يقاس الدور الذي يمكن أن تلعبه دولة ما في مسرح الأحداث أو المشهد السياسي العالمي بإمكاناتها البشرية والمادية وقدرتها على التأثير في سياسات الآخرين، وبالرغم من المساحة الصغيرة للدولة القَطَرية ومكوناتها البشرية والجغرافية المحدودة، غير أنها لعبت دوراً كبيراً في السنوات الأخيرة . ومن ثم فإنها ظاهرة تستحق الوقوف عندها من أجل تحليل أبعادها، وخاصة بعد ظهور علامات من التعجب حول دورها خلال ثورات الربيع العربي.
مقومات وقدرات: برز دور قطر في السنوات الأخيرة لكونها تمتلك عدداً من المقومات والقدرات ويتطلب فهم نزوع قطر لاستخدام هذا الشكل من القوة تحليل ما تمتلكه من عناصر، يتمثل العنصر الأول في فائض المال الذي تمتلكه والذي أصبح جزءً من البنية الاقتصادية التي تتبعها، إذ يعد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومستويات المعيشة بها من أعلى المستويات في العالم.
ورغم أن ثروتها تقوم بالأساس على صادرات النفط والغاز الطبيعي، ولكنها اتخذت خطوات أخرى لتنويع قاعدتها الاقتصادية، وبناء قطاع مالي قوي يدير استثمارات ضخمة، وبرز دورها الاقتصادي القوي من خلال المساعدات القطرية لمصر عقب ثورة 25 يناير علاوة على دورها في الحرب على ليبيا.
أما العنصر الثاني، فيتمثل في الانخراط القطري في الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ويتضح ذلك من خلال وجود قاعدة أمريكية في الدوحة على بُعد كيلو مترات قليلة من قصر الأمير حمد بن خليفة.
كما تعتمد قطر على الأداة الإعلامية (إحدى أدوات القوة الجديدة) في ممارسة دورها في المنطقة، فلعب التطور السريع لقناة الجزيرة، من مجرد قناة إخبارية عربية إلى شبكة إعلامية دولية ناطقة بلغات متعددة، دوراً مهماً في تعزيز دور قطر ومكانتها.
فلا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي أدته قناة الجزيرة القطرية في ثورات الربيع العربي، وبشكل خاص في تونس ومصر وليبيا، وبعيداً عن المعايير المهنية، فإنه من الطبيعي أن تكون الجزيرة، المملوكة للأسرة الحاكمة في قطر، أداة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة قطر وأميرها.
مظاهر القوة: ونظراً لامتلاكها تلك القدرات والمؤهلات، نشطت قطر في أداء دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، والمشاركة بدور قيادي في المؤسسات الدولية، حيث نجحت عام 2008 في التوسط لإبرام "اتفاق الدوحة" لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان، كما قامت بدور الوسيط أيضاً عام 2010 من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور.
وفي الحالتين، حققت قطر نجاحاً في الوقت الذي أخفقت فيه القوى الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى؛ الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط بين الأطراف المتنازعة، فضلاً عن قيادتها الجامعة العربية لاتخاذ إجراء لإنهاء الأزمة في سوريا، بل وذهبت أخيراً إلى حد المطالبة بتدخل عسكري خارجي.
وتعد قطر أيضاً من بين الدول العربية التي بدأت عملية إصلاح سياسي، حيث تحركت خلال السنوات الأخيرة نحو تبني بعض الآليات الديمقراطية، خاصة أنها كانت ثاني دولة خليجية تمنح المرأة حق التصويت والانتخاب، بعد عمان.
وبعد عرض مظاهر القوة يبرز تساؤل مهم حول مدى قدرة قطر على اتخاذ مواقف منفردة في عدد من القضايا الدولية والإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالقوة العسكرية.
قوة عسكرية: من خلال المتابعة الجيدة للدور القطري نجد أن قوته تكمن بشكل كبير في ثروة الدولة، وأداتها الإعلامية، وهو ما منحها قدراً كبيراً من القوة التفاوضية السياسية والدبلوماسية، ومكنها من الاحتفاظ بنفوذ ملحوظ في المنطقة بدون امتلاكها قوة عسكرية كبيرة.
فلا تزال قطر تفتقد إلى القوة العسكرية؛ الأمر الذي يعيق من قدرتها على التدخل في القضايا الدولية والإقليمية بشكل أحادي الجانب؛ لأن غياب القوة الصلبة - تحديداً العسكرية - يمنعها من القيام بمغامرات عسكرية، ويجبرها على الاعتماد على الطرق غير العسكرية للتدخل.
ولذا؛ يجب عليها - إن أرادت الحفاظ على قوتها وممارسة النفوذ والقيادة مستقبلاً -أن تطور قدراتها العسكرية لأنها تمثّل عاملاً مهماً للهيمنة في العالم العربي.