في ظل المعاناة التي يعيشها الشعب السوري من قتل ودمار وتشريد ، جاءت الامراض لتزيد من معاناته اليومية، حيث انتشر مرض "اللشمانيا" أو ما يطلق عليه "حبة حلب" بشكل مخيف في حلب . وأصاب هذا المرض مؤخراً عددا كبيرا من سكان شمال سوريا الذين نزحوا بكثرة من القرى المجاورة إلى حلب. ويؤدي هذا المرض غير القاتل إلى إضعاف جهاز المناعة فى الجسم، وكان يقتصر على ريف الشمال السوري قبل بدء النزاع منتصف مارس 2011، إلا أن عدد المصابين بهذا الداء بات يزداد بشكل كبير فى العاصمة الاقتصادية للبلاد التى تشهد معارك ضارية.
وتزايد عدد المصابين بهذا الداء، في ظل تكدس أكوام القمامة المرمية في الشمس والرطوبة بحلب ، ووفقا للعيادات الطبية الميدانية في المدينة فإن "ما بين 200 و250 حالة لشمانيا تأتي بشكل يومي للعلاج" .
مرض بيئي وهذا المرض هو إصابة جلدية سطحية تسببها طفيليات اللشمانيا التي تنقلها ذبابة الرمل من كائن حي مصاب " إنسان – حيوان قارض" إلى إنسان سليم ، والأطفال هم الأكثر عرضة لإصابة بهذا المرض نظراً لنقص مناعتهم.
ويعتبر هذا المرض واحدا من الأمراض السارية الواسعة الانتشار في العالم وموجود في جميع القارات عدا استراليا , والدليل على ذلك استيطان المرض في أكثر من 88 دولة في العالم من بينها 76 دولة من الدول النامية، أي انه مرض بيئي بحت وتسببه طفيليات صغيرة تدعى بطفيليات اللشمانيا نسبة إلى العالم الألماني الذي اكتشفها (لايشمان).
وكان الدكتور سالم حداد رئيس دائرة الأمراض البيئية والمزمنة في مديرية حمص قد أوضح من قبل أن هناك مجموعة من العوامل التي تساعد على انتقال وانتشار هذا المرض وهي : التوسع السكاني والعمراني والزراعي والعسكري ، النشاط الاقتصادي ومثال على ذلك إقامة السدود بهدف رفد النشاط الاقتصادي ولكن هذه السدود بنفس الوقت وفرت الرطوبة المناسبة في أماكن وجودها وعامل الرطوبة يعتبر عامل استقطاب لذبابة الرمل التي تنقل المرض وتكاثرها .
كما تشمل هذه الاسباب الهجرة السكانية الداخلية كمثال رعاة الأغنام الذين يقومون سنويا بالانتقال مع مواشيهم إلى أماكن تواجد الكلأ والماء وغالبا تكون هذه الأماكن موبوءة بمرض اللشمانيا الجلدي فيتعرضون لهذا المرض وفي فصل الشتاء يعودون إلى أماكن إقامتهم وتبدأ الإصابة بالظهور خلال أسابيع أو أشهر وبالتالي يصبحون مصدرا لانتقال المرض إلى غيرهم من السكان الموجودين في محيطهم .
ومن أسباب انتشار المرض أيضا النشاط العمراني غير المنظم الذي يؤدي إلى تراكم الأنقاض بالقرب من تلك المساكن وبالتالي تتهيأ الظروف المناسبة لتواجد ذبابة الرمل ، كما أن القيام بتربية الأغنام والأبقار والدواجن بشكل غير نظامي ضمن الأماكن المأهولة يؤدي إلى تواجد وتراكم روث تلك الحيوانات بين المساكن وتعتبر تلك الروث ملاذا آمنا لذبابة الرمل وبيئة صالحة لتكاثرها .
وباء القرن ال18 انتشر هذا المرض كالوباء في المدينة في القرن الثامن عشر ، وأطلق عليه الأطباء الذين كانوا أول من اكتشفوه اسم "حبة حلب" ، ولكن الآن بسبب أكوام القمامة المبعثرة في الشوارع، عاد المرض للانتشار مرة أخرى بصورة لا يمكن السيطرة عليها ، حيث يشير أحد سكان المدينة أنه في بعض المناطق، نجد أن ثمانية من بين كل عشرة أفراد حاملون للعدوى. يبدأ مرض الليشمانيا الذي ينتقل من خلال لسعة بعوضة في صورة قرحة ، وفي حالة تركه دون علاج ينمو وينتشر عبر أجزاء جسم المصاب .
وفي البداية لابد من الإشارة إلى أن مرض "اللشمانيا" استقر لعدة عقود من الزمن في محافظة حلب وحسب اعتراف مدير صحة حلب أن عدد المصابين باللشمانيا وصل في عام 2008 إلى 18603 إصابات بينما كان العدد 10295 إصابة في عام 2007 أي بزيادة قدرها 8308 إصابة وهذا يعني أن انتشار المرض وزيادة عدد الإصابات يعود إلى توفر الظروف المناسبة والعوامل المساعدة على انتقال وانتشار هذا المرض وعدم وجود تنسيق دقيق ومنظم بين مختلف الجهات من أجل التخفيف قدر الإمكان من انتشار المرض وزيادة عدد الإصابات.
وتشير صحيفة "الشرق الأوسط" انه تم تحويل مدرسة سابقة إلى عيادة لعلاج الحالات المتزايدة من المصابين بهذا المرض، وفي العيادة أتت أم علي مصطحبة ابنها وابنتيها لأخذ الحقن. كانوا جميعا حاملين للمرض ويجب أن يأتوا إلى هنا كل ثلاثة أيام لتلقي العلاج. تنظر صغرى بناتها بينما تغرس الممرضة الإبرة في وجه أمها، ثم لا تلبث عيناها أن تغرورقا بالدموع لدى إدراكها أن دورها هو القادم. لكن من دون أخذ الحقن، مع كونها مؤلمة، سوف تتفاقم حالة التقرحات التي تعاني منها سوءا. ويقول الدكتور محمود "وهو اسمه المستعار" الطبيب الوحيد في العيادة :"في البداية كنا نعالج كل الأمراض هنا. ولكن مع زيادة انتشار مرض الليشمانيا قررنا أن علينا التركيز عليه. اليوم، نتابع حالات يتراوح عددها ما بين ثلاثمائة وأربعمائة مريض يوميا" ، وذلك حسبما جاء بوكالة الانباء الفرنسية.
ومع استحواذ الجيش السوري الحر على مستشفيات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في حلب، تعقبهم الدكتور محمود وقام بجمع المتوفر لديهم من "الغلوكانتيم"، وهو الدواء الشائع استخدامه لعلاج المرض. لكن قبل سبعة أسابيع، نفد المخزون لديه ويكافح من أجل توفير أموال لشراء المزيد.
ويصل سعر كل أمبولة إلى 200 ليرة، ويجب جلبها من الخارج إلى حلب والأمر الذي يضاعف من حجم المشكلات بالعيادة هو أنه لا يمكن علاج المرضى كافة باستخدام الغلوكانتيم. ويضيف: "إنه ليس آمنا بالنسبة للنساء الحوامل نظرا لأنه قد يسبب الإصابة بخفقان القلب". ويواصل قائلا: "نحن بحاجة لعلاجهن باستخدام النيتروجين السائل من أجل تجميد القرح، لكننا لا نملك مخزونا منه على الإطلاق".
مجرد شائعات وبعد انتشار الانباء التي تشير إلى عدم توفر أدوية علاج حبة حلب "اللشمانيا" في المراكز الصحية والتخصصية التابعة لمديرية صحة حلب أوضح الدكتور وضاح حسين مدير الصحة خلال الشهر الجاري أن مادة الغلوكانتيم الخاصة بمعالجة حبة حلب ( اللشمانيا ) متوفرة في جميع المراكز الصحية والتخصصية العاملة في المحافظة والتي تتبع لمديرية صحة حلب .
وحول هذه الشائعات أكد مدير الصحة أن ما تسرب من شائعات لا صحة لها على الإطلاق , منوهاً إلى أنه حصل هناك انقطاع جزئي في بعض المراكز نتيجة صعوبة النقل والاتصالات وتم تلافيه , وأنه توجد كمية كافية من الدواء المذكور , وستصل من وزارة الصحة في الأيام القليلة القادمة دفعة جديدة من العلاج اللازم حيث سيتم تزويد كافة المراكز العاملة من أجل تقديمها للمصابين وأن المديرية تكثف جهودها في سبيل توفير كل ما من شأنه الحفاظ على صحة وسلامة المواطن .
من جانبه بيّن الدكتور أسامة مكي مدير مركز مكافحة اللشمانيا أن المركز مستمر في تقديم العلاج للمصابين بكافة طرق العلاج عن طريق الحقن الموضعي أو العضلي إضافة إلى الإشراف على كافة المراكز الصحية العاملة و النقاط الطبية في مراكز الإيواء التي تقدم العلاج للمصابين موضحاً أن المرض عبارة عن عدوى يسببها طفيلي يسمى اللايشمانيا ينتقل عن طريق ذبابة الرمل أو ما يسمى بالعامية ( الشيخ ساكت ) ومدة حضانة المرض ما بين شهرين وستة أشهر , وأن السبب الرئيسي لانتشار الطفيلي أو ما يسمى مخازن المرض هو انتشار القمامة وعدم ترحيلها وأماكن الصرف الصحي والمستنقعات المكشوفة إضافة إلى أن الكلاب الشاردة والجرذان و القطط تشكل مستودعات لهذا الطفيلي .
وأشار مكي إلى أن الحل الجذري يتمحور في قطع سلسلة العدوى وتوفير البيئة النظيفة عن طريق ترحيل القمامة والقيام بعمليات رش المبيدات الحشرية خاصة وأننا مقبلين على فصل الصيف الذي تكثر فيه هذه الإصابات .
