لا جدال فى أن حكومة د. محمد مرسى عليها أن تبذل كل مافى وسعها لإنقاذ الاقتصاد المصرى بأى ثمن .. ومن ثم فإن أى أموال تجلبها الحكومة أو الرئيس هى جهد مشكور ويستحق الثناء بشرط أن نعلم المقابل الذى سندفعه فى مقابل هذه النقود أو الودائع.. الأسبوع قبل الماضى حصلت مصر على ودائع من قطر فى صورة شراء سندات مصرية بقيمة 3 مليار دولار وبهذا يرتفع حجم الأرصدة القطرية فى الاحتياطى الأجنبى لمصر ليصل إلى نحو 8 مليارات دولار ،,وهو الرقم الأكبر حالياً الذى يبلغ بعد إضافة مساعدات قطر وليبيا إلى نحو 18.4 مليار دولار..
كل الشكر لقطر على اسراعها لنجدة دولة عربية كبيرة تجد صعوبة فى توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها .. لكن الكرم القطرى لا يمنعنا من إبداء بعض المخاوف خصوصاً وأن شراء قطر لسندات خزانة مصرية بالدولار هو دين علينا وليس منحة أو وديعة .. والسندات لها وقت استحقاق لاستردادها وسواء كان هذا الوقت ثلاث أو خمس سنوات أو 18 شهراً كما تقول الشائعات ، فسيجىء يوم علينا أن نسدد فيه 8 مليار دولار لقطر مع فوائدها التى لا نعلم حتى الآن كما هى على وجه التحديد .. الأخوان المسلمون يقولون أنهم لا يقبلون التسديد بفوائد ويطلقون عليها اسم دلع هو "مصاريف إدارية" لكن تسريبات خرجت من قطر أكدت أنها ستكون 4.5 % سنوياً؟!
ولكن إذا تكلمنا اقتصادياً عن المساعدات القطرية التى أنقذتنا بصراحة من الإفلاس ، فلابد أن ندرك عدة حقائق أهمها أن هذه المعونات على أهميتها لنا إلا أنها تعد قروضاً بالمعنى الحرفى للكلمة .. والحقيقة أن من يريد المساعدة يقدم منحاً لا ترد أو استمارات مباشرة ..
أن أى احتياطى نقدى لأى دولة فى العالم يدل على قوة الدولة اقتصادياً .. والاحتياطى القوى هو ما ينتج عن الصناعة والتجارة والسياحة والتصدير والاستثمارات .. وأخشى ما أخشاه أن تكون "الطنطنة" التى صاحبت شراء أذون الخزانة المصرية هى نوع من الدعاية الانتخابية , وإن كنت أقدر تدخل قطر السريع لإنقاذنا ..
إن أكثر من 75% من احتياطى النقد الأجنبى فى البنك المركزى هو ديون أجنبية ،الجزء الأكبر لقطر ثم هناك مليارين من الدولارات من ليبيا ومليار آخر من السعودية ومليار من تركيا ..
مرة أخرى أننى لا أقلل من شأن المساعدة القطرية للاقتصاد المصرى , لكننا أصبحنا ضعفاء لدرجة أن الاحتياطى النقدى المصرى أصبح مملوكاً لأجانب .. إننا مثل من يقوم بالاستدانة لجمع النقود فى دولاب منزله ليكون مطمئناً أن بمنزله اموالا تساعده فى وقت الحاجة..
فلو قام هذا الشخص بالإنفاق من تلك النقود فسيتعرض لبيع منزله كى يسدد هذه المبالغ..
الحكومة المصرية الآن تعرضنا لخطر بيع مصر ، فقطر لم تقدم لمصر منحة لا ترد بل منحتها أذون خزانة بالدولار لمدة تتراوح ما بين عام إلى عامين .. بعدها ستطالبنا قطر بسنداتها وفوائد تلك السندات .. ولأن هذه السندات بضمان الحكومة فليس أمامنا سوى حلين الأول أن نرد هذه المبالغ لقطر وهذا أمر مستحيل فى ظل ما نعانيه من تدهور اقتصادى وتوقف عجلة الإنتاج والتصديبر وتراجع السياحة إلى مليون سائح فقط بعد 14 مليوناً..
الحل الثانى أن يتم منح قطر امتيازات استثمارية واحتكارية لبعض الصناعات وأراضى فى المناطق التى تحددها الدوحه لصالح التوسعات التى تسعى إليها..
