في إحدى قاعات الفنون التشكيلية الكبيرة في مدينة "الرباط" بالمغرب، والتي يرى المارين بالشارع إحدى اللوحات المعروضة فيها بواجهة القاعة من بعد يتزايد عن مئات الأمتار حيث تسلط الضوء عليها ليلا، استضاف رواق "باب الرواح" معرض الفنان عبد الرحمان رحول، الذي ضم مجموعة من أعماله في مجالي التصوير والنحت. قدم الفنان مجموعة من اللوحات التي تعبر عن المدينة بأسلوبه الخاص، وألوانه الزاهية والصريحة، ذات ملمس لوني أشبة بالملمس الرملي. كما أنه رسم الأشخاص برؤية تجريدية مثلما قدم المدينة، لم يهتم خلالها بالمنظور، ولكن بدت أشكال المباني والأشخاص مسطحين في اللوحة، معتمدا على تقسيم العناصر إلى مساحات هندسية تتنوع فيها درجات اللون. أما المنحوتات فكان أغلبها بخامة البرونز تناول فيها الأشخاص سواء في مجموعات أو فرادى، غير مهتم بالتفاصيل الدقيقة للجسد والوجوه، مبرزا علاقات حميمية بين تلك الشخوص التي تلتصق خطوطها مع بعضها البعض؛ لتصبح كيانا واحدا وكأن الأشخاص يذوب كل منهم مع الآخر في تكوين حر يعتمد على انسيابية الخطوط وعضويتها. قال الناقد محمد زفزاف عن الفنان رحول أنه يجمع بين ما هو موروث حضاري وما هو مولود من الرغبة في التجديد والتطوير.. أي بين ما هو علمي يضبط أسس البناء الشكلي في العمل الإبداعي وما هو عملي في رصد معطيات المنظور من الأشياء بواسطة النظرة الثاقبة لمفهوم الجمال، والتي تعكس اهتمام الذات ورغبتها في تحريك المتجمد وتحويل المتخيل إلى تراكيب ملموسة وأنماط جسدية قابلة لإحداث تحولات جمالية في شكل وباطن الأنماط. أضاف زفزاف بأن رحول يجمع بين الرسم الذي يوظف فيه فكرته عبر اللون والظلال وهاجس الحالة الإبداعية، وبين النحت والخزف وتسخير العناصر المهيأة لطبيعة كينونة الأرض والمتوفرة بشكل من أشكال مخاضات التجادب والتفاعل بين الطبيعة والإنسان؛ لخلق الامتداد المكون لفضاء التجانس الحسي والجمالي والتعايش البيئي من خلال استحضار المقدارت التقنية على إفراز أوجه التعبير المتناغم الذي يعكس في واقع الأمر قدر سيطرته على نسج نماذج وعينات تشكيلية متفردة بكل دلالاتها وإيحاءاتها وإيماءاتها المستمدة أصلا وبالضرورة من قناعته واختياره لأسلوب ولغة الحوار.
أما النقاد أدريس الخوري فقال أن عبد الرحمان رحول يتابع مسيرته الفنية ببطء مشكلا فضاءه الخاص ضمن زملاءه رابطا بين مخزونة البصري الواضح بالبعد الواحد وتجربته اليدوية في مجال النحت والرسم معا.. يرسم دوما مجالين فضائيين معينين المكان، والكائن المكان كوعاء بيئوي يتنفس مناخا بطيئا من خلال عناصره المتشابكة، والكائن المرتبط بهذا الوعاء البيئوي – هندسي حيث ترتبط وتستحيل العلاقة المشتركة الممكنة. واصل الخوري: بنايات متعددة ومستديرة، قبب معلقة فوق أسطح مقببة كل هذه الأشياء تبدو كما لو كانت من كوكب آخر، إنها أشبه ما تكون بالمدينة الإسلامية ذات المعمار الإسلامي الخاص. وفي النحت والرسم عند رحول لا فرق، ثمة علاقة مشتركة بين الاثنين غير مقطوعة، وعندما ينجز أعماله السيراميكية فإنما ينجز أيضا رسوماته الزيتية على القماش نفس الموضوع لكن بصيغة أخرى، وهكذا يتكامل النحت والرسم عند رحول ويحقق بهما توازنا داخليا وخارجيا، الشيء الذي يعطيه استثناء بين زملاءه. يذكر أن "باب الرواح" شيد سنة 1197 من طرف الخليفة الموحدي يعقوب المنصور، ويعتبر من أفخم الأبواب الخمسة التي تحيط بأسوار مدينة الرباط وأكثرها زخرفة. يبلغ طوله 28م وعلوه 12م. ويفضي "باب الرواح" إلى أربع قاعات مربعة الشكل طول ضلعها 5,65 م، وهي تتصل ببعضها بواسطة بهوين من 4,60م على 2,20م .شرع في استغلال هذا الباب كرواق للمعارض منذ أوائل الستينات، وفي سنة 1968 تم إنجاز أول ترميم ل"باب الرواح" حتى يكون صالحا للقيام بمهمته كفضاء للعروض التشكيلية. ومنذ ذلك التاريخ تلاحقت فيه المعارض الوطنية والعالمية مما جعله يحظى بشهرة كبيرة. وقد عرف "باب الرواح" آخر ترميم وتجهيز له في سنة 2001؛ حيث فتح أبوابه في شهر أبريل لسنة 2002 بجزء من معرض الفنان التشكيلي المغربي محمد القاسمي.