ودعا الجهات المعنية في المحافظة ومجلس مدينة حلب إلى القيام بواجبها في الحفاظ على بيئة سليمة خالية من الأمراض , وبذل المزيد من الجهود في مجال مكافحة المرض الأمر الذي يساهم في تخفيض عدد المصابين به.
جهود ذاتية ويبدو أن المواطنين قد فقدوا الامل في الجهود الحكومية لمكافحة هذا المرض ، فمع اقتراب فصل الصيف ومعه انتشار أسراب البعوض، قرر ربيع "30 عاماً" ، الطالب السابق في الفيزياء وعضو في مؤسسة الفطيم، أن يتولى الأمور بنفسه. ويجول ربيع مع ابن عمه وصديقه في حي طريق الباب في حلب والأقنعة الواقية تغطي وجوههم. يحملون آلة تنفث دخاناً أبيض كثيفاً هو "مزيج من الكاز والمبيدات". ونقلت صحيفة "الحياة" عن ربيع قوله :"قررنا أن ننظم أنفسنا نظراً إلى اقتراب فصل الصيف من أجل القضاء على البعوض المسؤول عن نقل المرض إلى الإنسان، وذلك قبل أن تلسع الناس".
وكانت السلطات تقوم كل عام بحملة تعقيم في المدينة قبل اندلاع المعارك فيها قبل حوالى تسعة أشهر. إلا أن ربيع وصديقيه هم الذين يقومون بهذا العمل الدؤوب هذه السنة في الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، مستخدمين سيارات "بيك أب" ابتاعوها من مساعدات حصلوا عليها من مقاتلي المعارضة وجمعيات خيرية تتعاون معها. وبلغ سعر الآلة التي ابتاعها ربيع من تركيا المجاورة حوالى 1500 دولار أمريكي. وينوي أن يجول بها الحي ليقوم بتعقيم حوالى عشرة شوارع في الساعة .
ويعي ربيع أن مهمته شاقة في وجود أكوام القمامة المنتشرة في كل زاوية من حلب، إلا أنه مصمم على إنجازها، وخصوصًا بعدما شارف عقار "الغلوكانتيم" المخصص لمعالجة الداء على النفاد من العيادة في حلب. وبات من شبه المستحيل الحصول على كميات إضافية من العقار المصنع في فرنسا.
الوقاية خيرٌ من العلاج ومن منطلق "الوقاية خيرٌ من العلاج" يفضل القضاء على المشاكل البيئية المتواجدة في مناطق ظهور الإصابات وهذا العامل يجعل البيئة غير مهيأة لاستقطاب ذبابة الرمل كما أنه من الافضل الكشف المبكر عن المرضى ومعالجتهم وتغطية مكان الإصابة ليلا والقضاء على القوارض الموجودة ضمن المناطق المأهولة بالسكان لأنها تعتبر واحدا من مصادر العدوى .
كما انه يجب القيام بحملات رش مبيدات من اجل محاربة ذبابات الرمل الناقلة لهذا المرض وتخفيف إعدادها إلى اقل عدد ممكن ونشر التوعية الصحية بين المواطنين من خلال التعريف بهذا المرض وطرق انتقاله . ومن أساليب الوقاية الفردية استخدام أغطية خفيفة أثناء النوم ( ناموسية ) ووضع شبك ناعم على النوافذ والأبواب لمنع دخول ذبابة الرمل وعدم القيام بنزهات ليلية إلى الأماكن التي يتواجد فيها ذباب الرمل .
كما أن على الأهالي أن يقوموا بالعناية بأماكن تواجد الأغنام والماعز والأبقار ونقل الفضلات يوميا إلى أماكن بعيدة عن السكان ، ومكافحة القوارض ضمن المنازل من خلال التعاون مع الوحدات الإرشادية الزراعية.
وفي النهاية نشير إلى أن الامراض بحلب لم تعد مقتصرة على "حبة حلب" فقط ، فبعد أن أصبحت ندرة وغلاء المواد الغذائية الأساسية ومواد الطاقة أبرز عناوين الوضع الإنساني المتأزم في مدينة حلب وباقي المدن السورية، فقد اضطر سكان المدينة لتقليص وجباتهم اليومية كماًّ وكيفاً، ولأن الأزمة طال أمدها كان لا بد من أن تكون لنقص التغذية تداعيات وآثار سلبية على الصحة العامة، يضاف إليها تراكم النفايات في الشوارع في منظر يتكرر في العديد منها ، فقد أدت لظهور حالات أمراض لدى الأطفال ناتجة عن نقص التغذية، مثل مرض نقص "الوارد البروتيني الحروري"، و"هو مرض كنا نسمع به في دول أفريقية فقيرة".
كما انه خلال الفترة الأخيرة، زاد عدد حالات الإصابة بالحروق الواردة على مستشفى الشفاء، حيث يستقبل يوميا ما بين ثلاثين وأربعين حالة، وذلك نتيجة استعمال مواد غير عادية كالحطب في التدفئة، فضلا عن تسجيل حالات تسمم بغاز أول أوكسيد الكاربون المرتبط بالتدفئة بواسطة الحطب.