بعد وصف وزير العدل موضوع المصالحة مع رموز النظام السابق، بالقرار السياسي المتوقع طرحه في الأيام المقبلة، ووصفها بالحاجة الملحة والضرورة القصوى لتجاوز أخطاء الماضي، تعددت الآراء والتصورات وأثير الجدل بشأن هذا الموضوع، الأمر الذي يستوجب فتح هذا الملف من جديد، ومعرفة ملابساته، ومدى نفعه أو ضرره على المجتمع المصري. وبالرغم من تعدد التعريفات الخاصة بمفهوم المصالحة الوطنية، غير أنها تُعرف بالسعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي واستمراريتها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتصحيح ما ترتب عنها من أخطاء وانتهاكات، وضرورة تقديم الجميع لحلول خاصة بمعالجة الملفات والقضايا المختلف حولها، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل من خلال التأسيس في الحاضر.
ومن خلال هذا المفهوم، يثار حالياً التساؤل حول مدى إمكانية تصالح النظام الحالي مع رموز النظام السابق؟
أصوات مختلفة: وعقب إعلان فوز د:"مرسي" برئاسة الجمهورية، تعالت بعض الأصوات المطالبة ببدء المصالحة الوطنية للخروج بالبلاد من كبوتها، فتقدم عدد من الأطياف السياسية والقوى الوطنية والأحزاب بمبادرات، لتجميع شتات أطياف الشعب تحت عباءة واحدة، للوصول إلى الهدف المنشود وهو العبور بالبلاد إلى بر الأمان، وتحقيق مبادئ ثورة 25 يناير.
ورحبت بعض القوى مثل الجماعة الإسلامية وحزب النور السلفي بالمصالحة الوطنية، مع إصرارهما على استعادة الأموال المهربة مقابل التصالح مع مهربيها، دون التضحية بدم قتلة الثوار.
بينما خرجت قوى أخرى ترفض موضوع التصالح جملة وتفصيلاً، باعتباره يضر بالمصلحة العامة؛ لأنه سيشجع الموظفين العموميين على اتخاذ نفس النهج من السرقة والفساد، وفي النهاية يتصالحون مع الدولة.
تدخل قانوني: وما بين هذا وذاك تدخل فقهاء القانون لحل إشكالية مفهوم المصالحة، وبخاصة مع رموز النظام السابق، فطالب عدد من القانونيين بسن تشريع ينظم عملية التصالح؛ حتى لا تقف عند المرحلة الأولى فقط.
وأوضح المستشار "محمد حامد الجمل" (رئيس مجلس الدولة الأسبق)، أنه لا توجد بنود تحدد آليات التصالح، كما لا توجد موانع دستورية أو قانونية لإجراء المصالحة المجتمعية.
ومن جانبه أوضح د: "إبراهيم العناني" - أستاذ القانون الدولي العام بجامعة عين شمس - أن المصالحة الوطنية تأتي من خلال توافق كل التيارات والقوى السياسية على هدف واحد لبناء "مصر" الجديدة، مشدداً على ضرورة المصالحة في إطار القانون ومحاسبة المخطئين، وأشار إلى ضرورة إعادة المحاكمات، خصوصاً في الجرائم التي شملت تبديد الأدلة قائلاً: (لا تصالح في جرائم السلب والنهب وبيع الأراضي وقضايا القتل للمتظاهرين) .
كما ترى "أميرة الشنواني" - أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة - "أن المصالحة يجب ألا تشمل رموز النظام السابق فقط، ولكنها يجب أن تشمل كل القوى السياسية والأحزاب، مع عدم التهاون مع قتلة المتظاهرين، وأن يأخذ القانون مجراه، ومحاسبة كل من أفسد الحياة السياسية، ونهب خيرات مصر؛ حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعب".
وبعد عرض تلك الرؤى، هل يتمكن صانعو القرار المصري من وضع حلول لإتمام عملية المصالحة؟
حلول نهائية: ونظراً للجدل الدائر حول أهمية فكرة المصالحة، يرى عدد من المحللين بأنه في حالة القبول بها، يجب على صانع القرار وضع عدة بنود على مائدة المفاوضات، من أجل ضمان نزاهة عملية المصالحة ومنها:
مطالبة رموز النظام السابق من رجال أعمال وقيادات سياسية وتنفيذية، بتقديم نقد ذاتي علني، مع تقديم اعتذار واضح وصريح للشعب على ما ارتكبوه من أخطاء لا تستوجب المحاكمة، مثل تزييف وعي الجماهير، والإذعان لمخطط التوريث.
علاوة على ذلك ينبغي عدم التساهل فيما يتعلق بالجرائم الجنائية، وفصلها فصلاً تاماً عن المصالحة الوطنية، فضلاً عن ضرورة الاعتماد على أساليب قانونية وسياسية سليمة، من بينها التفاوض والحوار مع رموز النظام القديم من أجل عزلهم سياسياً وتقليص نفوذهم المادي والمعنوي في المجتمع، لذا لا بد من اعتماد آليات الإفصاح والمكاشفة عبر وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
وخلاصة القول: ينبغي على الرئيس "محمد مرسي" أن يراعي هذه الشروط في سعيه لتحقيق المصالحة الوطنية، وعليه أن يترجم دعوته للمصالحة الوطنية إلى قوانين وإجراءات، وليس مجرد خطب وعبارات تهدف لكسب ود طرف على حساب طرف آخر، بل يجب عليه أن يعرض على الشعب المصري ملابسات ما حدث في القضية أولاً بأول، مما لا يفتح مجالاً للشك حول نزاهة فكرة المصالحة.