمتحدة نفسها ل «تحقيق الاستقرار» والتعاون في المنطقة، موضحًا أن تفكيك عدد من الأساطير التي تديم فكرة قوة الولاياتالمتحدة، قد يُساعد في تسليط الضوء على حقيقة الوضع. وأستعرض خلال مقاله منشورة له بموقع «المونيتور» هذه الأساطير وأولها هو، أن أمريكا لديها العديد من البطاقات لتستخدمها في التأثير على السياسة الداخلية المصرية، مؤكداً أنه بالرغم من أن مصر أثناء حكم الرئيس السابق «حسني مبارك» قدمت مصالح واشنطن بشأن عدد من القضايا الإقليمية، لكن « مبارك » لم يتردد في تأكيد «سُلطته» على الجبهة الداخلية. وأضاف «المنشاوي» أن هذا النوع من الاستقلالية، ربما ازداد في الفترة بعد الثورة، مكملاً :«المشهد السياسي المحلي الآن يتألف من تحالفات ومنافسين ومفاوضات جديدة جميعهم داخل حدودهم الخاصة»، مشيرًا إلى أن « جون كيري » وزير الخارجية الأمريكي قام بتشجيع المعارضة على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، لكن من المتوقع أنها ستستمر في المقاطعة ولن ينجح الرئيس «محمد مرسي» في الحصول على قرض النقد الدولي، «الضغوط الداخلية هي التي تسيطر هذه القرارات، وليس رغبات واشنطن». أما «الأسطورة الثانية»، فهي أن أمريكا بإمكانها حماية الاقتصاد المصري من أزمته الحالية، قام الباحث بتفنيد هذه الأسطورة عن طريق توضح أن البعض يرى أن المساعدة الأمريكية عام 2012 لمصر دليل على قدرة واشنطن على إنقاذ أمريكا، ومع ذلك فإن البنك الدولي أعلن في 2012 أن الناتج المحلي الإجمالي المصري بلغ 230 مليار دولار، مما يجعل «المساعدة النقدية الأمريكية» غير مهمة للاقتصاد المصري. وأكمل: «البعض يُشير إلى أن نفوذ واشنطن مع صندوق النقد الدولي كوسيلة يمكن بها مساعدة مصر، لكن رغم ذلك فإن حزمة مساعدات الصندوق تأتي بالعديد من العيوب، وسياستها المتعلقة بقطع المعونة لا تعترف بمبدأ الحرية الاجتماعية الذي لعب دورًا بارزًا في الثورة، ونتيجة لذلك فإن القرض هو لغم ل «مرسي» من المحتمل أن يتجنبه. وأضاف: «لا يمكن لواشنطن الضغط على دول الخليج العربي لتمنح أو ترفض منح المليارات من الدولارات كمساعدات لمصر، فتجربة السنوات الماضية أوضحت أنه بالرغم من العلاقة الخاصة بين أمريكا والدول الخليجية، إلا أن واشنطن تحمل سلطة حقيقية محدودة في المنطقة، فهذه الدول لا تخضع لرغبة أمريكا عندما يتعلق الأمر بقضايا تتباعد فكريًا من القوة العظمى مثل الحرب على العراق والأزمة السورية». وأشار: «أما بشأن «الأسطورة الثالثة» المتعلقة بأن مصر تستفيد أكثر في علاقتها مع أمريكا، إن التعاون الأمريكي المصري الذي اختاره المسئولون المصريون بعد حرب أكتوبر، يقدم لواشنطن مصدرًا فريدًا من القوة، مع تمتع مصر بموقف «جيواستراتيجي» متفوق من خلال سيطرتها على قناة السويس. وأكد «المنشاوي» أن كبار المسئولين في إدارة الرئيس الأمريكي « باراك أوباما » يحذرون الكونجرس من تقليل المعونة العسكرية المقدمة للقاهرة، مؤكدين أن مصر هي أكثر الدول التي بإمكانها خدمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، مشددًا على أن أمريكا تستفيد أكثر من الصداقة مع القاهرة، كما أن التغير الأخير في القيادة العسكرية المصرية تزيد من هذا النفع. وتحدث «المنشاوي» أيضًا عن «أسطورة رابعة» متعلقة بأن العلاقات الجيدة مع إسرائيل تضمن رضا واشنطن على حكام مصر، مشيرًا إلى أن مصر تحت حكم «مرسي» تستخدم حتى الآن مع إسرائيل سياسة المواجهة التي كانت مستخدمة تحت حكم «مبارك» والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد التزم كل حاكم مصري باتفاقية كامب ديفيد بدون الحصانة من الانتقادات الحادة التي تصدرها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا مثل الحريات المكفولة للنساء والأقليات. كما أن واشنطن تنتقد بشكل روتيني سياسات «مرسي» غير الديمقراطية مستشهدة بممارسة التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان والرقابة على وسائل الإعلام وقمع السلطة القضائية. وعلى هذا النحو فإن الانخراط سلميًا مع إسرائيل قد يساعد على الحفاظ على رضا الولاياتالمتحدة على قادة مصر لكنه لا يضمن الموافقة الكاملة، فبينما ربما تشعر مصر بالضغط من واشنطن بشأن إسرائيل لا تحصر ذاتها في ضمان حسن النية وربما تختار التعامل بشكل مختلف في المستقبل. وتأتي «الأسطورة الخامسة» والأخيرة التي تزعم أن أمريكا هي التي جاءت ب «مرسي» إلى السلطة وهي التي لديها قدرة على إخراجه بالقوة إذا أرادت ذلك، فأوضح أن واشنطن لم تقم بشخصنة علاقتها الإستراتيجية مع أي طائفة السياسية في مصر، وخلال العامين الماضيين أمريكا استخدمت الإستراتيجية ذاتها التي تستخدمها مع كل حاكم مصري. كما شدد على أن أمريكا لم تتدخل في الانتخابات الرئاسية ولم تدعم مرشح أو جماعة بذاتها ضد أخرى، كاشفًا أن واشنطن ليس لديها قوة السيطرة على نتائج الانتخابات المصرية. في النهاية خلص «المنشاوي» إلى أنه بينما يخلق المصريون نظامًا جديدًا اختار النقاد في القاهرةوواشنطن إنكار هذه الحقيقة وقدرة المصريين على خلقها، ويفضل البعض في واشنطن الاستمتاع بوهم أهميتهم الخاصة مهددين بمنع المعونة عن دولة يحتاجونها ربما أكثر من احتياجها لهم.