إن أكثر ما يثير قلقى فى المساعدات القطرية أنها "غامضة" ,ولا نعرف شيئاً عنها ، بعكس قرض صندوق النقد الدولى الذى طالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية وأكد على رفع الدعم عن السلع الأساسية والخدمات وزيادة الضرائب وتعويم الجنيه .. وكلها إجراءات تقشف سنعانى منها طويلاً ، لكن على الأقل عرفنا أن هناك دواء مراً وعلينا أن نتجرعه!
لكن القرض القطرى تحيطه الدعاية أكثر من التفاصيل ، والتهويل أكثر من الحقيقة .. ولأنه جاء فى توقيت نحن أحوج مانكون فيه إلى كل دولار ، فلابد أن نسارع بالشكر والثناء بدلاً من الأسئلة السخيفة والشكوك وأحاديث "الفلول"..
لكن هل غابت عن الحكومة هذه المعلومات وغفل عنها رئيسها د. قنديل وهو يجرى الاتفاق مع قطر؟! بالطبع لا فالحكومة تعى جيداً المخاطر وعواقبها وربما لا يكون هناك سبيل آخر لإطعام المصريين واستيراد السلع الأساسية غير هذا الطريق ، غير أننى لا أهمل الجانب السياسى فى الموضوع والتوقيت المحكم لوصول سفينة "الإغاثة" القطرية لشاطيء الاقتصاد المصرى..
الحكومة مقبلة على فصل صيف يمكن أن يكون ساخناً ويلهب المصريين من خلال انقطاع الكهرباء ونقص السولار اللازم لتشغيل محطات الكهرباء والمياه بالإضافة لاحتمال ارتفاع جديد فى أسعار السلع قبل رمضان..
الحكومة اختارت "الحقنة المؤلمة" لتستطيع توفير احتياجات المواطنين لأن هذا الصيف هو أهم فصل عند الإخوان حيث يعقد فى نهايته الانتخابات البرلمانية التى يشعر الإخوان أنهم لن يفوزوا بها بنفس النسبة السابقة ، خصوصا بعد أن اخفقوا عدة مرات فى حل مشاكل السولار والغاز واسطوانات البوتاجاز ورغيف الخبز وعدد لا حصر له من الأزمات التى أتضح أنهم لا يملكون خططاً أو موارد لإنهائها..
نعم أكرر أن أهم انتخابات فى تاريخ الإخوان هى التى ستعقد فى أكتوبر القادم .. وفيها لن تجدى شنط رمضان وحصص السكر والزيت والأرز التى اعتادوا أن تكون رشاويهم الانتخابية .. الشعب يريد أكثر ، حتى أتباعهم الذين صوتوا لهم فى المرات السابقة ربما يفكرون أكثر من مرة قبل اختيار نواب من الإخوان "فالفقر والبطالة "وانعدام الخدمات أقوى من مبدأ "السمع والطاعة"..
من هنا فإن القرض القطرى سيكون بمثابة "طوق نجاة" للإخوان ليعبروا به صيف الأزمات ليصلوا إلى مجلس الشعب .. وهناك ستصدر التشريعات التى تنفذ خطه التمكين الإخوانية ويتم تمرير كل القرارات ومشروعات القوانين التى يطلبها صندوق النقد الدولى للحصول على القرض ..
وبتعبير آخر ، فإن المساعدات القطرية لها هدفان الأول تمكين الإخوان من الفوز بأغلبية ولو ضئيلة فى مجلس الشعب لتكون لهم الغلبة فى تمرير القوانين وتعويض قطر بمزايا فى الاستثمار والمشروعات فى حال عجز مصر المتوقع عن سداد ديونها لها .. والثانى هو التمهيد للموافقة على قرض الصندوق الدولى فى مجلس الشعب رغم كل ما فيه من إجحاف وتعجيز للمواطنين فى مصر..
إذن السياسة كانت أهم من الاقتصاد فى صفقة شراء أذون الخزانة المصرية .. السياسة انتصرت على نظريات الاقتصاد لأن السياسة وإن كانت فن الممكن ، إلا إنها إذا ما وضعت فى مجال اختيار بين أمرين كلاهما مر فستختار ما يحقق مصالحها قبل مصالح الشعب.. لأن "الكرسى" له سلطه براقه تخضع امامها الروؤس وتنحني الهامات وفى أحيان كثيرة يصبح الكرسي أهم ممن يجلس عليه .. وهو بالمناسبة "الجماد" الوحيد فى العالم الذى يتحكم فى أصحاب العقول..
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه