مهرجان الإبداع التشكيلي الأول .. ماذا قدم للفنانين ؟ شهدت مصر للمرة الأولى مهرجانا تشكيليا ضخما ضم جميع الفنانين من مختلف الأعمار ، نظمه قطاع الفنون التشكيلية تحت رعاية وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني تحت عنوان "مهرجان الإبداع التشكيلي الأول" ، والذي أهدته وزارة الثقافة لروح الفنان الكبير الراحل "صلاح طاهر " . الفنان محسن شعلان محيط : رهام محمود المهرجان ضم ثلاثة فعاليات "معرض صالون مصر, المعرض العام وسوق الفن التشكيلي, معرض صالون الشباب الثامن عشر "مسابقة العمل الفني, مسابقة العمل الجداري", وتوزعت في أكثر من سبعة قاعات مختلفة بالقاهرة والإسكندرية . ومن بين جنبات "المعرض العام وسوق الفن التشكيلي" كانت جولتنا الأولى ، حيث استضافه قصر الفنون ، ويعد هذا المعرض مقياسا صادقا لقراءة التغيرات التي تطرأ على الحركة التشكيلية المصرية. تم اختيار أعمال الفنانين المشاركين الذين تعدوا سن ال35 من قبل لجنة تكونت من ثمانية أعضاء, فرزت 666 عملاً ل 363 فناناً, قبلت منها 495عملاً ل308 فناناً, وكان ذلك في مجالات الفن . خرجت بعض أعمال النحت في هذا المعرض إلى ساحة الأوبرا أمام قاعة العرض "قصر الفنون", حيث كانت تتمتع بأحجام كبيرة وخامات مختلفة, فمن بين هذه الأعمال ما قدمه الفنان السيد عبده سليم الذي تضمن فكرا فلسفيا حول ما يدور بعقل الإنسان, حيث شكل بورتريه "وجه إنساني" بحجم كبير جدا وفيه تحولت الرقبة إلى سلالم تتوسط الرأس المنقسم إلى قسمين, في وسطه يشكل الفنان مشهدا جديدا وهو النصف الأمامي من سيارة يقودها شخصان ينظران من فتحتي العين الفارغتين, وكأن الفنان يوحي بأن هذا البورتريه لشخص يقوده بعض الأفراد ويسوقون عقله وأفعاله.
الفنان عبد المنعم الحيوان رئيس قسم النحت بكلية الفنون الجميلة سابقا قدم عملين من خامة البوليستر احداهما لامرأة تسير مرتدية فستاناً يظهر براعة الفنان في تشريح الجسم المدروس بإتقان شديد, عمل للنحات عبد المنعم حيوان
مع الالتزام بالنسب الكلاسيكية, في حين أن المنحوتة الثانية للفنان تمثل مشهداً لقطعة أرض زراعية مستطيلة ومحروثة ، والتي أضاف لها الفنان بعض الملامس الموحية برائحة طين الأرض الزراعية, يتناثر فوقها مجموعة من الفؤوس تشكل عصيانها تكوينا تشكيليا محكما وكأنها تعلو نحو السحاب, كما يوحى العمل بوجود الحدث "وهو حراثة الأرض" رغم غياب الأشخاص. وقد تأثر الناقد إبراهيم عبد الملاك بالفن الفرعوني حيث ظهرت بورتريهاته المنحوتة مستوحاة منها, كما أنه استخدم اللون البني في طلائها ليسكب عليها الروح المصرية القديمة, أما أسامة السروي فعبر في منحوتاته عن راقصات البالية حيث صور فتاه باليه طائرة في الجو مع استمرارها في ممارسة الرقص. وفي الرسم جردت الفنانة شادية القشيري ملامح الوجه البشري لتصبح أقواسا أومستطيلات مختلفة الأطوال والأحجام, حيث تحررت من الإطار الخارجي للوجه, وتعاملت معه كعناصر تشكيلية, مهتمة بالتفاصيل, فجردت الأهداب لتصبح خطوطا, والأنف مستطيلا وفتحتيه مربعين, والعيون مستطيله أو مربعة, فحولت ملامح الوجه إلى عناصر تشكيلية تخدمها في تكوين بنائيات معمارية ترمز إلى الإنسان بوجه عام, كما استخدمت أقلام الباستيل البيضاء على الورق الأسود, التي أدت إلى خلق ملامس على سطح اللوحة, ساعدت في إثراء عملها الفني. وفي مجال التصوير استخدم الفنان أحمد الجنايني ألوان الأكواريل في لوحاته المائية الكبيرة, حيث تعامل في تجربته مع الإنسان الذي ظهر بشكل سريالي مائل إلى التجريد, فقد صالح الجنايني بين المدارس الفنية, والعديد من الخامات على المسطح الواحد "اللوحة", مع احتفاظه بشفافية خامة الأكواريل بحيث تكون هي سيدة تلك الخامات, يقول الفنان: أنه يحاول في تجربته أن يأنسن كل شيء حوله ليقترب الإنسان من إنسانيته. واجه الفنان أحمد جلال الحروب والقسوة بلوحته والتي تميل للتجريد التعبيري, نشاهد تلك اللوحة حيث إنسان يقف في أحد أركان اللوحة وسط صراع لوني بين الساخن "البرتقالي الناري", والبارد "الأزرق", كما أضاف الفنان بعض الحروفيات للتكوين, أما الفنان جمال عبد االناصر فاهتم بالتشكيل ولغة الجمال في أعماله المعروضة والتى حازت على إعجاب وزير الثقافة المصري وقدم قطعة نحتية , ولوحة تصوير تعبر عن علاقة الحب بين الرجل والمرأة. في الجرافيك استخدم سامي بخيت الرموز الشعبية في لوحاته الزخرفية الدقيقة, بينما جرد صلاح المليجي موضوعاته المستوحاة من الطبيعة لتظهر بشكل مبسط أبيض وأسود في زهد من اللون, لوحة لصلاح المليجي بينما اختار الألوان البنية بدرجاتها في لوحات الرسم التجريدية التى استخدم فيها الاحبار الملونة على الورق, حيث تداخلت الألوان البنية مع البيج لتنتج تكوينا لونيا محكما, مندمجا بالرموز والخطوط العضوية الزرقاء التي توزعت على اللوحة بدقة شديدة, كما عمد الفنان لوجود مساحة فاتحة اللون في النصف السفلي من اللوحة لتنشأ علاقة بين الفاتح والغامق تعطي راحة للعين. استوحت زينب محمد سالم خزفياتها من الأشجار والنخيل, كما أنها استخدمت التقنيات المختلفة في التشكيل, وأضافت أكثر من ملمس على أسطح أشكالها لتوحي بملمس الشجرة الخشن, مع استخدامها أكثر من لون للعمل الواحد. جداريات ربطت الفنان برجل الشارع ننتقل لمسابقة العمل الجداري الذي ساهم مساهمة كبيرة في تجميل واجهة الشارع المصري واقترب العمل الفني من الجمهور واحتك به مباشرة . تم اختيار أربعة فنانين للفوز بالجائزة الكبرى للعمل الجداري, وتقدر بجائزتين بقيمة 20000جنيه لكل جدارية بالإضافة إلى شهادة تقدير ، والفائزون هم : الفنان محمد خفاجي, وشادي أديب لعمل جدارية سور شارع السودان, والفنان أحمد مصطفي, ومحمد حسن لجدارية سور شارع الهرم, ووقع هذا الاختيار من قبل لجنة التحكيم المكونة من ستة فنانين وهم: الفنان محمد سالم, مصطفى الرزاز, رضا عبد الرحمن, رضا عبدالسلام, أيمن السمري, حسام العطار مدير تنفيذ المشروع، مع العلم بأن قطاع الفنون التشكيلية تكفل بالمشروع ، كما بدرت مساعدات من كلا من حي الدقي والهرم تذليلا للعقبات من مثل ترميم الجدران وتجهيزها قبل الرسم عليها, وشراء وحدات الإضاءة اللازمة. توجهت شبكة الأخبار العربية "محيط" إلى أحد منفذي ومصممي جدارية شارع السودان الفنان شادي أديب وجرى هذا الحوار: محيط: ما هو موضوع الجدارية بالتحديد؟ أديب: الموضوع هو قصة طفل يجري خلف طيارة ورق, وهذه الطيارات تملأ مساحة كبيرة من العمل بخطوط السرعة والحركة, ويستمر الطفل في الجري في مساحة فارغة من الليل إلى أن يدخل بحصانه الخشب داخل المدينة, ثم تتحول المدينة لمساكن وتتجسم لتتحول لأشخاص, هؤلاء الأشخاص يحاولون القضاء على الطائرة لكنها تستمر في الطيران ولا تموت, حتى يرهق الطفل ويجلس في مكانه الفارغ, فهو يمر بمراحل "ليل, نهار, ليل, ثم هدوء, وهدوء, صخب, وينتهي بالهدوء" فهذه هي تيمة حركته, بأننا جعلناه يسير كشريط السنيما كل الخطوط مرتبطة ببعضها. محيط: ما هو الإتجاه الذي ينتمي إليه تصميم الجدارية ؟ أديب: الجدارية جمعت بين تصميمي وتصميم محمد خفاجي, كان مشروعي تجريدي شعبي, وخفاجي تجريد تعبيري, وهذا تسبب في مشكلة لربط التصميمين في جدارية واحدة ذات روح واحدة , فقد اعتمد عملي على الخلفية والمساحات الفارغة, وطيارات ورق تطير فوق هذه المساحات الفارغة, أما عمل خفاجي فاعتمد على المباني والمدينة, ومن هنا اتفقنا على أن يكون خفاجي بالخلفية ثم أقوم برسم الموتيفات "عناصر أو وحدات الرسم" ، وبحيث أقوم بربط العمل ككل وحركة العين بالجدارية. لكن ما حدث في جدارية الهرم ان الفنانين قاما بتقطيع تصميماتهما وتجميعها من جديد, فاستغرق هذا وقتا طويلا منهم في الموافقة على التصميم, وجداريتهما احتاجت مساحات تجريدية لأن من يأتي من طريق مصر أسكندرية يراها بسهولة من بعد , أما جداريتنا بشارع السودان فكان لابد من عمل فن شعبي بها لأن متلقي جداريتنا يراها عن قرب نتيجة محدودية المكان . محيط: كم يبلغ حجم جدارية شارع السودان؟ أديب: أنا وزميلي قدمنا مشروعنا على أساس أنه سيكون 11متر×3متر, ولكن فوجئنا بأن مساحة تنفيذ المشروع تبلغ 130متر×4متر. محيط: ما هي أهم بؤرة في التصميم؟ أديب: يوجد أكثر من بؤرة في التصميم وهي: القمر, الهلال, الطيور التي تجلس فوق الهلال كموروث شعبي, والهلال المربوط, والطفل الذي يركب على حصانه الخشب "وهو يمثل أسرع أداة له ليجري وراء الطيارة حلمه, ثم المدينة التي تنقلب إلى أشخاص, وبعدها الشمس التي تأكل كل شيء ؛ فالطيارة تتجه للشمس مثل الفراشة التي تدور حول الشمعة إلى أن تتناقص ثم تتزايد في الأماكن الهادئة غير الصاخبة". محيط: هل وجه لكم نقد بعد الانتهاء من العمل بالجدارية ؟ أديب: حمدا لله لم يوجه لنا أي نقد حتى الآن , باستثناء مجموعة قليلة جدا قالت أن الألوان المستخدمة في الجدارية كانت زائدة عن الحاجة, جدارية شارع السودان وردا على ذلك فانا أقول لهم أنني في مكان شعبي, ولابد أن تكون ألواني زائدة حتى ترى، وقد لاحظت سعادة الجمهور بالجداريات بدليل عدم تشويههم لها حتى الآن . محيط: هل تذكر مواقف طريفة أثناء إعداد الجدارية ؟ أديب: عندما أنهينا العمل وبدأنا في كتابة أرقام الكودات على الحائط, مرت سيدة علينا وشاهدتنا نحمل أوراقا ونكتب على الحائط, فصرخت وقالت: "ما الذي تفعلوه؟! الفنانون يعملون بجهد كبير منذ عشرة أيام وأنتم تكتبون أرقام على الحائط وتشوهوا الجدارية", ثم أطمأنت عندما ظهرنا لها وشاهدتنا. محيط: ما العقبات التي واجهتموها ؟ أديب: صعوبات كثيرة ، فقد سرقت السقالة من وسط الشارع, وكذلك كشافات الإضاءة, وكنا نعمل ب"الشارع" وهذا في حد ذاته عقبة, كما أننا كنا نرتدي كمامات لنتفادى العوادم. وللحق فإن قطاع الفنون ساعدنا كثيرا ، لكن الحي لم يقم بالدور المنتظر منه ، حيث لم يظهر إلا في الأسبوع الأخير من إنهاء الجدارية ، وأعتقد أن لذلك علاقة بقرب زيارة وزير الثقافة فاروق حسني للافتتاح , كما تأخر الحي في تسليمي الجدار جاهزا للعمل عليه فقد كان موعدنا المتفق عليه هو 20 ديسمبر الماضي ، ولكن أسباب جعلتنا نبدأ في 18 يناير وفوجئنا بأن الحي لم يستكمل تجهيز الجدار للعمل عليه كترميم بعض الأجزاء في الحائط وتجهيز السقالات ووحدات الإضاءة, حتى جاءت شركة داعمة معاونة دفعت قيمة التصليحات وقامت بشراء بعض لوازم العمل. الدكتور مصطفى الرزاز تحدث نيابة عن لجنة تحكيم الجداريات وقال أننا نسعى في صالون الشباب لربط الفن بالشارع وبالناس حيث لا تسود ثقافة زيارة قاعات العروض الفنية , وقد تضافرت جميع الجهود نهاية بالفنان وزير الثقافة فاروق حسني وبالأخص لأن المهرجان في عامه الأول ويعد تجربة فريدة للقطاع . من أروقة الأعمال الفنية الفائزة وجولة أخرى وضمن مهرجان الإبداع التشكيلي الأول بمصر ، ولكن هذه المرة بأروقة مسابقة العمل الفني ، حيث تم اختيار أعمال الفنانين المشاركين بالمسابقة وفقا للجنة التحكيم التي رأسها الفنان رضا عبدالسلام, وقوميسير المعرض أيمن السمري . توزعت العروض هذا العام في قاعات عرض مختلفة وهي: قاعة أفق واحد بمتحف محمود خليل وحرمه , قاعات مركز الجزيرة للفنون بأرض الجزيرة, مركز محمود مختار الثقافي, مركز كرمة بن هانيء" متحف أحمد شو قي", وانتهي العرض بقلعة قايتباي بالإسكندرية. عرض على اللجنة 764 عملا ل 566 فنانا , قبل منهم 308 عملا ل 231 فنانا وذلك في مجالات الفن المختلفة "التصوير, الرسم, النحت, الخزف, الجرافيك, كمبيوتر جرافيك, الميديا, التصوير الضوئي, الأعمال المركبة, البيرفورمانس". حددت اللجنة الجوائز الرسمية للمسابقة و قيمتها 175ألف جنيه , فاز بالجائزة الكبرى وقيمتها 25 ألف جنيه الفنان محمد نبيل عبدالسلام مناصفة مع أحمد بسيوني ومجدي السيد , أما جوائز الصالون العشر التي تصل قيمة كل منها 10آلاف جنيه فذهبت إلى أحمد بدري, أحمد صبري, إيمان اسامة, حمدي رضا, إيمان عزت, محمود الدويحي, عبدالمجيد إسماعيل, محمود حلوي, والجائزة التاسعة مناصفة بين كلا من محمد عبداالكريم, وحسام هدهد, وأيضا الجائزة العاشرة لأسامة امام, وأمير الليثي. فاز بجائزة الفنان صلاح طاهر وقيمتها 10آلاف جنيه الفنان محمد إبراهيم المصري, وكانت هذه هي جميع الجوائز الرسمية, أما الجوائز الغير الرسمية فهي: جائزتان من شركة بيبسي قيمة كل منها 10آلاف جنيه وكانت الجائزة الأولى مناصفة بين صالح عبد الصبور, سارة مصطفى, والثانية أيضا مناصفة بين حورية السيد, وشيرين مصطفى. كما منح الفنان محمد منير خمسة جوائز لخمسة فنانين قيمة كل منها 1000جنيه كانت من نصيب, أبو عبيدة صلاح, ماجد محمد زكي, مريم حسن, هبه خليفة, لينا أسامة, أما مكتبة الإسكندرية فقد منحت مروة عزت, وأسماء النواوي جائزتين قيمة كل منها خمسة آلاف جنيه, كما منحت أيضا كريم القربطي, وطارق حواس جائزة الفنان المقيم بمكتبة الإسكندرية.
الفنان محمد نبيل عبد السلام الفائز بالجائزة الكبرى "مناصفة" قدم عملا مركبا يتكون من لوحتين كبيرتين في إطار التجريد الهندسي لمناظر تعبر عن المدينة, تمكن الفنان من تناولها من خلال رؤية مختلفة, عمل مركب للفنان محمد نبيل امتدت هذه التصميمات لتنعكس برؤية أخرى على جدار باب, وتستمر في زحفها لتغطي سطح مكتب وداخل طابعة ليدخل المشاهد في عالم الفنان الهندسي الذي نفذه بالحفر على اللينو" الطباعة البارزة " باللونين الأسود و الأبيض, وقد تميز العمل بالديناميكية و الحركة رغم اعتماده على الخطوط الحادة, وقد علق الفنان بجانب العمل ورقة تشرح فكرة العمل المرتبط بموضوع الصالون "مذكرات شخصية", فالفنان كان يجلس بالفعل على هذا المكتب في عام 1994, يغلق عليه الباب يكتب قصيدته التى استوحى منها تصميماته المعمارية وموضوعها "السخرية من جمود المشاعر والأحاسيس بين الأشخاص, في ظل المباني الأسمنتية الصلبة ". أما عمل الميديا المشترك بين مجدي السيد وأحمد بسيوني والذي حصل على النصف الآخر من الجائزة الكبرى فقد اعتمد على التكنولوجيا واستخدام الوسائط الحديثة, تضمن العمل مجموعة من العروض أولها عرض فيديو يصور زحام وصخب الشارع المصري وسير الأشخاص بعشوائية وسط الحافلات, وذلك من منظور أفقي, يتم العرض برؤية جديدة تعتمد على التغيير في سرعة وحركة مرور المشهد, "بسرعة, ببطء, تقدم, رجوع", كما تضمن العمل رسوم على الحائط, وفي جانب من العرض تعمل ماكينة خياطة باستمرار في قطع القماش الكبيرة , فبرغم المجهود الكبير الذي بذله أعضاء اللجنة إلا أن هذا العرض - برأيي- ظلم في هذا المكان الخانق وسط أعمال بعض الفنانين. بينما أرادت الفنانة إيمان عزت الحاصلة على جائزة "الصالون" الدخول في مرحلة الزهد في اللون ليخرج المتلقي من بؤرة الانبهار باللون, ولذلك رأينا ذلك الاختزال الشديد سواء في اللون أو العلاقات الهندسية في العمل ككل. الفنانة في هذه المرحلة كانت تبحث عن ما وراء الفكرة فاستخدمت الشفافية في لوحاتها لترتقي بالمتلقي للوصول إلى شفافية الروح, وحولت المسطح إلى هندسيات ذات قيم جمالية, كما اعتمدت على الفراغ والكولاج الجرافيكي في توصيل هذه الفكرة, فعندما نتأمل عملها سرعان ما نتفاعل معه ونشعر بحوار وجداني يأخذنا لما وراء اللوحات, لنكتشف ذاتنا ونتخيل ما يجول بداخلنا من مدركات حسية تجاه العمل. أما الفنانة أسماء النواوي التي حصلت على جائزة مكتبة الإسكندرية "مناصفة" فقد اهتمت بإظهار النسب الحقيقية لموديل جالسة يبدو خلفها اللون الأخضر الذي تعاملت معه بجرأة شديدة أظهرت براعتها في صياغة التكوين. وأشيد بأعضاء اللجنة الذين اهتموا مجددا بمنح جوائز لصاحبي الأسلوب الواقعي, والموافقة أيضا باشتراكهم في الصالون بجانب الاتجاهات الجديدة. من أعمال النحت المميزة عمل الفنان أمير الليثي الذي حصل على جائزة الصالون "مناصفة" فهو يستخدم خامة الحجر تلك الخامة الصعبة التي تعامل معها بإتقان, فهو يجمع بين الملمس الخشن والناعم في عمل واحد, وقد استحق بالفعل هذا العمل الجائزة ولكن الفنان شكل قطعته النحتية الكبيرة من أكثر من خمس قطع قد عرضها في أكثر من معرض سابق له، وذلك على الرغم من شروط الصالون المعلنة بعدم قبول أعمال معروضة من قبل . المسابقة في الميزان تتوالى سلسلة الأعمال التي تجاهلت شروط المسابقة والمذكورة آنفا وهي عدم تقديم أعمال معروضة ، فنجد فنانين يعرضون أعمالهم القديمة والتي ربما أشير إليها في وسائل الإعلام بل ويفوزون بجوائز المسابقة !! ، فعلى سبيل المثال عمل الفنانة مريم حسن الحاصلة على جائزة الفنان محمد منير قد عرضته في معرضها الشخصي من قبل ، وكذلك الفنان الفوتوغرافي أحمد فتيح . ننتقل لشرط آخر من شروط المسابقة تم تجاهله وهو جدة فكرة العمل الفني ، وشاهدنا بعض الأعمال ذات الفكرة المكررة لنفس الفنان من مثل العمل الذي قدمه الفنان "حسام هدهد" الحاصل على جائزة الصالون مناصفة ، وهو عبارة عن عرض فيديو يركز على الوجه المتغير بلقطات مختلفة ، وقد شاهدنا للفنان عملا حمل نفس الفكرة - برأيي- منذ خمس سنوات بمعرض مع الدكتور شادي النشوقاتي ، وكل التغيير كان في شكل الوجه، وعلى الرغم من أن النشوقاتي عضو لجنة التحكيم فقد فاز العمل!! وضمن نفس التكرار فقد فاز عمل للفنان محمود حلوي بجائزة الصالون رغم استخدامه المتكرر للمربعات في تكوين جديد، وعرض له في العام السابق عمل مشابه في الفكرة والخامة من حيث استخدام الورق والرمز والصور الفوتوغرافية للأشخاص ، إضافة لأن هذا العمل بالأساس مقارب للغاية لأحد أعمال الفنان شادي أديب المعروض في عام 2002 وبنفس الخامة مع تغيير صور الأشخاص . كان من المفترض بحسب شروط المسابقة أن العمل الفني المختص بالأشغال اليدوية غير مسموح بتقديمه للصالون لأن قطاع الفنون ينظم له معارضه الخاصة ، ونفاجأ بعمل للفنانة مروة طلعت " مركب" حيث صنعت غرفة من الستائر الشفافة داخلها أغراض أبيها ، مع العلم بتكرار فكرة استخدام الستائر من عمل قدمته العام الفائت. لا يمكن المرور على صالون الشباب ومسابقته دون الإشادة بالتغييرات التي لمسها الفنانون هذا العام ، ومنها مسابقة العمل الجداري التي زينت الشارع المصري ، وساعدت الأعمال الفنية على الاحتكاك بالجمهور، وحسبما علق رئيس لجنة تحكيم الصالون د. رضا عبد السلام على سؤال شبكة الأخبار العربية محيط حول تحكيم الصالون ، فقد تم انتقاء الأعمال بعناية وبتصويت ديموقراطي ، وأضاف : " لاحظت في الدورات الست الاخيرة للصالون تراجع في مجالات الفن الأكاديمية مثل الرسم والتصوير والجرافيك في مقابل زيادة تناول الشباب للتقنيات الجديدة مثل " الفيديو آرت ، الميديا ، إنستليشن" ، على الرغم من أن الأولى هي مجالات الفن المهم ، مضيفا أنه حرص على التوازن بين كافة المجالات بحكم رئاسته للجنة ، ورأى أن الأعمال الفائزة بالجائزة الكبرى كانت هي الأكثر قربا من موضوع مسابقة الصالون "المذكرات الشخصية" ، إضافة لتميزها الفني. ومن جانب آخر فقد رأى قوميسير المعرض د. أيمن السمري أن الشباب يفهمون المشاركة في الصالون بصورة خاطئة ، فالأعمال التي رفضت لم تكن على المستوى المطلوب ، أما الأعمال التي قبلت من الفنانين الشباب الجادين فكانت جديرة بالدراسة لأنها المحرك الأساسي لمستقبل الفن التشكيلي . "محيط" توجهت للفنانة الدكتورة أماني فهمي مدرس التصوير بكلية الفنون الجميلة ، والتي تذكرت جولتها على قاعات عرض صالون الشباب ، وقد اعجبت في البداية بالأعمال المعروضة بمركز الجزيرة للفنون ، غير أن "الصدمة"- بحسب تعبيرها- ألمت بها حين شاهدت باقي قاعات الصالون ، وقالت بأن الأعمال المقدمة بقاعة أحمد شوقي كانت نموذجا للإهمال والضعف الفني إضافة للعرض السيء ، بجانب الشكل السيء لقاعة نهضة مصر والتي أضاعت قيمة بعض الأعمال الجيدة ، معتبرة أن قاعة "أفق" هي الأفضل من حيث مستوى الاعمال وطريقة العرض. وعن تقييمها لأداء الصالون الاعوام السابقة مقارنة بالحالي ، رأت فهمي أنه بالفعل قدم جديد ، وكان متنوعا، إضافة لتيار العودة للفن الأكاديمي المدروس، وقد لمحنا أفكارا جديدة ، تشخيص، تجريد مطلق، تجهيز في الفراغ ، في حين كان الاهتمام بالفن الأكاديمي قليلا جدا ، الأمر الدال على الموازنة التي أحدثها الصالون بين الاتجاهات المختلفة . أما عن جوائز الصالون فرأت أنها كانت في محلها "أحيانا" ، ورجت ألا تشوب لجنة التحكيم الانحياز الذي جرى سابقا ،وانتقدت تفتيت الصالون في أكثر من قاعة عرض ، فمعظم الجمهور لم يستطع متابعة فعالياته خاصة وإن إحدى القاعات بالإسكندرية ، إضافة لأن كثير من القاعات ضيقة على الأعمال المقدمة ،ورجت كذلك في أن يحتضن قصر الفنون ثانية الصالون . الجداريات ضعيفة برأي الفنانة آماني ، لأن ألوانها " صاخبة جدا ومتنافرة مع البيئة وزادت من عوامل إثارة الأعصاب بالشارع المصري" ، أما المعرض العام فقد انحدر مستواه ، ويحتاج لمزيد من الاهتمام بالفنانين المصريين الكبار ، فالتقليدية الشديدة والركود يشويانه . قطاع الفنون التشكيلية لم ينسى في خضم هذا المهرجان الفنانين الكبار والذين تجاوزوا الستين ، فقد عرضت أعمالهم بقصر الأمير طاز في معرض تحت عنوان "صالون مصر" ، ضم خمسة عشر فنانا من رواد الفن المصري ومنهم صلاح طاهر ومحمد صبري .